يحرص سكان العاصمة اليمنية صنعاء على التمسّك بعاداتهم وطقوسهم الرمضانية التي توارثوها عن أسلافهم منذ أمد بعيد، ومن بينها تكحيل أعين الرجال بالإثمد والإقليد في باحات المسجد الكبير، أحد أشهر المساجد التاريخية في المدينة. عقب صلاة العصر، يصطف مجموعة من الرجال والأطفال أمام مجموعة من الرجال المسنين الذين يجلسون القرفصاء على مقاعدهم الخاصة، وأمامهم «المكحلة» وهي وعاء مزخرف مصنوع من الخشب أو النحاس، يُحفظ فيها الكحل. ويتمسّك اليمنيون بكحل العينين لإحياء سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله «نِعم الكحل الإثمد فاكتحلوا به فإنه ينبت الشعر ويقطع الدمعة ويجلوالبصر»، ولذا يقطع العشرات مسافة بعيدة للوصول إلى المدينة القديمة، حيث يقع الجامع الكبير. ويبحث آخرون عن شفاء علل أصابت أعينهم، فالكحل - وفقا لأحاديثهم - يصحح النظر ويزيح غشاوة العين ويكثّف من أهدابها ويصفي ماءها، وأن من يداوم على الكحل فإنه لا يُصاب بالعمى أو بضعف البصر حتى وإن تقدم به العمر. وفي الباحة القريبة من قبة الزيت التي بناها العثمانيون في الجامع الكبير، يبدو الأمر للوهلة الأولى كأن طامة حلت، إذ يضع بعض الرجال أيديهم على رؤوسهم، وآخرون يمشون على غير هدى كأنهم صرعى وهم يذرفون الدمع. ويُسبب الكحل الذي يُستخرج من حجر الإثمد - الموجود في أصفهان بإيران والمغرب العربي ودول الشام - لهيبا شديدا للعينين، غير أنه ما يلبث أن يخمد بعد دقائق، وتعود بعده العينان كما كانتا في حالتهما الأولى. إن الكحل دواء للعينين وعلاج لأمراض الشقيقة والصداع النصفي، وهو سنة متوارثة في شهر رمضان، ويأتي على نوعين، الإثمد والإقليد، والأخير يستخرج من عود شجرة الإقليد التي تتوفّر في ضواحي صنعاء. ويتداول اليمنيون قصصا تاريخية تروي أن زرقاء اليمامة - وهي امرأة نجدية من جَديس في الجزيرة العربية اشتهرت بحدة بصرها - كانت تستخدم كحل الإثمد. وكونه زينة للنساء، فإن الأمهات في القرى والأرياف اليمنية يحرصن على تكحيل الأطفال حديثي الولادة، لصحة عيونهم ولإضفاء مسحة من الجمال. ورغم تمسّك اليمنيين بطقوسهم الرمضانية، فإن للطب رأيا آخر ربما يكون صادما لهم، إذ انقسم الأطباء في اليمن بين مؤيد ومعارض له، لكنهم اتفقوا على أنه كما للكحل من فوائد للعين، فإنه قد يسبب أضرارا، خاصة لمن يعانوا من حساسية العين. فأطباء العيون لا يزالون مختلفين كون استخدام الكحل شائعا، ولكن لا توجد دراسة دقيقة حوله، غير أنه يرى بأنه جيد إذا كان خاليا من الشوائب والبكتيريا والرصاص والفطريات.