الآمال كبيرة اليوم في تحقيق مكاسب جديدة وأكيدة في استكمال بناء الدولة التي قرّرها بيان أول نوفمبر، والتزم بها بيان 19 جوان 1965 والكثير من الوثائق السياسية المتعاقبة، أي دولة ديمقراطية اجتماعية ذات سيادة، ودولة مؤسسات لا تزول بزوال الرجال، لأن الإرادة السياسية اليوم واضحة وقوية. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن هناك تحديات كبيرة أيضا، فنوعية المؤسسات والإدارات اليوم محدودة أو متداعية، و»الألغام» المزروعة، منظورة وغير منظورة، ما زالت تتهدد الإرادات، وقوى رفض التغيير ما زالت مناوراتها لم تتوقف، وهو ما يحتم توسيع الإرادة الوطنية الحاملة للتغيير والحامية له. والبلاد تبعا لهذا تعيش مرحلة ينبغي أن تكون حاسمة من خلال العمل على توفير كل شروط التغيير وكل شروط الوفاء لوعود الشهداء والمجاهدين وكل المناضلين من أجل قيام جزائر حرة قوية وعادلة. دولة الأزمات ينبغي أن تنتهي كما ينبغي أن نجعل أزمة الدولة وراءنا. ذلك يعني جسر كل هوة بين النخبة والمواطنين، نخبة حاكمة وغير حاكمة، لأنه لا ينبغي أن نغفل أن جل النخب تعيش أزمة في علاقتها بالناس، وهو ما يعني أن التمثيل في حاجة لتحول عميق على أسس جديدة تحمل فعلا التطلعات الجديدة والنوعية للجزائريين. أزمة الدولة بالخصوص تعني أزمة المؤسسات قوة بعضها، السلطة التنفيذية وجماعات النفوذ، وضعف الأخرى، أي المؤسسات المنتخبة بالخصوص، وهذا يحتم تغييرا جذريا في طبيعة العلاقات بين السلطات الثلاث، أي فصلا كاملا وواضحا وفعّالا بين السلطات، وهو ما يحمله نص مشروع المراجعة الدستورية المقترحة على الجزائريين للاستفتاء في فاتح نوفمبر المجيد. هذا يحتم أيضا رقابة حقيقية فاعلة وفعّالة على ممارسة السلطة وعلى كل صاحب سلطة وإنهاء كل مناطق النفوذ والتأثير على القرار أو الحد منها إلى أبعد الحدود. المشروع كبير وهو ضرورة حتمية لكي تقوم دولة المؤسسات وسيادة القانون ولكي تتجسد أخيرا أحلام الشهداء ووعود الوطنيين الأخيار وتطلعات جل فئات الشعب الجزائري التي عبرت عن ذلك بوضوح منذ حراكها المبارك في 22 فيفري من العام الماضي، والآمال كبيرة في أن تكون تلك الروح قد منحت الجزائر عوامل قوة خلصتها من أثقال قوى الركود ورفض التغيير.