قالت الجزائر وما زالت تقول وستبقى تقول بتغريداتها الثورية النقية التي سقت ترابها من دماء الشهداء الأبطال.. الذين مازالت دماؤهم تنزف إلى يوم القيامة.. في كل مكان فيها ينطق شهيد وتغرد معه الطيور وتبتهج لهم الشروق.. في كل بقعة هنا شهيد.. هنا بطل.. هنا الجزائري دحر الفرنسي البغيض.. كل جبل ينادي أهل الجزائر أن تمثلوا بالأمجاد كالمليون ونصف وأكثر شهيد.. هبوا لنصرة الاستعمار من عادات وقيم وافكار .. لا نريد أن يبقى التاريخ يلعن الفساد في أمة التخاذل وبيع الكرامة تحت مداس الغرباء.. وقالت الجزائر .. في عيدها وهي شامخة النضال .. أن كونوا أهل الديار كالأحرار .. ولا تجعلوا البصمات الغربية في كل مكان.. انزعوا الاستعمار من العقول .. من اللغة العربية التي تنعى روادها من رواد الفرنسية.. وقالت الجزائر.. قصيدة عالية المقام.. راقية المعاني.. جزلة الالفاظ قد قسم الشاعر قصيدته الى خمسة لوحات ابداعية.. نستطيع أن نفرد كل واحدة في كتاب.. لما تحمل من عمق في التأويل والافكار.. فهل نتحدث عن الجزائر وابطالها الذين علموا التاريخ معنى الجهاد والنضال.. بعتادها المتواضع امام عتاد دولة عظيمة في النظام والجيش والسلاح.. وكيف استطاعت مع ذلك ان تقف امام قوة عظيمة بجنودها الأبطال الذين جاهدوا بدمائهم وأرواحهم قبل اجسادهم وهذا سر النصر والفوز على الاعداء.. ام نتحدث عن جمال هذه البقعة وتضاريسها الساحرة وارضها الخلابة.. ام نتحدث عن هؤلاء الأبطال والقادة الذين خطّطوا لحسن النصر والتحرير والاستقلال.. كما وصف الشاعر ذلك في اللوحة الأولى من القصيدة في قوله: في ثورتي امتزجت حروفي بالدما ... فكتبت ملحمة وشعبي ترجما في ثورتي حارت فرنسا مثلما ... حارت برنطا واللسان تلعثما انى لها حرف يبيض وجهها ... والمدفع الرشاش قال فأفحما هذه الابيات كانت مقدمة لوصف ما جرى في الثورة .. وكيف للجزائر ان تدحر اقوى دولة بعزيمة وارادة شعبها... ثم نرى كيف ينتقل الشاعر بحنكة وذكاء من لوحة الى لوحة بشكل متسلسل جذاب وسلس وهو يصف هذه الثورة التي سجلها التاريخ استقلالها.. وكيف نجح الشاعر في عنوان قصيدته..التي ابهرتني فعلا.. لأننا نحس من خلال هذا العنوان وكأن الجزائر تخاطبنا بروحها وتشرح لنا ما جرى في ميدان الثورة.. جعل الشاعر الجزائر تتحدث ليكون وقع الحرف في القلوب أبلغ وأكثر تأثيرا.. وهذه اللفتة الرائعة أرادها الشاعر لجذب القارئ نحو هذه الدولة الأبية المجاهدة البطلة لتقول انني هنا بقوتي وقوة الأبطال ما زلت شامخة.. فلم يضع الشاعر عنوانا مثلا.. الثورة الجزائرية.. هنا تكون العبارات تقريرية.. بينما .. وقالت الجزائر .. فيها روح الخطابة لكل فرد في الجزائر .. حيث شملت كل ذرة فيها وكل مافيها..حتى لا تظلم احدا فيها .. لانها ثورة عامة ذاقها كل فرد فيها وكل بيت فيها وكل شجرة وكل ذرة تراب... ينتقل الشاعر الى اللوحة الثانية.. وصف الثورة الحرة.. حين قال: في ثورتي دوى الرصاص ولعلعا... وتكلم الشعب العظيم فأسمعا في ثورتي لبس الجهاد شبابنا... في ثورتي عزف الثبات فأبدعا في ثورتي حمل التراث سلاحه.. وتأبط الجبل المجاهد مدفعا ما أجمل وما أروع الوصف هنا والحرف يصدح عاليا مجاهدا متناغما مع كل ذرة في الجزائر.. فللرصاص دور في مجابهة فرنسا التي تريد اغتصاب الأرض.. وتكلم الشعب.. وليس الفرد او المجموعة.. انما كل ما الوطن تكلم ليثبت من هي هذه الدولة الأبية المثابرة المجاهدة.. وقوله فأسمعا.. هنا تعليم وتربية ودروس للدول المنكوبة والمخذولة والمضطهدة .. ان مع ارادة الشعب الواحد المتراص يتحقق النصر ولو بعد حين .. ولو تكبدنا ارواحا كثيرة الا ان النهاية النصر المبين لمن يرفع راية الجهاد عاليا.. ثم يتطرّق الشاعر لوصف الجهاد الذي يعني القتال في سبيل الله فقط لرفع راية الحق.. فقال واصفا.. لبس الجهاد.. وهذا الوصف دقيق مجمل للوصف رائع السبك.. لأن الجهاد يكون فقط عند الحاجة وقت اغتصاب الاعداء للارض والحق.. وبعد انتهاء الجهاد يخلع لباس الحرب ليتجند في مناهج المجتمع المختلفة وينخرط فيها كأي فرد يحمل أمانته اتجاه دولته وشعبه برسالة سامية متكاملة البنيان.. وقوله عزف الثبات.. الله على هذا الوصف.. لان الثبات هو التصدي والنصر في النهاية .. يطرب به التراب والارض وبقية الافراد لان فيه من العزيمة ما يحقق المبادئ السامية للنصر.. والثبات يعني توحّد الشعب الواحد في سبيل طرد اخطبوط المحتل وكسر قيوده ووأده... فأبدعا.. وهي تحقيق النصر.. ينتقل للوصف الذي تهتز له الوجدان وهو يقول: في ثورتي حمل التراب سلاحه وتأبط الجبل المجاهد مدفعا... كم لهذا البيت من سحر قد تدفق الفكر فأناره... بقوة السبك واللفظ... اذ تستعد الأرض بكل ذراتها وافرادها ومن عليها ان تحمل الروح للتصدي لهذا العدو والجبل يواري جنوده بين ظلاله ويقف قويا صامدا يسد ضربات العدو تشبيها بقوة الشعب.. ننتقل الى اللوحة الثالثة التي تصف الجبهة او القوة المدروسة التي خططت بنجاح بقيادة قادة افذاذ... جبهة تحرير الارض من براثن الظلم ... حيث قال فيها الشاعر: ان جئت تسألني عن الحزب الذي ... قاد الجهاد فهاك فصل خطابيه هي جبهة التحرير ليس كمثلها... حزب على مر العصور الخالية هي جبهة ذاب الخلاف بكفها... والناس صارت في الكفاح سواسيه ما اجمل هذا الوصف واجزله... عن وصف هذا الرأس المدبر للمعركة والذي كان له باع منذ عصور مضت.. والخوض في وصفها يحتاج لوقت كثير ومجلدات.. لكن يكفي هذا الوصف لنعرف من هي هذه القوة الجبارة التي اثبتت في الجزائر معالمها.. ويكفي وصف الشاعر مع هذه الثورة انها جمعت الناس والشعب تحت لواء واحد وكلمة واحدة لم ينبثق عنها احزاب او فرق او مذاهب.. هي جبهة ذاب الخلاف بكفها .. وعملية الذوبان هي قمة الوصف عن اختفاء النزاعات بين ابناء الشعب الواحد.. والناس صارت في الكفاح سواسيه.. ليحصدوا من هذه الثورة الأمن والأمان باستقلالها وحريتها.... ننتقل الى اللوحة الرابعة التي مهّد لها الشاعر ليصل الى قلب هذا القائد العظيم والمخطط الفذ الذي انهى بتدبيره استقلال شعب ذاق الويلات من الاحتلال.. وكان فيها قادة افذاذ اجتمعوا على لواء واحد ضد الاستعمار الفرنسي.. يصف الشاعر احد قادة الجزائر الذي وان استشهد فقد تناسل من بعده ابطال يؤرخهم التاريخ وما زال النسل مباركا.. قال الشاعر: أوجئت تسألني عن البطل الذي... كانت فرنسا لا تريد لقاءه وتموت ذعرا ان دنت خطواته .. وتخاف حزم قراره ودهاءه قلت. الجزائر كلها ذاك الفتى.. والسبع يعرف في الوغى ابناءه ابيات رائعة تصف قوة القائد الذي بقوته يرهب عدو الله.. وهذا فرد من الملايين من قادتها الابطال.. اما اللوحة الخامسة.. والتي تتحدث بها الجزائر عن نفسها واليوم وربطها بأحداث اليوم والبترول الذي يتلاعبون به لقهر الدول .. كالنسر أرنو للعلا لن أنثني.. اني مشيت وقد أخذت قراري لن يخرق البترول ظهر سفينتي.. لن تغرق الامال في الاسعار سأظل شامخة وشعبي سيد.. عزمي سلاحي والرهان شعاري هنا عزة الجزائر وشموخها وصمودها وقوتها امام تلاعب الغرب او اية فئة تريد قهرها.. تريد ان تقول لنا .. ان الثورة علمتنا كيف نقاتل.. كيف نصمد .. كيف نخطط.. كيف ننتصر .. ولن يقف امامنا اية عوائق.. طالما نحن نجاهد في سبيل الله.. وطالما الشعب متحدا وقوة واحدة... الشاعر الراقي المبدع القدير رياض منصور.. من على هذه المنصة الثائرة العربية المسلمة نقف لنصفق لهذا الابداع الرائع وما شمل الثورة من تفاصيل مغناة واوصافا غاية في الجمال والابداع.. هذه لوحة ماسية مكانها على بوابة الجزائر ليقرئها كل دخيل او غريب ليعرف ويتعلم من هي هذه الجزائر البطلة بشعبها المناضل.. لوحة تعلق على أستار الشمس لتضيء سماء الجزائر بورك الحرف والقلم والمداد الذي انساب لقصيدة مبدعة لشاعر قدير فنان.. وفقكم الله واسعدكم وزادكم بسطة من العلم والنور والهدى.