عاد الحديث عن القضية الفلسطينية في سياق عربي متشنج جدا.. وفي غياب أي توازن في منطقة الشرق الأوسط من الناحية السياسية ونقصد هنا ما يسمى ب«الدعم الوهمي” الذي كان يتلقاه الفلسطينيون من “نظام” هو الآن في حكم التاريخ كان يعتقد بأنه صاحب الحل والعقد في كل ما يجري. اليوم لا توجد توازنات بمنطقة الشرق الأوسط التي يستند إليها الفلسطينيون وهذا الفراغ السياسي قد يضعف مركز تفاوضهم مع الطرف الآخر في حال الذهاب الى هذا الخيار المستبعد.. كل البلدان التي كانت تضع القضية في صدارة اهتماماتها تفضل أن تولي عنايتها الى أوضاعها الداخلية. لكن في خضم هذا الزخم فتح خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الباب لكل القراءات المتعلقة بالقضية الفلسطينية واقعا وآفاقا، ميزتها أنه تراجع تراجعا ملموسا عما كان يقوله عند استلامه مقاليد إدارة البيت الأبيض. لم يعد أوباما مرتبطا بالقضية الفلسطينية إرتباطا وثيقا، وإنما كيّف موقفه مع الفراغ السياسي في المنطقة ونقصد بذلك بأنه لا يرى في هذه المنطقة إلا طرفا واحدا وهو إسرائيل، أما الباقي يمثل بلدانا مهددة لهذا الكيان بشكل واضح، لذلك سارع أوباما الى القول بأن مهمة الولاياتالمتحدة لاحقا حماية أمن إسرائيل.. لم يقل هذا الكلام من فراغ، بل اتضح له بأن مصر حاليا ليست مصر سابقا وهذا عندما تخلت عن سياسة الارتماء في أحضان كل ما هو مسيء للشعب الفلسطيني. ومن جهة أخرى، فإن أوباما أثار جدلا حول مفهوم الدولة الفلسطينية، وسار على درب الاعترافات الأخيرة لبلدان أمريكا اللاتينية التي أدرجت هذا المسعى في حدود 1967، هذا ما لم يقبله نتنياهو بشكل قطعي، وفي هذا الاطار أبدى العديد من المتتبعين استغرابهم لهذا الرفض، هل أن أوباما لم يستشر الإسرائيليين فيه أو أراد توجيه رسالة لهم مفادها ضرورة إنهاء النزاع بأي شكل حتى بالسرعة الحالية؟! وتبعا لذلك توجه رئيس الوزراء الاسرائيلي مهرولا الى الولاياتالمتحدة لتصحيح ما ورد في خطاب أوباما حول الدولة “الفلسطينية في حدود ال 67”، ومن الآن فصاعدا فإن كل النقاش السياسي سيدور حول “مسألة الدولة الفلسطينية، لندخل حرب المفاهيم من الجانبين الأمريكي، الفلسطيني والإسرائيلي. لا يمكن للأمريكيين ايهام الرأي العام العربي خاصة بأن أولوياتهم الدولة الفلسطينية هذا غير صحيح، هم يبحثون عن آلية عملية لحماية أمن إسرائيل مستقبلا، في ظل كل هذه التحولات الجارية في المنطقة وبالضبط من أجل تثبيت المصالحة بين حركتي حماس وفتح، ورد فعل أمريكا لم يكن باتجاه رفض ما وقع وإنما طلبت من حماس الاعتراف ب “الدويلة الاسرائيلية” في حين أن إسرائيل لا ترى أي سلام مع الفلسطينيين بحضور حماس في الساحة السياسية، وهذا الربط الاسرائيلي بين حماس والسلام يظهر مرة أخرى أن اسرائيل ما تزال حاملة منطق الإقصاء لكل من يريد استرجاع حقوقه كاملة. وحرب المفاهيم تجاه الدولة الفلسطينية ستظهر أكثر فأكثر خلال المرحلة القادمة، نظرا لحساسية المسألة فكل طرف يرى الدولة الفلسطينية وفق منطقه، فهناك من يراه بأنها تتويج لمرحلة سياسية من النضال والتخلص مما يسمى بالسلطة وهناك من يعتبرها إمتدادا طبيعيا لإسرائيل، كل هذا التناقض سيعقد من آفاق العمل السياسي مستقبلا على ضوء البحث عن السلام، فالقيادة الفلسطينية إختارت شعبها قبل السلام وهذا ما أحرج إسرائيل كثيرا.