الإهمال، التسيب والتهميش مظاهر أضحت تطبع أحياء وشوارع قلب مدينة قسنطينة، التي تحوّلت بعد سنوات توّجت خلالها ملكة للجمال وعاصمة الشرق الجزائري إلى فوضى وباقة متنوعة من الأوساخ، حوّلت الأحياء العتيقة إلى كومة من القاذورات والأوساخ، وسط طرق وأرصفة مهترئة دفعت بسكان الجسور المعلّقة للتساؤل عن أسباب وضع هذه الأحياء ضمن قائمة الانتظار للاستفادة من المشاريع التهيئة الحضارية، ناهيك عن وضعية البنايات المزرية التي حوّلتها السنون إلى مجرد جدران عنوانها الوحيد التشققات والتصدعات الخطيرة، وهو ما أدخل قاطنيها دوامة التخوف من الانهيار عليهم والموت تحت أنقاضها، فبدءا من شارع القصبة العتيق تبدأ مهزلة التسيب واللاّمبالاة، وصولا إلى شوارع يعود نشأتها إلى الوجود العثماني والفرنسي.فالزائر لهذه الأحياء يلاحظ ومن الوهلة الأولى أنّها من أعتق شوارع عاصمة الشرق وأروعها، كونها أسرّت بجمالها كل الزوّار وأسالت بروعتها حبر أشهر كتاب العالم. شوارع سيرتا اليوم لا تنتظر أن تبوح لك بأسرارها ومعاناتها، فبمجرد أن تطأ قدماك أي من هذه الأخيرة حتى تكشف الوضعية المحرجة واللاّحضارية التي آلت إليها في ظل تغاضي المجالس البلدية والولائية المتعاقبة عن إدراج هده الأحياء التاريخية ضمن برامج التحسين الحضري وعمليات إعادة التهيئة، فشوارع قلب المدينة تعيش المأساة تضاف لها معاناة السكان. «الشعب» وقفت على الوضعية المزرية التي تتخبّط فيها أحياء قلب عاصمة الشرق الجزائري كما يحلو للبعض تسميتها، والتي مسّت عددا من الشوارع والأزقة العتيقة. ...التسربات المائية والمزابل العشوائية ديكور شارع العربي بن مهيدي الجديد من شارع العربي بن مهيدي المعروف بطريق جديدة ذات الموروث الحضاري والتاريخي، بدأنا جولتنا الاستطلاعية التي أعطتنا فرصة للحديث مع السكان الذين استنكروا الوضعية المحرجة التي يعيشونها، حيث أكدوا لنا أنّ مشاكل الشارع الأساسية تكمن في التسربات المائية الناتجة عن أعطاب دائمة مست قنوات التزود بالمياه الصالحة للشرب، أين تحوّلت بفعلها الطرقات إلى برك وأوحال شكلت مع مرور الوقت مستنقعات للمياه القذرة. الوضعية حسب السكان أثّرت سلبا على السلامة البنية التحتية للبنايات، مضيفين أنّه رغم الشكاوى التي أودعوها لدى مصالح البلدية إلاّ أنّهم لم يتلقّوا أي ردود، فضلا عن تحول الطريق إلى حفر ومطبات، ناهيك عن اهتراء الأرصفة التي لم تشهد منذ عقود لعمليات تجديد أو تصليح، فالأوساخ والقاذورات التي ترمى عشوائيا حوّلت الشارع العتيق إلى مفرغات عمومية، خاصة وأنّ شارع العربي بن مهيدي يعرف حركة تجارية واسعة، فالمحلات التجارية تتواجد على طول الشارع ما يجعله قبلة للزبائن على مدار الساعة، وهو الأمر الذي يدعو للخجل، خاصة مع تواجد مراكز جامعية ومؤسسات تربوية وفنادق ما يجعل غياب التهيئة ملحوظا ومستغربا من قبل العام والخاص. ....رحبة الصوف..الشارع والرصيف...المعاناة والمأساة منذ سنوات لم نشاهد مثل هذا القدر من الإهمال والتسيب، فالسكان يعيشون أسوء أوضاعهم وسط سكنات مهترئة تفتقر لأبسط ضروريات العيش الكريم وتعيش كابوس انهيارها عليهم، دون الحديث عن وضعية الطرقات المليئة بالمطبات والحفر، إضافة عن تسربات المياه القذرة وسط هذه الأحياء جراء قدم قنوات الصرف الصحي، فضلا عن الانتشار الهيستيري للأوساخ والقاذورات لتبقى الوضعية المزرية أول ما تلاحظه لدى دخولك لهذه الأخيرة. هذا وقد عبّر لنا السكان عن مدى استيائهم من حالة التهميش واللاّمبالاة، حيث أضحى سكانها الأصليين وسكناتهم مجرد أطلال، فالزائر لهذه المناطق الأثرية والتاريخية يلاحظ الأكوام والمخلفات الترابية الناتجة انهيار البنايات، لا سيما الواقعة بحي ططاش بلقاسم المعروف «بالشارع»، الوضعية الكارثية التي استاء منها السكان خاصة مع الانتشار الواسع للزواحف والثعابين، فضلا عن الغبار والأتربة التي أثّرت سلبا على صحة العائلات المجاورة للمنازل المنهارة، في ظل غياب الجهات المعنية في رفع الفضلات والأكوام الترابية التي تحوّلت في غياب القانون والرقابة إلى أوكار آمنة للدعارة وتعاطي المخدرات بعدما ظلّت هذه الأخيرة متراكمة لسنوات عديدة دون أيّ التفاتة جدية من مسؤولي القطاع ليبقى المواطن الضحية الأولى لسياسة الإقصاء والتهميش. رئيس القطاع الحضري سيدي راشد يؤكّد على انطلاق عمليات التحسين الحضري رغبة منّا في معرفة مصير الأحياء العتيقة المذكورة سالفا، توجّهنا نحو رئيس القطاع الحضري ببلدية قسنطينة، الذي أكّد لنا على انطلاق عمليات التحسين الحضري بأحياء قلب المدينة العتيقة، وعلى رأسها شارع العربي بن مهيدي وشارع 19 جوان بدءا من تهيئة الطرقات والأرصفة، وكذا تزويدها بالإنارة العمومية لتتوسع العملية بعدها لعدة أحياء أخرى بالمدينة، لتبقى بذلك مدينة الجسور المعلقة تنتظر على أمل استرجاع جمالها الضائع، خاصة وأنّ المدينة اليوم تستعد لانطلاقة جدية في مجال السياحة والفندقة، وهو ما يتطلّب تضافر كافة القطاعات بالولاية للنهوض بالمستقبل السياحي التي تتحلّى به سيرتا منذ عقود وعقود.