عندما يخرج الفرنسيّون ليلا للبحث عن المجاهدين وسط المدنيّين، ويمرّون بين المنازل ويقتحمونها، تنبحهم كلابنا وتكتشف أمرهم ويستعد المدني ويختبئ أو يفر الجندي، لذلك قرّروا إعدامها كلها. وفعلا أبادوها عن بكرة أبيها وهي في مرابطها، والتي فرّت لاحقوها بالرّصاص حتى قتلوها منذ ذلك الوقت لم نسمع في شناوره نباحا لكلب حتى جاء الاستقلال. وكان لنا بغل أسود وديع إلى أقصى درجة يركبه كل من شاء لا يمانع أبدا، ومرة وقع في أيدي الفرنسيين وأرادوا ركوبه وهم لا يعرفون عن الفروسة شيئا، وكانوا يتداولون عليه ويضربونه لكي يمشي لما أقلقوه وآلموه، تسمّر مكانه ولم يتحرك، حاولوا وحاولوا إلا أنه أصرّ وألحّ ألا يخطو خطوة، زجروه، ضربوه وصمد حتى تركوه وشأنه، ومنذ ذلك اليوم والله وبالله وتالله كلما رآى الفرنسيين إلا وهرب لا يلوي على شيء، ولا يدري إلى أي اتجاه يتجه، المهم ألاّ يراهم ولا يلتقي بهم. لمّا اكتشف العدو أنّنا نستعمل البغال والحمير لتموين المجاهدين بالمؤونة، وقد يأخذها المجاهدون لحمل السلاح أو المرضى والجرحى، قرّروا اعتقالها كل ليلة لتبيت في الثكنة وتحت حراسة مشدّدة، وقد وضعوا لكل واحد منها رقما في حافرها ومؤخّرتها، وعند الرابعة مساءً يجب أن ندخلها معتقلها وفي الصّباح نخرجها. وما غاظني ذات يوم رغم صغري أنّ أحد أعمامي بلقاسم بن أحمد بن الشريف (قا قا أحند شريف) كما يناديه الجميع ماتت له أتان (حمارة) لكبر سنّها، فوالله لقد حزّ في قلبي وآلمني أنه وبجهد جهيد قطع قدمها الخلفية التي تحمل الرقم في الإلية والحافر، وحملها على كتفه وهو الشيخ العجوز إلى الثكنة، حتى يبرّر موتها، وعاد بها ورماها أو دفنها في مكان ما. أرعبوا دجاجنا ولووا رقابها، وأكلوها رغما عنّا، قتلوا حميرنا وشوّهوها، صرعوا ماعزنا وأغنامنا وافترسوها. نحن مجاهدون، كلّنا بشر وحيوانات وشجر وحجر، هل من يستطيع أن يقول غير ذلك؟