لم يعد الاكتفاء الغذائي الذاتي حتمية قصوى بل تطور الامر للتطلع الى تحقيق الامن الغذائي في ظل اتجاه العلاقات الدولية الى الدخول في صراعات اقتصادية وتنافس على موارد استراتيجية مثل المياه بل انطلق الصراع مع اتساع دائرة تنافس شرس للاسواق تتقدمها تلك المتعلقة بالمواد الغذائية على خلفية قوة تنافس اسواق الطاقة. تمثل الفلاحة بما فيه الصيد البحري الحلقة الاساسية للامن الغذائي الذي يبقى احد الهواجس الكبرى للتنمية بالمفهوم الاستراتيجي ويزداد ثقله مع اتساع دائرة الازمة المالية العالمية واتجاه الموارد الطبيعية يتقدمها البترول الى النضوب وهو ما يمثل احد اوجه اشكالية التنمية المستدامة في بلادنا ما يستوجب المبادرة بصياغة برامج مندمجة تنخرط فيها مختلف القطاعات الاخرى باتجاه هدف محدد ترصد له الوسائل والامكانيات التنظيمية والتمويلية تكون اكثر جدوى بما لا يكرر حصول انحرافات مثل تلك التي عرفتها برامج تمويل قطاع الفلاحة في السابق حيث لم تحقق الاهداف المعلنة بالشكل المطلوب بل تفجرت اكثر من فضيحة لا تزال تنتظر ان تعالج بالصرامة المطلوبة على مستوى الجهات القضائية المختصة. الامن الغذائي ليس شعارا يتجول به البعض من القائمين على دوائر اقتصادية حساسة مثل انتاج الحبوب وتنمية الفلاحة ذات الطابع الاستراتيجي بينما لا تزال مسالة العقار الفلاحي معلقة تبحث عن جدية في التكفل بها خاصة بالنسبة للاراضي ذات الطابع الفلاحي التي تعرضت في السابق لاعتداءات صارخة ادت الى الاستحواذ عليها بطريقة فيها تلاعب وتحايل فتم تحويل طابعها الاصلي. ولا تزال وزارة الفلاحة المكلفة بحماية الاراضي الفلاحية العمومية ومراقبة الطابع الزراعي للاراضي الزراعية التابعة للقطاع الخاص لم تعرض للراي العام تشخيصا دقيقا للملف بالرغم من وضوح الموقف الرسمي للدولة بانه لا مجال للعبث او التستر او التردد في هذا المجال. ومن الطبيعي في هذا الصدد ان تسجل وقفة هادئة لتقييم مرحلي لمخطط تجديد الاقتصاد الفلاحي والريفي باعتباره احد اوجه التاسيس لدعائم الامن الغذائي ومن ثمة تدارك اي نقائص او معوقات ليكون الموعد مثمرا بحقائق مستدامة وليس مجرد تعبير عن طموحات وآمال حان الوقت لتجسيدها على الارض. ومن اوجه اسلوب التقييم مثلا مراجعة الخيارت الاستراتيجية كاعادة قراءة دورية ومنتظمة لجدوى الانواع الفلاحية التي ينبغي الرهان عليها ان كانت الحبوب مثلا او الاشجار المثمرة وهي اشكالية لطالما انتجت جدلا لم يحقق المطلوب الى درجة ان احد وزراء قطاع الفلاحة السابقين فرض خيار غرس الاشجار على حساب زراعة الحبوب بدعوى ان الطابع المناخي لا يشجع علما ان استيراد الحبوب لا يزال نقطة الضعف في خاصرة الاقتصاد الوطني ويكفي ان تتمم مراجعة الارقام التي تتصاعد من حيث منحى الاستيراد وبالتالي تصدير العملة الصعبة وهذا لا يمكن ان يستمر بدون علاج في المضمون خاصة وان الارتياح المالي الراهن معرض للخطر جراء الازمة المالية والغذائية العالمية.