رحل عنّا الروائي البريطاني ديفيد كورنويل، الشهير ب»جون لوكاريه»، عن عمر ناهز 89 عاما. ويُعتبر الراحل من أشهر كتّاب الروايات الجاسوسية، وساعده في ذلك ماضيه كعميل لدى الاستخبارات البريطانية. ولاقت أعمال لوكاريه رواجا عالميا كبيرا، كما حُوّل بعضها إلى أفلام سينمائية. واستغلّ لوكاريه قلمه وخبرته لمحاكاة حقائق من الواقع، كما في «البستاني المخلص» حينما فضح الممارسات اللاأخلاقية التي تمارسها شركات الدواء الكبرى في إفريقيا. توفي الكاتب البريطاني جون لوكاريه John Le Carré، عن عمر يناهز 89 عاما بحسب ما أعلنه وكيله الأدبي في ساعة متأخرة، مساء أول أمس الأحد. ونقلت وكالة «رويترز» عن الوكيل الأدبي قوله في بيان «ببالغ الحزن أعلن نبأ وفاة ديفيد كورنويل، المعروف عالميا باسم جون لوكاريه، بعد مرض قصير (لا علاقة له بكوفيد19) في كورنوولو مساء السبت 12 ديسمبر». كما نقلت الوكالة عن أسرة المؤلف أنه توفي بسبب التهاب رئوي. روائي في معطف جيمس بوند ولد لوكاريه (واسمه الحقيقي ديفيد جون مور كورنويل) في إنجلترا عام 1931، درس اللغات الأجنبية في جامعة برن السويسرية، أواخر الأربعينيات، وتخرج عام 1954 في جامعة أكسفورد، وهي الفترة التي بدأ فيها التعاون مع المخابرات، قبل أن يلتحق بجهاز الاستخبارات البريطاني «أم آي فايف MI5» سنة 1958 ثم في العام اللاحق جهاز الاستخبارات الخارجية «أم آي سيكس MI6»، حيث عمل خمس سنوات كوكيل سري تحت التغطية الدبلوماسية في ألمانيا الغربية. نشر المؤلف روايته الأولى «دعوة للموتى»، عام 1961، تحت الاسم المستعار جون لوكاريه، الذي كان يستخدمه على مدى سنوات خلال عمله الاستخباراتي، وترك الخدمة الحكومية بعد نجاح روايته الثالثة «الجاسوس الذي جاء من البرد» (1963) التي استفاد فيها من تجربته الاستخباراتية في ألمانيا. ولكن «لاكروا» كتبت بأن مساره المهني كعميل سري دمره العميل البريطاني المزدوج كيم فيلبي (واسمه الكامل هارولد أدريان راسل فيلبي) الذي كشف غطاء لوكاريه وغطاء العديد من مواطنيه، لوكالة الاستخبارات الروسية «كا جي بي»، وهو ما دفعه إلى الاستقالة من المخابرات البريطانية. اعتراف عالمي ترك لوكاريه وراءه 25 رواية ومجلد واحد من المذكرات (The Pigeon Tunnel، 2016)، وباع المؤلف أكثر من ستين مليون كتاب في جميع أنحاء العالم، بحسب «لا كروا». وحاز الروائي على كثير من الجوائز الأدبية، وفي 2008 اختارته صحيفة «تايمز» في المرتبة 22 في قائمة أبرز الأدباء البريطانيين بعد الحرب العالمية الثانية. من أشهر رواياته «سمكري خياط جندي جاسوس» (1974)، ونقرأ في غلاف النسخة العربية للرواية، التي ترجمها يزن الحاج: «في أجواء الحرب الباردة تدور أحداث هذه الرواية التي تكرّرت طبعاتها، وتحوّلت إلى فيلم سينما، وتتناول الصراع بين المخابرات البريطانية والمخابرات الروسية في أوروبا». ونقرأ أيضا: «يُنظَر إلى رواية سمكريّ خيّاط جنديّ جاسوس، كأفضل روايات لوكاريه، بل تعتبر من بين أفضل الروايات البريطانيّة في النصف الثاني من القرن العشرين على الإطلاق». فضح الاستغلال البشع لأطفال إفريقيا حُوّلت أعمال كثيرة للمؤلف الراحل إلى أفلام سينمائية، ولكننا سنركز هنا على فيلم The Constant Gardener «البستاني المخلص» الذي يعتبر من أشهر أفلام الممثلة ريتشل وايز، كما كانت الممثلة والمخرجة الكينية لوبيتا نيونغو مساعدة إنتاج في الفيلم، وذلك سبع سنوات قبل أن تتقمص دورها في فيلم «Twelve Years a Slave» حيث فازت بجائزة أوسكار لأفضل ممثلة مساعدة. الفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس العنوان وهي من أكثر روايات جون لوكاريه مبيعا، وتدور أحداثه في كينيا، حيث تبدو القصة في البداية متعلقة بجريمة قتل على خلفية خيانة زوجية، قبل أن يتضح أن للأمر علاقة بممارسات مشبوهة وغير أخلاقية من مخابر صيدلانية وشركات مصنعة للأدوية. أوردت بعض المصادر أن لوكاريه اقتبس القصة من فضيحة حقيقية فجرتها «واشنطن بوست»، ويتعلّق الأمر بتجارب دوائية غير قانونية قامت بها الشركة الأمريكية «فايزر» في نيجيريا، وأودت بحياة أطفال. سنة 1996، قامت «فايزر» بإجراء تجربة غير قانونية للمضاد الحيوي تروفافلوكساسين (تروفان) على حوالي 100 طفل ورضيع أثناء انتشار وباء التهاب السحايا والحصبة، وتم علاج 100 آخرين باستخدام سيفترياكسون وهو مضاد حيوي من مجموعة «هوفمان لاروش». وزعمت فايزر أنها حصلت على موافقة شفهية من عائلات الأطفال. وقد توفي خمسة من الأطفال فيما أصيب آخرون بتلف في الدماغ أو صمم أو شلل. سنة 2001، تقدمت ثلاثون عائلة نيجيرية بشكوى في محكمة نيويورك ضد فايزر، وسط فشل في الحصول على تقرير لجنة التحقيق النيجيرية في الحادثة، الذي يؤكد أن الشركة الأمريكية لم تحصل على تصريح نيجيري رسمي وأنها انتهكت القانون النيجيري وإعلان هلسنكي بشأن أخلاقيات التجارب السريرية، إلى أن نشرت صحيفة «واشنطن بوست» التقرير سنة 2006. وفي 2007 طالبت الحكومة النيجيرية بتعويض قدره سبعة مليارات دولار، فيما طالبت سلطات ولاية كانو بتعويض قدره 2.75 مليار دولار، وفي 2009 اجتمعت الأطراف المعنية في روما، في مفاوضات كان من الوسطاء فيها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، ودعا الاتفاق فايزر إلى دفع 75 مليون دولار، جزء منها للضحايا والآخر لولاية كانو، مع بناء مستشفى جديد بالولاية، مقابل سحب التهم الموجهة إلى الشركة. سنة 2010، كشفت تسريبات ويكيليكس أن فايزر حاولت ابتزاز السلطات النيجيرية وبالأخص المدعي العام النيجيري.