تبدي الروائية عائشة بنور، تحمسا كبيرا للغة الضاد والدفاع عنها أمام ما «اعتبرته تحديات كبيرة تواجهها في الوقت الراهن، بسبب عوامل عدة، أهمها العولمة والتقدم الهائل الحاصل في مجال العلوم والتقنية والثورة الإعلامية غير المتحكم فيها»، مؤكدة «أن لغة القرآن الكريم لا خوف عليها وعلى مستقبلها،لأن هناك من همه أن ترتقي وتتطور لتواكب العصر». وفي هذا الحوار الذي خصّت به جريدة «الشعب» تتحدث الأديبة عن جانب من هذا الموضوع الشائك، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية. «الشعب»: ما هي نظرتك إلى أهمية اللغة العربية ومدى انتشارها في العالم؟ الروائية عائشة بنور : اللغة العربية هي اللغة التي اختارها الله عز وجل لآخر الرسالات السماوية، فكانت لغة القرآن الكريم الذي نزل على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، ولغة أهل الجنة، إنها اللغة التي يتكلم بها ما يربو عن 400 مليون نسمة من سكان الوطن العربي، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وتعتبر لغتهم الأولى، كما تعتبر اللغة المقدسة، وان كانت في مرتبة ثانية أو أكثر في بلدانهم، لدى حوالي مليار ونصف مليار من المسلمين المنتشرين في كل بقاع العالم، وبالتالي فهي ثالث لغة انتشارا من حيث سعة الانتشار ومن حيث المناطق التي تتواجد بها في المعمورة، وهي لغة رسمية كما تعلمون، في منابر منظمة الأممالمتحدة وأن منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بباريس قد اعتمدتها كلغة رسمية، وتحتفل بها في 18 ديسمبر من كل سنة، وفي الميدان هي لغة تتفاعل مع اللغات والثقافات الأخرى، فتستحّق بذلك أن تكون لغة حية. في نظركم ما هي التحديات التي تواجهها في ظلّ العولمة والتطوّر التكنولوجي إن جاز التعبير؟ نعم، نحن نعيش، منذ عقود ما يعرف بالعولمة، لكن علينا أن نأخذها من جانبها الايجابي وكذا الحذر في نفس الوقت، فالعولمة توفّر فرصة كبيرة للانفتاح على الحضارات والثقافات والأديان الأخرى وما توصلت إليه البشرية في المجال العلمي والفني والثقافي لكل الأجناس والشعوب، لكن العولمة تحاول أن تفرض لغتها وأسلوبها وبالتالي فستكون الغلبة للأقوى، ولهذا يجب على العرب أن يكونوا حذرين حتى لا تسلب منهم لغتهم في غفلة منهم وفي زحمة التحوّلات الكثيرة في العالم. وقد تعرّضت اللغة العربية ومازالت، لما يمكن أن نعتبره هجمات عليها من كل الأطراف، عن قصد أو عن غير قصد فمثلا هناك محاولات أثناء فترة الاستعمار لاستبدالها بالانجليزية في المشرق العربي وبالفرنسية في المغرب العربي، لكنها كانت محاولات فاشلة والآن، تتعرض في بعض الدول إلى محاولات فرض لهجات محلية لمزاحمتها ولكتابتها بالحروف اللاتينية كما يحدث في تركيا ما بعد الدولة العثمانية. وأين نصيب اللغات الأجنبية من هذه التحديات؟ من التحديات الحالية القوية للغتنا يمكن ذكر المزاحمة الكبيرة للغات الأجنبية في كل المواقع بسبب محاولات الغزو الفكري من الشعوب القوية وكذا محاولات إدخال مصطلحات أجنبية عليها تعتبر دخيلة، مثال كلمة: «السستمة» من اجل الحديث عن «السيستام» بمعنى النظام وكلمات أخرى كثيرة من لغات أجنبية، لكنها دخلت اللغة العربية كما هي دون اجتهاد في إعطاء مرادفات لها، وزاد الأمر حدّة مع الثورة الرقمية. وهنا على علماء اللغة إيجاد الكلمات المناسبة لتعريب كل المصطلحات الحديثة وطرد الأجنبية النطق، كما نعيش محاولات تأثير التراكيب اللغوية الجديدة من لغات أجنبية، خاصة الانجليزية والفرنسية، على اللغة العربية بسبب الترجمة، إضافة إلى الازدواجية التي يسعى إليها البعض للمزج بين اللغة الفصحى والعامية. ومع كل هذا، يحاول الكثير من النافذين في السياسة والفكر في العالم تهميش اللغة العربية كوسيلة لضرب الإسلام والذي ألصقوا به ما يسمونه إرهابا وأصولية، والمؤسف أن هذه النداءات والمحاولات تنطلق حتى من عرب. كيف يمكن للغة لعربية أن تعايش تطور المصطلحات وتشعّبها؟ مستقبل اللغة العربية مرهون بسيّادة الأمّة للحفاظ على كينونتها الثقافيّة والفكريّة حاضرا ومستقبلا والتفكير في مستقبل اللغة العربية أمام هذا التطور التكنولوجي الرهيب، وخاصة أمام تطوّر المصطلحات وتشعبها، يحيلنا إلى عدّة تساؤلات حول ما يعتري هذه اللغة من عوائق ومشكلات ومتغيرات ومستجدات تطرأ عليها والعوامل المؤثرة في نهوضها، وفي فهم ظاهرة تراجعها وضعفها في المجتمع، أسئلة كثيرة تدل على أن واقع اللغة العربية والصورة التي هي عليها الآن ناتج عن انعكاس للوضع الذي وصلت إليه الأمة بصفة عامة. ومن المسؤول عن رواج المصطلحات الدخيلة؟ إن النفوذ الواسع لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بلغ درجة كبيرة في التأثير على المجتمع ونال من خصوصيته، خاصة الخصوصية اللغوية، هذه الأخيرة التي تأثرت وفقدت جماليتها في المنابر السياسية والعلمية والثقافية، بسبب التوجه الإعلامي ونفوذه في كافة المؤسسات، وبالتالي أصبحت اللغة تابعة في الوقت الراهن وليست متبوعة، ولم يبق هناك حرص كبير على صحة وسلامة اللغة العربية في الجامعات والمدارس، وأتبعه ذلك هبوط في المستوى الدراسي بفعل عوامل كثيرة، بالإضافة إلى هيمنة اللهجات المحلية وسريانها في وسائل الإعلام المسموعة، وسمي ذلك بمصطلح جديد وهو (لغة الإعلام)، مما نتج عنه تداخل بين اللغتين ومن ثمّة ولدت لغة ثالثة هجينة انتشرت كالنار في الهشيم وسط المجتمع وفرضت نفسها كلغة هجينة بديلة إعلاميا، والتي أعتبرها مرحلة التلوث الفكري الذي أشاع فكرا مضطربا وارتباكا في العقول واختلاطا في المعلومات والدلالات والمفاهيم وفي لغة الحوار بين الأفراد. وماذا عن تأثير الشبكة العنكبوتية والتواصل الرقمي؟ بما أن العالم أصبح قرية صغيرة، فإن اللغة العربية ورغم ما تعانيه من بني جلدتها، فهي تواكب هذا التطور المتنوع والمتسارع من خلال باحثين وعلماء جادين ومختصين في المؤسسات العلمية عبر العالم العربي، كمجمع اللغة العربية بالقاهرة ومسايرته للمصطلحات والاكتشافات والاختراعات، وذلك بوضع مصطلحات للفظة الأجنبية وكل المصطلحات وإدراجها ضمن كافة العلوم المختلفة وتبويبها حتى يسهل التواصل والاعتماد عليها علميا، وذلك ما نراه في مصطلحات الطب والكيمياء والفيزياء وعلوم الاتصال ومختلف العلوم الأخرى، وهذا من خلال تخطيط المناهج التربوية وإعداد الكتب التعليمية التي من شأنها فكّ حصار التقوقع والاندثار، واللغة العربية تبقى حيّة ومتجدّدة وتنمو وتتطوّر مع الحياة. نصل الآن إلى آليات المواجهة والصمود والتطوير، لكي تتكيّف اللغة العربية مع هذا المحيط ولتفرض وجودها وتقدمها؟ هناك مجهود كبير يجب عمله، لكن بالتأكيد نتائجه مضمونة،فزيادة على كون العربية هي لغة الوحي والقرآن الكريم لا يمكن أن تضمحل، باعتبار أن الله تعالى حافظ لذكره إلى يوم القيامة ولا خوف عليها، لأن هناك من يحمل همها ويغار عليها، ولهذا فإن مجهودات كبيرة تبذل من علماء الدين واللغة وعلماء الأمة ومخلصيها لتبقى اللغة العربية متواجدة بقوة في الساحة، ومن التوصيات التي يمكن تقديمها في هذا المجال: العمل بقوة على تعريب سوق العمل والتعليم والبحث العلمي والإدارة ووسائل الأعلام والاتصال، والعمل على سدّ كل فجوة بين لغة الضاد والمعارف المبتكرة والعلوم التقنية والطبية والاتصالية والصناعية وفي كل المجالات وهذا بالتجند في كل وقت لالتقاط الجديد من المعارف والمصطلحات والعمل على تعريبها الفوري من قبل المختصين .