انتهت العاصفة الرعدية .ثلاثة أيام بلياليها والمطر لم يتوقف... والمياه ملأت الأحواش، وانسلت خفية الى غرف النوم والمطابخ... كانت تمطر ... تتوقف قليلا لكي تبدأ من جديد ...الريح تعصف بقوة غير أنها أمطار تخلو من البرد ! مدينتنا الصغيرة لم تشهد أمطارا غزيرة مثل هذه الأيام منذ سنوات طويلة، لذلك الناس كلهم فرحون وبالأخص الفلاحون، فالفلاح أشّد ما يحب المطر ! وهو بخبرته متيقن أن أمطار غزيرة تعني موسم حصاد وفير! والحصاد الوفير لا معنى له سوى تنشيط الحركة الاقتصادية في مدينتنا الصغيرة! خرجت من البيت فالتقيت صديقي خالد فأخبرني بأن الكثير من البيوت فاضت بمياه الأمطار، والكثير من الأشجار أسقطتها الريح حتى الضخمة منها الصنوبر، الكاليتوس والعرعار... وعمود الهاتف الموجود بجانب المركز الصحي سقط وتهشم بأكمله ... ثم قال بأنه ذاهب إلى بيت صديقنا زكريا ابن المعلم لطفي ... لطفي ... آه معلمي الأثير وطيب القلب ! أحسن المعلمين الذّين درسوني، ولازلت حتى اليوم أحترمه وأجلّه، حتى بعد أن غادرتُ المدرسة الابتدائية منذ سنوات . دخل والدي السجن بسبب شجار في مقهى الحاج أمين، فاشترى لي هو الأدوات المدرسية والمئزر، وكان يعاملني مثل ابنه زكريا . حذّر زملائي أن يتحدثوا عن والدي بالسوء بل إنه عاقب زميلنا طارق بشدّة مستعملا العصا البلاستيكية الحمراء لما سخر مني وتعرض لأبي... بعد أن خرج والدي من الحبس أخبرته فدعاه مرات عديدة للغداء و العشاء عندنا. قال خالد بأن شجرة عملاقة اقتلعتها الريح القوية فهوتْ فوق سيارته الجديدة التي كانت متوقفة أمام بيته... الجيران والكثير من الناس متحلقون عنده يساعدونه ويواسونه ... ركضت مسرعاً فهذه هي الفرصة لكي أرد لمعلمي الأثير جميله القديم ..