تتأهب ولاية تسمسيلت، التي تزخر بمقومات طبيعية ساحرة، لترتقي إلى قطب سياحي مميّز، بفضل مستثمريها الذين انتبهوا إلى قدرة هذه الولاية الداخلية على خلق القيمة المضافة، واستحداث مناصب الشغل، من خلال السياحة الجبلية والحموية، التي مازالت مهمشة، ولم تستغل بالشكل الصحيح. توجد إرادة كبيرة لجعل هذه المنطقة تتبوأ المكانة الحقيقية يقف وراءهابعض المستثمرين الجادين والذين قطعوا شوطا كبيرا، من خلال توفير الهياكل القاعدية على غرار المستثمر عبد العزيز بلقراوة العربي، الذي أنشأ فندقا من أربعة نجوم يقدم خدمات راقية تناهز أحسن المنتوجات السياحية في الخارج، وشعاره «الجودة قبل كل شيء» وصارت تجربته نموذجية يقصدها حتى الأجانب من الفرنسيين والقطريين على سبيل المثال. رغم أن ولاية تسمسيلت تظهر للوهلة الأولى أنها منطقة ذات طابع فلاحي، فإن مجرد ولوج غاباتها المدهشة يجعلك تسافر بعيدا وإلى أبعد نقطة من الكرة الأرضية حتى يتهيأ لك أنك لست متواجدا بالجزائر، من خلال أشجار الأرز النادرة وحيوانات وطيور فريدة من نوعها، لأن الحظيرة الوطنية «ثنية الحد» الشهيرة باسم «المداد»، في الأصل تعد واحدة من أهم وأجمل 10 منتزهات وطنية ذات جاذبية لا يعرف عنها الكثير، إضافة إلى الحظيرة الجهوية «عين عنتر». لا يخفى أن هذه المدينة المحتشمة من حيث ثروتها الاقتصادية، على خلفية افتقادها لمنطقة صناعية، تحتضن العديد من الآثار المهمة التي يمكن أن تأسر السائح المحلي والأجنبي على حد سواء، العديد من الآثار الرومانية في مدينة خميستي، ويتعلق الأمر بكل من «كوليم ناتا» وقلعة الأمير عبد القادر الأثرية في مدينة «تازه»، حيث تجسد مراحل تاريخية مختلفة، انطلاقا من حقبة ما قبل التاريخ مرورا بالعصر القديم، وصولا إلى العصر الإسلامي. يمكن تسليط الضوء على المواقع الأثرية المنتصبة عبر تراب الولاية والمقترحة للتصنيف بالنظر إلى أهميتها ويذكر من بينها، موقع عين الصفا المتواجد شرق بلدية تيسمسيلت على بعد 7 كلم عن الطريق الوطني رقم 14، الرابط بين بلدية تيسمسيلت وثنية الحد، حيث يعود هذا الموقع إلى فترة ما قبل التاريخ، أي إلى العصر الحجري الحديث «النيوليتيك»، ويمكن للزائر أن يكتشف على مستوى هذا الموقع مغارة مزينة بنقوش وزخارف مختلفة الأشكال، وبالإضافة إلى كتابات ليبية بربرية، ناهيك عن تسجيل منابع حموية بمنطقة سيدي سليمان الكائنة بأعالي جبال الونشريس. يذكر أن منطقة سيدي سليمان التي تعد موقعا استراتيجيا، يرتفع على علو شاهق لا يقل عن 1230 مترا، عن مستوى سطح البحر، وهي تزخر بمحطة معدنية، تستقبل مياهها المتفجرة من أعماق الصخور، وشرع في استغلالها عام 1910 وتمتاز بحرارة مياه تناهز 42°درجة ، ويمكن استعمالها لعلاج أمراض عديدة. فندق ملاس..مدرسة للتكوين العصري خاض المستثمر بلقراوة العربي صاحب فندق ملاس تجربة استثمار، يمكن وصفها بالمهمة والناجحة بل والنموذجية، التي استطاعت أن تغيّر وجه الولاية وتستقطب زوارا من جنسيات أجنبية. ويتطلع هذا المستثمر الجاد لتوسيع استثماراته إذا وجد – كما أوضح- تسهيلات ولم تعقه عراقيل إدارية أو بيروقراطية، على اعتبار أنه ينوي أن ينجز مشروعا سياحيا آخرا، يتمثل في شاليهات داخل عمق الغابة، الغنية بأشجارها الخلابة، حيث تم تصميم المشروع هندسيا على الورق فأصبح جاهزا قبل ان تتوقف عملية إنجازه إلى إشعار لاحق. المستثمر بلقراوة لا حدود لمشاريعه فهو يفكر في إنشاء عيادة طبية تقدم خدمات متنوعة، من بينها الأشعة والتحاليل الطبية التي تفتقدها الولاية، حيث يضطر المواطن «التسمسيلتي» إلى التنقل إلى العاصمة أو الولايات المجاورة. بخصوص فندق «ملاس»، التحفة العصرية التي تزخر بها الولاية، يحتوي على 48 غرفة، ويضم 8 أجنحة بخدمات راقية، وإلى جانب طرحه خدمات فندقية راقية جذبت حتى الأجانب، يتوفر على قاعة للحفلات وأخرى للمحاضرات وحمام تركي و»صونا» ومسبح مغطى وخدمات مطعمية جد متميزة. سلطان وسلطانة بدأت الخدمات الفعلية لفندق «ملاس» خلال شهر أكتوبر عام 2019، وجاءت لتقدم إضافة حقيقية للولاية، فيما يخص الخدمات الفندقية الراقية التي كانت تفتقدها، وتندرج في إطار العصرنة، بل صار الفندق مدرسة تكوّن يدا عاملة ماهرة ومتخصصة تستفيد منها فنادق أخرى من مختلف الولايات. وقال صاحبه بلقراوة إن فندق «ملاس» يعد مدرسة للمستخدمين في مجال الفندقة والإطعام، حيث يفتح أبوابه على مدار السنة للتكوين العصري، وجاء إضافة حقيقية فيما يخص السياحة بالولاية، وتكملة للسياحة الغابية أي على مستوى مداد أو غابة عين عنتر أو ما يصطلح عليها بتسمية «سلطان وسلطانة»، وذلك نسبة إلى أقدم شجرتين للأرز يعود عمرهما إلى 1000 سنة. أوضح بلقراوة أن هناك اتجاهان في السياحة، واحد للسياحة الغابية والآخر للجبلية وكذا الحموية، الكائنة على مستوى حمام سيدي سليمان، وأضاف إليها الخدمات الفندقية الجيدة مع توفير دليل سياحي. وحول مدى الإقبال على الفندق، لم يخف أنه خلال السنوات الأولى كان حجم الإقبال يتراوح ما بين 40 إلى 50 بالمائة، واليوم وصل الإقبال حسب تقديره إلى نسبة 90 بالمائة، مستحسنا الإقبال في فصل الشتاء، حيث تنتعش السياحة بفضل غابة»المداد» الجذابة، بفضل تساقط الثلوج. فيما يتعلق بالأسعار، كشف بلقراوة العربي عرض أسعار جد تنافسية تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين بالمنطقة، وحتى تكون حيوية وإقبال لمختلف الزبائن المحليين والأجانب، وتحدو هذا المستثمر إرادة كبيرة لتوسيع وتنويع وتفعيل استثماراته، من أجل المساهمة في تنمية الولاية التي تنقصها كثيرا الخدمات في السياحة، وحتى تكون هناك فرص تسمح بالتعريف بآثار المنطقة التي مازالت في طي النسيان لا تكاد تذكر في حركية يوميات المجتمع المحلي. وخلص صاحب فندق «ملاس» إلى القول إن مشاريع الاستثمار بالنسبة إليه، تعتبر اجتهادا وتنبع من حبه إلى هذه المنطقة الجميلة ذات التنوع البيولوجي الكبير والنادر والتي تحتاج إلى المزيد من الجهود، من أجل تغيير وجهها بل وجعلها قطبا سياحيا، من شأنه أن يستحدث الثروة ومناصب الشغل والقيمة المضافة في ظل غياب منطقة صناعية تفتح أبوابها لتمتص البطالة. مازال هذا المستثمر حريصا على أن تأخذ المنطقة مكانتها وتكون وجهة مطلوبة في موسم السياحة الشتوي. ووجدناه يحمل أفكارا وانفتاحا كبيرا وتركناه يحلم بالمزيد من الفعالية والجذب للسياح أشجار الأرز والتنوع البيولوجي أكد رضوان بوضياف مرشد سياحي بالمدينة أن المنطقة الشاسعة التي تستحق الزيارة والاكتشاف، وتتربع على مساحة 3424 هكتار، وتمتد على ارتفاع يصل إلى 1736 متر، تنام على كنوز أثرية وأخرى طبيعية تضاهي تلك التي تتوفر بدول ذات طابع سياحي مثل تركيا، وخلال زيارة الوفد الإعلامي لحظيرة ثنية الحد، والتي يطلق عليها اسم «المداد» أيضا تعد أحد أهم الحظائر بفضل ثرائها بأشجار الأرز النادرة، وتوفرها على 110 نوع من الحيوانات من بينها 17 نوعا من الثدييات و93 نوعا من الطيور، 25 منها محمية ويضاف إليها 80 نوعا من الحشرات. ولم يخف بوضياف أن هذه الغابة خلال حقبة الاستعمار الفرنسي، كان يتدفق عليها السياح الأجانب من كل صوب، ويزيدها جاذبية وتسحر الكثير من السياح اليوم للتخييم بفضل وجود بحيرة على مستواها. علما أن الفرنسيين كانوا قد شيدوا بها قصرا عام 1843، وبنوا على مستواها حصنا لحماية الحظيرة، ومازالت آثار كل ذلك شاهدة على تلك المرحلة رغم انهيار جزء كبير منها بفعل العوامل الطبيعية. تأخر قانون تفعيل الدور الاقتصادي للحظائر في حين مصطاوة عبد القادرة الأمين العام للحظيرة الوطنية ثنية الحد، أشار إلى أنها تتكون من أربع مناطق، من بينها منطقة تعد مخبرا مخصصا للبحث العلمي وتوجد به أكبر منطقة لأشجار الأرز، يعول عليها في حماية الطبيعة ثم الاستجمام والاستراحة، وأكد أنه ذاع صيت الولاية بفضل وسائط التواصل الاجتماعي، واغتنم الفرصة في سياق متصل ليتحدث عن ترقبهم باهتمام من أجل صدور قانون ينظم الحظائر الوطنية أي يقوم بتحديد الدور الاقتصادي للحظائر الوطنية، علما أنهم منذ ما لا يقل عن 4 سنوات لا زالوا في انتظار أن يرى هذا القانون النور. على خلفية أنه يمكن الاستثمار في هذه الثروة الغابية النادرة خاصة ما تعلق بأشجار الأرز. وحرص بلقراوة العربي على الاحتفاء بعيد يناير، حيث أقام سهرة بهيجة أحيتها فرقة « أوتار زرياب» من الولاية، قدمت قطعا موسيقية أندلسية» خاصة أن كلمة تسمسيلت تعد كلمة ذات أصل أمازيغي تعني «هنا تغرب الشمس»، وبعدها تواصل ثراء السهرة بتنوع الأغاني والأصوات القادمة من وهران لعدة مطربين قدموا سلسلة من باقات الأغاني الجزائرية، إلى جانب ممثلين فكاهيين استعرضوا مشاهد «لسكاشتات» أدخلت البهجة إلى القلوب. بدا صاحب الفندق جد متمسك بالعادات والتقاليد الجزائرية الأمازيغية الضاربة في جذور الولاية، وحضر هذا الحفل العديد من العائلات القاطنة بالولاية حيث استمتعت بسهرة ممتعة ذات نكهة امازيغية بتقاليد جزائرية عصرية حيث كان اللباس القبائلي والفضة حاضرين بقوة في لباس بعض الحاضرات، كما جاء الاحتفال بشكله التقليدي، بعد أن أحضر طفل صغير وأفرغت على رأسه الحلويات والمكسرات، وتناول الحضور وجبة العشاء المكونة من الكسكسي بمرق الخضار. الجدير بالإشارة أن الحظيرة الوطنية ثنية الحد تضم عددا كبيرا من الأشجار والنباتات والحيوانات المتنوعة وحتى النادرة منها، وتعد هذه الحديقة وجهة رائعة لممارسة الرياضة خاصة رياضة المشي لمسافات طويلة وهناك من يلجأ إليها للتنزه وممارسة الرياضة. ويمكن للزائر الذي يختار السياحة في تسمسيلت أن لا يفوت الفرصة ليزور موقع تازا المتواجد في بلدية الأمير عبد القادر، وهو عبارة عن قلعة من قلاع الأمير، وقد أنشأها سنة 1838 م ويعنى هذا الموقع بالدراسة حيث تجرى حفرية من طرف فرق بحث جامعية، وتوصلوا إلى اعتباره من بين التحصينات العسكرية التي شيدها الرومان ضمن منظومة خط الدفاع «الليمس»، بينما قد اشتهرت خلال العهد الروماني باسم «كوليمناتة»، ويعود إنشاؤها في الأصل إلى القرن الثاني ميلادي، وتصنف كأقدم منشأة عسكرية قديمة شيدت بهذه الولاية. وهناك العديد من العائلات سواء من الولاية أو الولايات المجاورة تنظم خرجات للتخييم والمبيت في الغابة حيث التقينا العديد منهم على مستوى البحيرة يستمتعون بأوقاتهم وعطلتهم الشتوية.