تعود بنا الذّكريات ونفتح بها صفحات تاريخ من غادروا هذه الدنيا، وتركوا بصماتهم ووقعوا على قلوب الملايين في أدائهم لأجمل الألحان والأغاني، ونتحدّث اليوم عن إحدى القامات الخالدة في سماء الأغنية الجزائرية والعربية، إنّها صاحبة الصّوت المتميّز والأداء الرّاقي للأغاني والأناشيد التي غنّتها عبر قاعات ومسارح المعمورة. إنّها وردة الجزائرية التي تركت إرثا كبيرا من الأغاني، وثروة هائلة من الأفلام والمسلسلات التي ستبقى شاهدة على مسار هذه العملاقة التي غنّت من ألحان كبار الملحّنين يتقدّمهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، السنباطي وفريد الأطرش كان آخرهم صلاح الشرنوبي، وكل هؤلاء أجمعوا بأنّ صوتها لا يقل عن صوت أم كلثوم، ولكنّه صوت متميّز في سماء الأغنية العربية. السّيرة الذّاتية لوردة ولدت بفرنسا في 22 يوليو 1939 بباريس، من أب جزائري ينحدر من ولاية سوق أهراس (بلدية سدراتة) وأمّ لبنانية من عائلة بيروتية، بدأت الغناء كشابّة صغيرة وكانت عاشقة للفن الشّرقي ومطربيه خاصة كانت متأثّرة بكوكب الشرق أم كلثوم واسمهان وعبد الحليم، وكانت تغني أغاني هؤلاء وهي في سن الشباب. من هو معلّمها في بداية حياتها الفنية؟ كان يشرف على تعليمها مبادئ الغناء والإلقاء، الراحل التونسي الصادق تريا، في نادي ولدهان بفرنسا، ومع مرور الزمن والوقت، خصّصت لها فترة فنية تؤدّي فيها مع كبار مطربي ذلك الزمان على غرار المطربين والمطربات الذين ذكرناهم سالفا، وشيئا فشيئا ارتأى أستاذها التونسي الصادق تريا أن يقدّم لها لحنا فكان لها ذلك، للعلم فإن إنجي شرف، خالتها وردة وكانت بداية وردة في الغناء في الخمسينيات بفرنسا. وردة وأمّ الدنيا بعد ذكريات فرنسا في الخمسينيات وبداية نشاطها الغنائي، ها هي وردة تقرع باب أم الدنيا (مصر)، وكان هذا في 1960 حين جاءتها دعوة لزيارة مصر من طرف المخرج الكبير حلمي رفلة، الذي قدمها في أولى أدوارها السينمائية «ألمظ وعبده الحامولي»، بطولة وردة والممثل الكبير رشدي أباظة، والذي نال إعجاب المشاهدين في قاعة السينما المصرية ومن ثم توالت الأفلام على الوردة على غرار «يا دنيا صوت الحب»، «حكايتي مع الزّمن» و… نشيد «وطني الأكبر» وجمال عبد الناصر بعد تألّقها في الأفلام، وذاع صوتها في الأغاني وظهرت ببروز مذهل في سماء القاهرة أمام عمالقة الغناء في ذلك الزمان، أعجب بأعمالها الراحل جمال عبد الناصر، فطلب من محمد عبد الوهاب أن يقحمها مع كبار المطربين الذين غنّوا «وطني الأكبر»، على غرار عبد الحليم، شادية، وآخرين وكان لها مقطع في أوبيريت «وطني الأكبر» وكان أداؤها لذلك المقطع رائع جدا وهذا باعتراف النقاد. الاعتزال والعودة إلى الغناء وردة تحب الطّرب حتى النخاع لكن بعد زواجها اعتزلت لفترة معيّنة، غير أنّ الرئيس الراحل هواري بومدين طلب منها أن تعود إلى ركح الغناء، وهذا بمناسبة عيد الاستقلال العاشر للجزائر، كان هذا في 1972 فعادت وردة الجزائرية إلى الغناء فكان الانفصال عن زوجها (جمال قصيري وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري آنذاك). عودتها إلى القاهرة بعد سنوات من الغياب عن أم الدنيا والطرب والحفلات العامة والخاصة، عادت إلى القاهرة والأمل يحذوها بأن تظهر من جديد في مجالها الغنائي كالدم الذي يسري في العروق، فكان أول لقاء بمصر مع الموسيقار بليغ حمدي الذي تزوّجته فيما بعد، فبدأت رحلة الغناء والطرب من جديد وبألحان مختلفة وهذا الى غاية 1979 ثم طلاقها من بليغ لكن رغم انفصالهما بقيا متعاونين في المجال الفني، حيث لحّن لها أحلى الألحان على غرار «في يوم وليلة»، «وحشتوني..وحشتوني»،والكثير من الأغاني الناجحة التي أحبّها الجماهير عبر المعمورة العربية لأنّ الألحان كان صانعها بليغ حمدي والمؤدية بصوت وردة الجزائرية التي قالت عنها أم كلثوم بأنّ لها صوت متميز في الأداء، ولا يمكن لأي مطربة تقليدها. قصة «أوقاتي بتحلو» كان ميلادها متجدّد مع أغنية «أوقاتي بتحلو» التي غنّتها عام 1979 في حفل متميز، يقال عنه إنه من أكبر الحفلات التي غنّت فيها وردة الجزائرية وهي الأغنية الشّهيرة والتي لحّنها الموسيقار المتميّز سيد مكاوي وغناها أيضا. هذا اللّحن كان لأم كلثوم وحسب العارفين لأسرار الطّرب والتّلحين، فإن هذه الأغنية كانت مخصّصة لسيّدة الطّرب العربي كوكب الشرق أم كلثوم، التي كان من المفروض أن تغنيها في عام 1975 لكن الموت خطف أم كلثوم، فبقيت الأغنية حبيسة أدراج الملحن والمغني السيد مكاوي، فكان اللقاء حميمي بين مكاوي ووردة، فاتّفقا على أن تغني هذه الأغنية «أوقاتي بتحلو» فغنّتها وردة في حفل أقيم بإحدى القاعات المخصّصة للحفلات بالقاهرة، ونجحت وردة في أدائها وقد حضر هذا الحفل المتميز نخبة كبيرة من الفنانين والكتاب والسياسيين، والجميع خرج من هذا الحفل متأثّرا بأداء هذا الهرم الجزائري لهذه الأغاني الرّومانسية ذات البعد الاجتماعي. لحّن لها كبار الملحّنين نظرا لقوّة صوتها وأدائها الجيد للألحان، اقترب منها كبار الملحنين على غرار محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، محمد القصبجي، محمد الموجي، سيد مكاوي، بليغ حمدي، كمال الطويل، حلمي بكر، وآخرهم صلاح الشرنوبي، وكل هؤلاء قدّموا لوردة أحلى الألحان، وكل أغاني وردة وهي بالمئات هادفة على غرار «يا لعبة الأيام»، «أكذب عليك»، «أوقاتي بتحلو»، «بتسألوني ليه»، «بتونس بيك»، «بلاش تفارق»، «مستحيل»، دون أن ننسى الأناشيد الوطنية على غرار عيد الكرامة الذي غنته بمدينة بجايةبالجزائر بمناسبة عيد من أعياد الجزائر الوطنية، إضافة إلى المشاركة التاريخية في نشيد «وطني الأكبر»، الذي لحّنه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وغنّى بجانبها أكبر المطربين المصريّين آنذاك.
الحياة الفنية لوردة - النوع: موسيقى جزائرية، موسيقى عربية - الآلات الموسيقية: القيتار والكمان - شركة الإنتاج: إيمي - تأثّرها بأم كلثوم وإسمهان - الجوائز: مصف الاستحقاق الوطني، نيشان الوسام العلوي، نيشان الفنون والأداب من رتبة فارس. - سنوات النشاط: 1951 إلى 2012 يوم وفاتها. الأفلام والمسلسلات شاركت وردة في العديد من الأفلام والمسلسلات وأمام عمالقة الدراما المصرية مثل رشيد أباظة، حسين صبري وآخرين وكانت كل الأعمال التي شاركت فيها ناجحة على غرار فيلم «ألمظ عبده الحامولي»، «حكايتي مع الزمن»، «صوت الحب»، «أوراق الورد»، «آن الآوا» وكلّها أعمال تركت بصمة متميزة لهذه العملاقة الجزائرية، التي فرضت نفسها في أم الدنيا وأمام عمالقة الفن المصري سواء في التمثيل أو الغناء، وهذا كلّه بشهادة نقاد الفن والسينما على مستوى العالم العربي والمغاربي، وكل من عرفوا وردة المبتسمة دوما. صراعها مع المرض قبل وفاتها بعد هذا النّجاح الباهر في سماء الأغنية والتمثيل، إلا أن المرض لم يرحم وردة، حيث خضعت لعملية جراحية دقيقة وهي زرع كبد جديد لها في مستشفى أمريكي في باريس، وقبل وفاتها قالت لمقرّبيها أنّني «أريد العودة إلى الجزائر»، غير أنّ القدر المحتوم كان أقوى فتوفيت في 17 / 05 / 2012 بالقاهرة، وحوّل جثمانها إلى الجزائر ودفنت في بلدها، حيث حضر جنازتها كبار المسؤولين الجزائرين، الفنّانون، عائلتها ومحبّوها وكانت جنازة مهيبة أبكت الجميع، رحم الله الفقيدة وأسكنها جنّة الفردوس. غادرتنا وردة..لكن فنّها بقي خالدا وردة الجزائرية عاشت لفنّها وماتت له، فبكتها الملايين عن عمر 72 سنة، كلّها عطاء سخي للفن العربي الأصيل، إن وفاتها كانت على إثر أزمة قلبية في مصر، ودفنت في الجزائر، غير أنّ وردة كانت تتمنى أن تعود للجزائر قبل وفاتها، لكن القدر المحتوم عجّل برحيلها، ماتت وردة لكنّها فنها بقي خالدا في أمّ الدنيا والجزائر والعالم العربي. إنّها ذكريات عملاقة الغناء والأداء الرائع، إنّها قصّة الفنّانة وردة الجزائرية التي أبدعت في الغناء أيام الزّمن الجميل.