تجمع بين الإبداع والترجمة، وتسحر المتلقين بعذوبة أبياتها الشعرية تارة وتارة أخرى تسافر بهم في رحلة شغف مع مجموعاتها القصصية، التي تشعل حرارة فضولهم بجمر ما تحمله من متعة التشويق، وفي نفس الوقت صوتها الأدبي يعلو عند الحديث عن جنس الرواية، التي تطوع تقنيات كتابتها وتحرص دوما على الرقي بالنص الروائي بأسلوب يجمع بين روح الحداثة وجزالة اللغة، تكتب بلغة فرنسية رشيقة وروح جزائرية عريقة، إنها أمينة مكاحلي التي تناضل بكلماتها في رواق الإبداع الثري الذي يضم عدد كبيرا من الأصوات المخضرمة والشابة، فتحجز بتميزها مكانا وبأعمالها موقعا، بل وعنوانا لافتا جعل الاختيار يقع عليها لتكون أول كاتبة جزائرية تحمل لقب سفيرة لجائزة «ليوبولد سيدار سنغور» الأديب العالمي الشهير والشاعر ذائع الصيت، الذي يصنف كأحد أهم المفكرين الأفارقة في القرن العشرين. ثقافتها الأدبية مشبعة بعصاميتها وطلاقتها في تطويع الكلمات وسرد الأحداث وبعثرة الأسطر على البياض الناصع، رصيدها يكشف عن قلم ذا خصوصية لا يمكن أن تمر على حبره، دون أن تبحث فيما بين العبارات وتتذوق معنى الكلمات، ولا غرابة أن يدغدغك ذلك الكم المستفيض من المشاعر المتعددة، فرح وحب وسعادة وحزن وآسى وتحد، شموخ وكبرياء وتجاوز بثقة وتصميم على الصمود، والمثير أنهما يتقاطعان أحيانا ما بين رومانسية شفافة وواقعية حية، لا تخفي أثرها حتى وإن كانت قاسية، لتبرز بعد ذلك صدقا يجعل الانجذاب طواعية وعن قناعة راسخة. وجاء تعيينها سفيرة لجائزة ليوبولد سيدار سنغور الأديب العالمي الشهير عرفانا على تميزها ورقي أعمالها، حيث سوف تسهر بموجب هذا اللقب الرفيع للمساهمة في ترقية الإبداع الشعري فضاءات إبداعية جديدة. وكون القصيدة باللغة الفرنسية تحتاج إلى نفس جديد والتعريف بها وتسليط الضوء عليها إعلاميا. أعمال مترجمة إلى 6 لغات وتموقع لافت مسار أمينة مكاحلي، كان مثل العديد من البدايات الصعبة التي حركتها الموهبة وحب الإبداع وعنفوان التدفق بالعطاء الثقافي، ولعل صوتها الإبداعي بدأ يسطع أكثر بعد افتكاكها لجائزة الأديب الكبير سيدار سنغور عام 2017 بفضل قصيدتها الموسومة ب « أنا منك» التي خطفت بفضلها المركز الثاني وسحرت ذائقة المشاركين، الذين لمسوا في أعمالها بعدا إنسانيا، يتجاوز بلدها الجزائر وقارتها السمراء، ومن تلك الطبعة دأبت على المشاركة في هذا المهرجان الشعري العالمي الذي تنظمه جمعية « أفريكا صوليداغيتا» بميلانو بإيطاليا ورشحها للمنصب رئيس الجائزة والقائمين على الجمعية، حيث تلقي أمينة الأشعار وتعرض تجربتها الروائية والقصصية وحتى ما قدمته في جنس الترجمة، وما جعلها تنتشر في الخارج انفتاحها على العديد من اللغات، حيث نجد ترجمة أعمالها الإبداعية للصينية والكورية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وللغة الاسبانية والانجليزية والايطالية والرومانية، وتحضر مستقبلا لترجمة ما أنتجت إلى اللغة العربية كونها حريصة على التواجد في الوطن العربي وإثراء المكتبة الجزائرية، وساهمت في ديوان شعري بفرنسا مع 10 شعراء.
الترجمة توازي الإبداع و تشبه الكتابة من جديد حتى وإن كانت أمينة تنطلق من قضايا الوطن وواقع وتاريخ الجزائر مستنطقة ذاكراتها وذاكرة والدها المجاهد الراحل وتتأثر كثيرا بمنظومة مجتمعها، حيث تستفيد من كل التفاصيل الماضية أو الحالية، إلا أن بعدها العميق الذي يلامس المشاعر ويقبض النفوس ويؤثر على الذهن، قد يصل إلى أبعد حد من العالم، وبعد تجربة الرواية والقصة والشعر، خاضت اولى تجاربها في الترجمة من اللغة العربية إلى الفرنسية، بعد ترجمتها لرواية الكاتبة والشاعرة ربيعة جلطي التي تحمل عنوان «عازب حي المرجان» والتي رأت النور مترجمة إلى اللغة الفرنسية في الصالون الدولي للكتاب 2019 عن دار نشر» Dalimen» التي وضعت فيها ثقة كبيرة إلى الجانب الشاعرة والروائية الجزائرية ربيعة جلطي. والجميل أن أمينة ترى أن تعلق وانجذاب المترجم بنص الكاتب يفضي إلى ترجمة عمل جيد لا يختلف كثيرا عن النص الأصلي حيث يحافظ على ذات الروح ويمنع فتور المشاعر. ومن خلال هذه التجربة ترى أمينة أن الترجمة تشبه إلى حد كبير الكتابة من جديد، وتعتقد أن التعويل على جنس الترجمة مفصلي كونه يعد مستقبل الثقافة الجزائرية، نظرا كون العديد من الأقلام الجزائرية تكتب باللغتين وفي حالة توسيع الترجمة، فإن التنوع يكثر من زخم وثراء المكتبة الجزائرية. «الفيلة لا تموت بالنسيان»..العمل الآسر لديها موهبة كبيرة في انتقاء العناوين السحرية التي تجعلك تقتني القصة أو الرواية بدافع الفضول وحب الاكتشاف، فنجد في آخر مجموعة قصصية لها صدرت في عام 2018 عن «أناب» بعنوان «الفيلة لا تموت بالنسيان»، قد لفتت الانتباه شكلا ومضمونا على خلفية أنها تتطرق إلى مجموعة من قصص الحب التي رغم اعتقاد أبطالها أنهم قد نسوا علاقاتهم الغرامية السابقة التي مرت عليها العشرات من الأعوام، لكنهم تفاجؤا أنهم لم ينسوا ذلك الحب، الذي بقي عالقا في قلوبهم. بل أن أمينة كثيرا ما يقترح عليها بعض المبدعين تصحيح وتغيير عناوينهم، فلا تتردد كعادتها وتجعلهم ينبهرون باختياراتها ويقبلون بمقترحاتها. يذكر أن أمينة في كل مرة تشارك فيها في ملتقيات الشعر والأدب بكل من رومانيا وإسبانيا وإيطاليا وتونس، تكشف عن صوت أدبي نسوي مهم، مشبع بالثقافة الجزائرية وفي نفس الوقت منفتح بذكاء على الآخر. الجدير بالإشارة أن الرئيس والشاعر السينغالي بولد سيدار سنغور ولد في 9 أكتوبر 1906 ورحل عن الحياة بتاريخ 20 ديسمبر 2001، يعد أول رئيس للسنغال في الفترة الممتدة ما بين 1960و1980 ثم تنازل إراديا عن الرئاسة، ترك بصمته الأدبية والإنسانية في أعماله الخالدة.