لم تعد الجزائر ذلك البلد المدين الذي ينتظر إشارة خضراء من صندوق النقد الدولي للقيام باستثمارات أو إرساء خيارات تخدم مصالحها وإنما أضحت وجهة تطلبها مؤسسات مالية بحجم صندوق النقد الدولي (FMI) سعيا منه للحصول على قرض يدعم موارده المالية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية وبالذات أزمة السيولة النقدية التي تشد أعناق اقتصاديات بلدان قوية إلى درجة تهدد كيانات بحجم الاتحاد الأوربي على خلفية إفلاس اليونان وبلوغ اسبانيا والبرتغال وربما فرنسا عتبة الانهيار المالي. هل تقرض الجزائر الصندوق الذي أذاقها المر في بداية التسعينات وصال خبراؤه وجالوا في الساحة الاقتصادية والمالية للجزائر، وهي تتحمل في صمت ثقل المديونية الخارجية وما نجم عن تطبيق وصفة الافامي من إصلاحات هيكلية كلفت الكثير اجتماعيا وتنمويا إلى أن أثمرت جهود تقشف صارم تلاه تسيير محكم لملف المديونية إلى أن تمت تسويته بشكل يثير إعجاب نفس أولئك الخبراء الذين لا يتوقفون عن متابعة الديناميكية المالية وحساب مدخرات بلد لا يزال يتطلع إلى مزيد من النمو وكسب رهان الألفية الأممية التي تجعل تنمية الإنسان في قلب المعادلة. قد يمكن منح قرض لهذه المؤسسة المالية الدولية التي ترتجف أمامها حكومات بأكملها عند الحاجة إليها من منطلق التضامن العالمي والسعي لأنسنة العلاقات الاقتصادية والمالية الدولية، لكن يبدو الأمر بحاجة إلى دراسة معمقة وتفاوض متين لفرض ضمانات ومقابل يعطي للجزائر مركز تفضيليا تحسبا لما يخفيه المستقبل في عالم يتغير بسرعة فائقة. غير أن إقراض الافامي لا ينبغي أن يكون قرارا استعراضيا للتباهي به أمام العالم وإنما يبدو مصيريا إجراء حسابات دقيقة واضحة النتائج في شتى المجالات دون المساس باحتياجات التنمية المستدامة وإرساء الاقتصاد البديل للمحروقات وذلك بالانتقال إلى استثمار جانب من الوفرة المالية في ما يعرف بالورشات الكبرى في الفلاحة والصناعة الغذائية مثلا والتي توفر مناصب عمل بالآلاف ولو باللجوء إلى استخدام خبرات تسيير أجنبية من الجهات الأربع للعالم. في خزينة الدولة الجزائرية موارد ثمينة وهي مرشحة للنماء أكثر فأكثر، ومن ثمة لا مجال للتعامل معها دون روح من المسؤولية تجاه الأجيال تماما مثلما ينبغي أن يكون التعامل مع الموارد الطبيعية مثل الذهب والبترول والغاز بوضع المصلحة الوطنية العليا خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. وضمن هذا التوجه فان للخبراء من مختلف المدارس الاقتصادية كلمة في الموضوع مع تحديد سقف صارم للاقراض يمنع تجاوزه ذلك أن عقلية الافامي نفسها لا تؤمن بالعاطفة الإنسانية وعقيدتها العد الجيد للورقة الخضراء وضمان استرجاعها قبل أي اعتبار آخر، ويكفي تصور حالة البلاد لو لم تتوصل إلى التسديد المسبق للمديونية والتوفير الجيد للموارد رغم كل ما حصل من فساد. ولو لم يكن هذا الأخير لكانت الأوضاع أفضل بكثير.