مر يوم 8 مارس، العيد العالمي للمرأة، واحتفلت به نساء العالم، كل على طريقته الخاصة، ولم تختلف كثيرا مظاهر الاحتفال في الجزائر، تكريمات هنا وإشادة بدورها الفعال في المجتمع، هناك، ولكن أيضا التذكير بحالات التمييز والعنف التي لا تزال تمارس على المرأة رغم أنها تشكل أكثر من نصف المجتمع الجزائري. لا يمكن لأحد أن ينكر أن خطوات ليست بالهينة قطعتها مسيرة النضال النسوي في الجزائر واجتهدت المرأة بكل الطرق والأساليب المتاحة لها، لكي تثبت وجودها في كل الميادين، بما في ذلك، تلك التي كانت ولا تزال حكرا على الرجل، واستطاعت بفضل مثابرتها وصمودها أن تحتل مناصب عليا وتجتهد فيها، حتى تبرهن لنفسها ولمحيطها وللمجتمع ككل أنها من الإمكانيات الفكرية والإرادة القوية ما يسمح لها بتحمل المسؤولية الموكلة لها على أحسن وجه. حب التفوق والنجاح واتقان العمل، هي فطرة في المرأة وتبرز بالأساس عندما تكون بنتا ثم فتاة إلى أن تصبح شابة وامرأة مسؤولة، ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد أن البنت أو التلميذة تكون على العموم أكثر إجتهادا وحبا للتفوق من الولد، والاحصائيات الرسمية تؤكد على أن أعداد المتفوقات دراسيا هم أكثر بكثير من المتفوقين الذكور، كما أن التسرب المدرسي يمس بالدرجة الأولى الأولاد، مما يؤكد أن الفتاة تكون أكثر تمسكا بدراستها والأكثر تفوقا مثلما تؤكده النتائج الدراسية سنويا. وما يستدعي التمعن فيه بدقة، أن مسار التفوق لدى الإناث إلى أن تبلغن مستويات عليا من الدراسة يصطدم في نهاية المشوار بواقع مؤلم، فعادة ما تركن هذه القدرات الخلاقة والطاقات الكامنة على الهامش، وتتراجع مكانتها في المجتمع، بسبب إما غلق الأبواب في وجهها وعدم منحها فرصة الاستفادة من تفوقها واجتهادها لكي تفجر تلك الطاقة الكامنة فيها خدمة للوطن والمساهمة في تنميته، أو بسبب العادات والتقاليد البالية والذهنيات العقيمة التي ترسم للمرأة حدودا وخطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها إلا في إطار ما يسمح به العرف، بحيث باتت وظائف محدودة تكاد تكون حكرا على المرأة، و«تأنثت» على نحو أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على سيرورة القطاع ولا سيما في قطاع التربية. صحيح أن المرأة اقتحمت ميادين أخرى، كانت بالأساس حكرا على الرجل، لكن تواجدها، يبقى قليلا للغاية في بعض المناصب الهامة، وخاصة على مستوى مراكز القرار، ولا يعكس بأي حال من الأحوال نسبة تمثيلها في المجتمع ولا قدرتها على تحمل المسؤولية، وأن إهمال المجتمع لنصفه أو أكثر هو في واقع الأمر إهدار لطاقات، لم يفسح لها المجال لأن تستغل على نحو يفترض أنه يمثل إضافة حقيقية وجادة للأمة ككل. غير أن التهميش الذي يطال الكفاءات من النساء، لا يأتي في بعض الحالات من المحيط أو المجتمع ككل، وإنما قد يأتي من المرأة نفسها، ولا سيما الموظفة، التي تضطرها الظروف المحيطة بها أن تضع حدا لطموحاتها، لأن المجتمع لم يثمن بعد الدور الذي تقوم به المرأة في تربية الأجيال، الذين هم رجال الغد، وهذا بحد ذاته يعد وظيفة حساسة، وجب على المجتمع أخذه بعين الإعتبار. 8 مارس لهذه السنة ولى وانتهى، وانتهت معه الاحتفالات، وبقي السؤال الذي يتكرر كل سنة، وماذا بعد؟ هل طرحت أفكار جادة وعملية لتطوير المرأة والتخلص من الذهنيات التي كانت ولا تزال تقف أمام تبوئها للمكانة التي تليق بها، وهل المرأة هي التي توجد في المدن وفقط، وماذا عن بقية النساء المضطهدات، المعنفات، المهمشات، المقصيات الغير مواطنات بالمفهوم الواقعي وبما تكابدنه يوميا دون أن تسلط عليهن الأضواء. هن أيضا يمثلن نصف المجتمع وجب أخذهن بعين الإعتبار، بل وجب وضعهن في مقدمة الإهتمام بشؤون المرأة الإجتماعية قبل السياسية، لأنه وببساطة الاهتمام بالمرأة وترقيتها اجتماعيا، يبدأ بكل تأكيد بتغيير الذهنيات ليس على مستوى المجتمع فحسب، بل على مستوى مراكز القرار من خلال وضع برنامج خاص بتطوير المرأة، لن يكون مناسباتيا، بل على المدى الطويل، لإحداث التغيير المنشود في النصف الآخر الفعال للمجتمع.