في الوقت الذي تحتفل فيه نساء العالم بعيدهن العالمي، فتتلقى هذه وردة حمراء وتلك قنينة عطر فواح وأخرى دعوة عشاء متبوعة بحفل راقص، تحتفل الفلسطينية بعيد المرأة ككل عام، أما ثكلى تبكي أبناءها الشهداء، أو أرملة بائسة أصبح على عاتقها مسؤولية كومة اطفال عليها أن تطعمهم وتلبسهم وتعلمهم، أو أختا مفجوعة أو يتيمة تواجه نوادب الدهر وحدها بعد أن أبيدت عائلتها. لم يعد للفلسطينية وطن ولا أمن ولا حرية، لهذا لم يعد لها عيد أو فرح، وكل أعيادها وأفراحها مؤجلة إلى حين بعد أن حولها الجلادون الصهاينة إلى مواجع وفواجع وأقراح.. وتحولت المرأة الفلسطينية من أنثى تبحث عن حب دافىء ووردة حمراء وفستان سهرة براق، إلى امرأة صلبة قوية تقاوم العدو بكل امكانياتها ولا تتردد في التضحية بنفسها أو بفلذات كبدها في سبيل الأرض والحق.المرأة الفلسطينية ليست ككل نساء العالم، لأنها ببساطة تعيش وضعا شاذا وتتحمل ما تنأى الجبال عن تحمله، وقد حولتها المعاناة والظروف التي تحياها وشعبها تحت نير احتلال لم يشهد التاريخ مثله، إلى فدائية واستشهادية لا تخشى الأخطار ولا تهاب المنية، وسيظل التاريخ يحفظ اسم البطلة دلال المغربي التي اختطفت عام 1978 حافلة تقل 40 اسرائيليا وفجرت نفسها فيها وقتل الجميع، وقبل ذلك سيحفظ اسم ليلى خالد التي اختطفت عام 1970 إحدى الطائرات الإسرائيلية. وفي ذات اليوم اختطف أفراد آخرون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عدة طائرات، وكان الوقع شديدا على العدو. كما قامت العديد من الاستشهاديات بلف اجسادهن بالمتفجرات والارتماء في أحضان الشهادة. ومثلما لمعت المرأة الفلسطينية المقاتلة على مر سنوات الاحتلال المريرة، لمعت المرأة المناضلة التي تتحدى شظف العيش في مخيمات اللاجئين وفي الشتات والأراضي المحتلة، وتحيا في حالة بؤس وشقاء تحت حصار يكاد يمنع عنها وعن شعبها الهواء بعد أن منع عنها الرغيف والدواء والكهرباء والكرامة والأرض. وكما لمعت الفلسطينية الفدائية والاسشهادية واللاجئة الصامدة تحت خيمتها البائسة، تلمع المرأة الفلسطينية كل يوم وهي تناضل وتُكافح بطريقتها، فتكسر الحجارة للأطفال وتخبىء المقاومين وتعالجهم، وتزرع وتحصد. ويبقى أهم اشكال المقاومة عند المرأة الفلسطينية التي لا تعرف أي معنى لعيد المرأة أو لأي عيد آخر، هو الإنجاب فهي تضحي بصحتها وتتحمل عذاب الحمل ومشاق الولادة لتكوّن الجيش السكاتي الذي تخشاه إسرائيل، وهذه انبل وأعظم وأقوى وسيله تشارك بها المرأة الفلسطينية للحفاظ على ما تبقى من فتات الأرض، إنها تقاتل وتلد من يقاتل، ومن يواصل حمل هم تحرير الأرض إلى غاية تحريرها.