تناول المناضل غفير محمد المدعو ''موح كليشي'' الإسم الثوري، في هذا الحديث، كفاح فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، والعمليات الفدائية التي نفذتها في قلب باريس للتعبير عن رفض الإستعمار الفرنسي، وكذا دور الجالية الجزائرية بالمهجر في تمويل الثورة.. بالاضافة إلى قرار السفاح ''موريس بابون'' بمنع حضر التجول على الجزائريين. والذي قاد فيها بعد إلى قتل المتظاهرين في ال17 أكتوبر ,1961 عندما رفض قرار منع حضر التجول. كما تطرق المجاهد إلى ظروف اعتقاله والتصريح الذي أدلى به أمام المحكمة الفرنسية، بناء على أمر الحكومة المؤقتة الجزائرية. وللإشارة، فإن غفير محمد كان مسؤولا بفيدرالية جبهة التحرير بشمال باريس من سنة 1955 إلى ,1958 وكان ينفذ العمليات الفدائية. ❊ الشعب: كنت مسؤولا بفيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا وبالضبط بشمال باريس، هل يمكنك إعطاءنا لحمة عما جرى في ال17 أكتوبر 1961؟ المجاهد غفير محمد: في البداية، أوضح بأن اسمي الثوري هو ''موح كليشي''، أقول إن ال17 أكتوبر 1961 هو من الأحداث الكبرى التي قامت بها الجالية الجزائريةبفرنسا. وهي نهاية لكل الأحداث الثورية، ويعتبرها المؤرخون الفرنسيون بأنها معركة جبهة التحرير الوطني في باريس (عاصمة حقوق الانسان، كما يدّعون). هذه المعركة لها أبعاد، وللعلم فأنا كنت مسؤولا بشمال باريس خلال الفترة 1955 حتى ,1958 وفي جانفي 1958 ألقت الشرطة الفرنسية القبض عليّ، وحوكمت بثلاث سنوات سجنا بقلب سجن ''فران'' الفرنسي في أوت .1958 في 19 سبتمبر 1958 تاريخ تأسيس الحكومة المؤقتة مثلت أمام المحكمة الفرنسية رفقة خمس وزراء جزائريين كانوا مسجونين من قبل. وفي تلك الأثناء أرسلت الحكومة المؤقتة قرارا يقضي بقيام أي مسؤول ثوري يمثل أمام المحكمة بتصريح سياسي. فعندما مثلت أمام المحكمة العسكرية الفرنسية قلت بأنني لا أقبل بحكومة العدوّ، واعترف فقط بالحكومة المؤقتة الجزائرية كممثل شرعي ووحيد. وأعود الآن إلى مجازر ال17 أكتوبر ,1961 وما سبقها، فكما يعلم الجميع، فإن الجبهة الثانية العسكرية وقعت بفرنسا، وفي ال25 أوت ,1958 أعطت لجنة التنسيق والتنفيذ آنذاك أمرا بالقيام بالعمليات الفدائية في قلب العاصمة الفرنسية (هذا تصريح الراحل فرحات عباس بالقاهرة سنة 1958). فانطلقت هذه الجبهة في تنفيذ العمليات، وبالمقابل أصدر السفاح ''موريس بابون'' قرارا بمنع حضر التجول على الجزائريين المقيمين بأراضيها، وهذا ابتداء من الفاتح سبتمبر ,1958 وانطلاقا من الساعة التاسعة والنصف ليلا لغاية الخامسة والنصف صباحا. وبدورها، وكردّ فعل على هذا القرار، أعطت جبهة التحرير الوطني أمرا لكل الجزائريين بعدم تنفيذ هذا القرار، وبالرغم من الصعوبات التي واجهتنا فقد تجاوزنا قرارهم. وفي سنة 1959 استقدمت الحكومة الفرنسية ما يقارب 500 حركي من الجزائر إلى فرنسا، على رأسهم الكابتان Capitaine ''مو نتايز''، كي يسيطروا على نظام جبهة التحرير الوطني. وفي تلك الأثناء، كان تصريح الجنرال شارل ديغول، يتباين من فترة لأخرى، ففي ال16 سبتمبر 1959 صرح بالتسيير الذاتي للجزائر، وفي ديسمبر 1960 بعين تيموشنت نادى بالجزائر جزائرية، وأنتم تعلمون ما جرى آنذاك من مظاهرات بالولاية امتدت إلى بلكور بالعاصمة. وفي تلك السنة (1960) دعا ديغول إلى عقد ملتقى سري بين الحكومة المؤقتة الجزائرية والطرف الفرنسي بمولان، وبالفعل تم اللقاء ولكن بدون نتيجة، وهنا أشير إلى أن جبهة التحرير الوطني بفرنسا لم تتوقف عن القيام بالعمليات العسكرية، فهم قتلوا الكثير منا وأسروا 15 ألف شخص، ونحن بدورنا قتلنا أفرادا منهم، حيث كانت الفئة المستهدفة الحركى ورجال الشرطة الفرنسية، وليس المدنيين. وفي الخامس أكتوبر ,1961 عقدت الحكومة الفرنسية اجتماعا خاصا بنظام الأفلان بباريس، وللعلم فإن هذا الاجتماع وقع بعد حادث الفدائيين الذين قتلوا أربعة أفراد من الشرطة الفرنسية ومعهم حركي. وفي تلك الأثناء صرّح السفاح ''موريس بابون'' أمام جنازة قتلاهم، بأنه إذا قتل المناضلون فردا من رجال الشرطة، فإن هذه الأخيرة مطالبة بقتل عشرة أشخاص جزائريين، حيث قرر هذا السفاح منع حضر التجول للمرة الثانية، وجنّد 7 آلاف شرطي لمواجهة المظاهرات التي تحوّلت إلى مجزرة فعلية، أين قتل الكثير من الجزائريين وأحرق البعض الآخر في حافلة بواسطة البنزين، والبعض الآخر في عداد المفقودين. وقس على ذلك من الجرائم البشعة التي ارتكبت، وكل هذه الحقائق أدلى بها مجموعة من أفراد الشرطة الفرنسية الذين نسميهم الإنسانيون، وذلك عبر كتابة تقارير نشرت في الصحف الفرنسية، مفادها أن ما قاموا به من مجزرة، كان تنفيذا لأوامر السفاح موريس بابون. وفي ال 28 أكتوبر ,1961 وجد شارل ديغول نفسه مجبرا للخضوع لأمر الواقع، وطلب من دولة سويسرا استئناف المفاوضات من جديد مع الحكومة المؤقتة الجزائرية، أين حضر عن الطرف الجزائري السيد رضا مالك، ومحمد بن يحيى، وعن الوفد الفرنسي كلود شاي وبرونو دولاس وذلك بمدينة بال السويسرية، حيث دامت فترة المفاوضات خمسة أشهر من ال28 أكتوبر 1961 لغاية ال17 مارس ,1962 وانتهت بإبرام الإتفاقيات بين الطرفين. ❊ هل تعتقدون سيدي الكريم، بأن مجازر ال17 أكتوبر 1961 عجّلت في الحصول على الاستقلال؟ بالطبع، مجازر ال17 أكتوبر ,1961 عجلت بالاستقلال وهي المعركة الأخيرة في حلقة الثورة، وقد قال بشأنها شارل ديغول، بأنها فضحته، زيادة على ذلك، فإن إضراب ال 22 يوما عن الأكل الذي قام به الوزراء المسجونين الخمس على رأسهم ''الشهيد محمد بوضياف'' مع 15 ألف سجين، ابتداء من ال 22 نوفمبر 1961 دعم ال17 أكتوبر 1961 وأثر على ديغول، مما دفع هيئة الأممالمتحدة لإرسال بعثة من الصليب الأحمر الدولي إلى فرنسا لمقابلة الحكومة الفرنسية، ومطالبتها بتلبية طلبات المسجونين حتى يتوقفوا عن الإضراب. وقد قبلت حكومة العدوّ بذلك. وهنا أريد أن أوضح بأن الحركة الوطنية تكونت في باريس عبر إنشاء ''نجم شمال إفريقيا'' بزعامة ''مصالي الحاج''، تبعها ''حزب الشعب الجزائري''، واستكملت الثورة التحريرية من هناك. كما أن الجالية الجزائريةبفرنسا لعبت دورا كبيرا في الوطنية ف 80٪ من الدعم المادي للثورة كانت تقدمه جاليتنا هناك، فينبغي توضيح ذلك أمام التاريخ. ❊ هل تعتقدون بأنه قد حان الوقت لمطالبة فرنسا بالإعتذار، وتعويض الجزائريين عن الجرائم التي اقترفت في حقهم؟ في اعتقادي الشخصي، أنا لا أطالب من فرنسا أن تعتذر أو تمنحنا المال، فدم الشهداء لا يباع بأي ثمن، ففرنسا دخلت بالقوّة إلى بلادنا، ونحن أخرجناها بالقوّة، فلا أطلب منها السماح ولا أنتظر منها ذلك. نظريتي تتطابق وتوافق نظرية المناضل عبد الحميد مهدي ورضا مالك كونهما أقنعاني بنظريتهما حول المسألة، دم شهدائنا غالي علينا وعلى الشعب الجزائري بكل فئاته ساهم في تحرير بلادنا. ❊ ماهي رسالتك سيد غفير لشبابنا في هذه الذكرى ال47 لمظاهرات ال17 أكتوبر 1961؟ أقول لهم لا تخافوا من المستقبل، فالمشعل في أيديكم، والمطالبة بالحقوق الاجتماعية لا تأتي عن طريق العنف أو الهروب إلى البلدان الأخرى (الحرڤة)، بل اتباع الطرق السليمة والكتابة عبر الجرائد تعبيرا عن رفضكم لبعض الأمور، وعليكم الافتخار بصنيع الشهداء والتضحية من أجل هذا الوطن الغالي، وهنا أقصد بناء الصرح الاجتماعي والثقافي للبلاد، مثلما قام المجاهدون بالتضحية بأنفسهم لتحرير البلاد، فأنا ضحيت بنفسي عندما دخلت إلى السجن وعمري آنذاك كان 23 سنة، وقدمت تصريحا سياسيا أمام المحكمة الفرنسية في سن ال24 سنة، وهنا أشير بأن الوطنية ببلادنا زالت. كما أدعو إلى كتابة تاريخ الثورة بشكل صحيح، لأن بعض الأحداث التاريخية مجهولة أو محرّفة في بعض الأحيان، فالتاريخ الذي حصلنا عليه اليوم كتب من قبل المؤرخين الفرنسيين الذين كتبوه بشكل صحيح، على عكسنا، وقدموا لنا معلومات كثيرة بهذا الشأن. وقبل أن أختم كلامي أريد الإشارة إلى أن الشهيدين ديدوش مراد وبوضياف كانا مسؤولان بالاتحادية بفرنسا خلال الفترة 1952 لغاية .1954 ❊ شكرا جزيلا سيدي الكريم ------------------------------------------------------------------------