أصبحت الأسر الجزائرية لا تعرف معنى العطلة الصيفية، فهي لا تمثل لها سوى انقطاع عن ممارسة نشاطاتها المعتادة كالعمل والدراسة والسبب في ذلك يعود إلى قلة إمكانياتها المادية ليس إلا...... لأن ثقافة قضاء العطلة لم تغب يوما عن العائلة ولم تتخل عنها، بدليل أنه كلما حضر الموعد تحزم أمتعتها لقضائها عند الأقارب في الريف والقرى. لكن الاصطياف اليوم أصبح من الكماليات وفي متناول الأسر ميسورة الحال فقط، لأن التكلفة كبيرة لا يقدر على تسديدها ذوي الدخل المحدود. ولتسليط الأضواء عن الأسباب التي تعيق العائلات قضاء العطلة الصيفية لهذا الموسم، أجرينا هذه الدردشة مع بعض الأولياء أصبحت أقضي عطلتي في البيت اعتادت جميلة (ربة بيت)، قضاء العطلة الصيفية في أحد المركبات السياحية التي تزخر بها مدن جزائرية عديدة..... لكنها بعد الزواج أصبحت غير متحمسة لذلك لسبب بسيط هو أن أجرة زوجها لا تسمح بذلك..... تقول جميلة: «منذ أن تزوجت عودت نفسي على أمور جديدة في حياتي الزوجية ومنها العدول عن قضاء العطلة الصيفية في الأماكن التي ألفتها أو حتى أماكن أخرى وأنا احاول دائما مع طفلي اللذان يلحان على هذا الأمر اقناعهما بالامر الواقع وتقبل الوضع وعندما يلحان أكثر نتنقل إلى البحر لقضاء يوم واحد شريطة أن نعد كل ما يلزمنا قبل مغادرة البيت لتفادي المصاريف». «سميرة» (طالبة جامعية)، في العشرين من عمرها، تعيش نفس ظروف جميلة..... لا تتذكر أنها قضت عطلة صيفية خارج البيت وتقول في هذا الصدد: «والدي يعمل طيلة ايام السنة من أجل تحسين مستوانا المادي.... واتذكر انه دائما في العطل يجهد نفسه باقتناء سلع ويعيد بيعها لتلبية طلبات الاسرة المتزايدة ومواجهة غلاء المعيشة الذي لا يتماشى مع الاجرة التي يتقاضاها شهريا وتواصل حديثها قائلة الصيف بالنسبة لي وبقية إخوتي البنات يقتصر على الذهاب إلى الأعراس رفقة والدتنا برامج قضاء العطلة تغير كثيرا رغم ان «نوال» تعمل موظفة بإحدى البنوك بالعاصمة وتتقاضى مرتبا، إلا أنها هي الأخرى اضطرت إلى الاستغناء عن قضاء العطلة خارج الوطن، وذلك بغرض توفير المال لفائدة أبنائها الثلاثة، خاصة وأن اثنين منهما يستعدان للالتحاق بالجامعة..... قالت لنا نوال إن الجهة التي كانت تستهويها هي تركيا، حيث قضت فيها العديد من العطل الصيفية..... لكنها اليوم تفضل توفير المال، لذلك قررت تغيير وجهتها وصارت تخطط مع زوجها قضاءها داخل الوطن وقد اختارت هذه المرة جيجل، حيث الطبيعة الخلابة من جبال وغابات وشواطيء ولكن لابد ان لا تتعدى ايام اقامتنا فيها مدة اسبوع خاصة وان العائلات الجيجلية التي اعتادت كراء بيوتها للمصطافين رفعوا ثمن الكراء بشكل لا يسمح بقضاء كل ايام العطلة اذ اصبحت تكلفة الاقامة فيها ليلة واحدة تقدر بستة آلاف دينار جزائري..... والأهم في كل هذا انها اصبحت أكثر حرصا على توفير المال بسبب الغلاء الذي طال كل شيء..... كما تخلت أسرة عبد الرحمان وهو موظف ببلدية باب الوادي وأب لاربعة أبناء عن عاداتها في قضاء العطلة الصيفية حيث اعتادت في سنوات سابقة نصب خيمة في شاطئ تنس وقضاء شهرا كاملا في الطبيعة الخلابة للمنطقة ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن بسبب الانعكاسات السلبية للوضع الامني الذي شهده الوطن، ومنذ ذلك التاريخ قررت هذه الاسرة التخلي عن عادتها في قضاء عطلتها في حدود إمكانياتها. أفضّل المكوث في البيت تحضيرا للشهر الكريم تقول «منى» (أم لثلاث بنات)، أنه بالنظر إلى الغلاء الفاحش الذي تعيشه أغلب الأسر في هذه الفترة استثنى أغلبها فكرة الاصطياف والاستجمام لهذه السنة، خاصة وأن الصيف يتزامن مع شهر رمضان الكريم الذي أخلط أوراق بعض العائلات التي اعتادت قضاء شهرين عطلة صيفية بعيدا عن صخب المدينة والهواء الملوث للعاصمة. وفيما يخصها تقول «منى» إنها تنوي قضاء العطلة بصفة استثنائية في البيت والذهاب إلى شاطيء البحر باعتبار ان دفع ما قيمته الف دينار جزائري في اليوم رفقة الأولاد والزوج أرحم من دفع ما قيمته 140 الف دينارجزائري مدة شهر في المركبات الصيفية التي اصبحت تبرع في غلاء الاسعار دون أي قيمة لما تقدمه من خدمات لانه حسب محدتثنا سبق لها ان اقامت فيها في سنوات سابقة. ولاحظت ذلك.... وقالت أيضا أنها تفضل المكوث في البيت لانها اشتاقت له كثيرا بسبب عملها خارج البيت والتمتع بمشاهدة مختلف القنوات الفضائية في جو لطيف والتحضير لرمضان الذي منا تكثيف عبادة الله والابتعاد عن المعاصي وكسب الحسنات وهو أفضل من السفر إلى البلدان الاجنبية، أين يجد الانسان نفسه يفقد تعاليم الدين الحنيف، هي فترة لا تتعدى شهر ونصف أحاول فيها أن أضبط ميزانية البيت وأمور أخرى لها علاقة بالخالق. ومهما تكن الأسباب التي تحول دون قضاء العطلة الصيفية، إلا أنها تبقى مهمة للعائلة، خاصة الأطفال لأنها فرصة لا تعوض لتجديد الطاقة بعد ان امضوا سنة كاملة في الكد والعمل وهي ايضا فرصة سانحة لكل فرد في العائلة ينسى فيها مشاغله الخاصة، ويشارك باقي أفراد أسرته نفس أجواء اللهو والمرح ليستأنف عمله من جديد بقوة ونشاط.