هبّة شعبية لإنقاذ الانهيار السياسي للدولة اعتبر المختص في القانون العام أحمد دخينيسة، حراك 22 فيفري 2019 ردة فعل أولية على العهدة الخامسة، التي كانت نوعا من الاستفزاز للشعب الجزائري لتعطيل ميكانيزمات المسؤولية السياسية في الجزائر، وإهدار كل إمكانيات الدولة الجزائرية ما أفرز مؤسسات تعمل تحت ضغط مصالح ضيقة لجماعة متحكمة تتلاعب بالمؤسسات، أهمها المؤسسة الرئاسية، المؤسسة النواة في الدولة الجزائرية. أكد دخينيسة أن بداية الحراك بدت قوّية، لكنها كانت ضيقة، اتسعت بعد أسابيع من انطلاقه حيث استوعبت كل الفئات والفاعلين السياسيين الذين أرادوا التعبير عن استنكارهم لتلك المهزلة السياسية حيث بدت مناورة لما يعرف بالعصابة داخل أطر ضيّقة خارج المؤسسات الشرعية للدولة، في غياب رئيس شرعي لأن الرئيس آنذاك عانى مرضا خطيرا يحول دون أداء مهامه الرئاسية. قال المتحدث إن الحراك أعطى الكثير من الفاعلين فرصة للتعبير عن آرائهم ليتجاوزوا فكرة معارضة نظام سلطة إلى معارضة انهيار الدولة، وبالرغم من انه ليس إداريا ولكنه انهيار سياسي أدخل الجزائر في حالة فراغ سلطوي لعدم وجود شخص يمثل الدولة، لأن الدستور ينص على أن الرئيس هو الذي يمثل وحدة الشعب والدولة، افتقادها بالنسبة للجزائر كمنظومة تم ترسيخها هي المركز الأساسي للرئيس، لذلك المساس به يعرض الدولة إلى مخاطر جمّة تتجاوز مجرد الفساد المالي إلى إضعاف وهشاشة المؤسسات. إنقاذ الدولة أوضح المتحدث أن الحراك هبّة شعبية لإنقاذ الدولة، فلما عجزت كل الميكانيزمات في جميع المؤسسات التي كانت شبه معطلة، سواء المجلس الدستوري أو الهيئات الأخرى لم يكن هناك فاعل قادر على وضع حد لمسار الانهيار، ولا حتى سلطة مضادة، لذلك كان الحراك لجوء أخير للشعب الذي خرج لإسقاط العهدة الخامسة لتتطور مع مرور الأسابيع إلى المطالبة بإعادة بناء المؤسسات القائمة على لا شرعية يشوبها الفساد، حيث أصبح عملها نوعا من «خوصصة» الدولة لصالح مافيا سياسية مالية مرتبطة بمصالح أجنبية. وعرفه في ذات السياق، إنه تعبير جماعي شاركت فيه كل الأطياف من مختلف التيارات الإيديولوجية، السياسية والاجتماعية، فتعاظم شأنه للتعبير بصوت واحد لإيقاف انهيار الدولة، لذلك يمكن القول إنه أدى وظيفة تاريخية هدفها الأول إنقاذ الدولة من الانهيار وإعادتها بالدواء الأساسي، وهو العودة إلى السيادة الشعبية لما طالب بتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور. وقال مشبها «كأن الجميع في لحظة وعي سياسي اجتماعي ضخم يبحث عن الطريقة التي يعيد بها تأسيس الدولة، فأعيد تأسيس الدولة بواسطة السيادة الشعبية وان كان التعبير هو احتجاجي سلمي حضاري توافقي، تطور وأدى إلى نوع من الانسجام في المطلب الذي لم يكن حزبيا أو أيديولوجيا، بل كان مطلبا وطنيا بحتا، فأعاد الحراك بالتالي سياق التاريخ أو الدولة الجزائرية الى قاطرة الشرعية المستمدة من السيادة الشعبية. وأضاف الدكتور قائلا: «هو إعادة ضخّ الوعي الوطني فقد رأى الجميع انه استدعاء صور للمجاهدين والشهداء، شاركت فيه جميع الأطياف بكل وطنية، بالرغم من محاولات بعض الفاعلين من الأقليات الأيديولوجية التعبير عن مطالب ضيّقة، ما جعل من انخراط هؤلاء في الحراك محاولة لتوظيفه ما جانب المطلب الأساسي للهبّة الشعبية الذي تم التوافق عليه وهو إبعاد العصابة لاسترجاع الدولة وإعطاء الفرصة لبناء دولة جزائرية بعيدا عن الفوضى، وهو ما عكسه انضباط الحراك الشعبي الذي سانده الجيش الوطني الشعبي. ديناميكية تاريخية جاءت لحظة عظيمة ميّزها إصرار على تطبيق الدستور لاجتناب دخول الجزائر في دائرة الحلول الترقيعية المتمثلة في مرحلة انتقالية، فبالرغم من أن الأخيرة كانت مطلب فئة قليلة، إلا أنها كانت محل توظيف لصالح أجندة أجنبية، لكن الإصرار الشعبي على تطبيق المادتين 7 و8 اللتان تعيدان السيادة للشعب، جاء ردا على مختلف الفاعلين خاصة الفاعل الأساسي الجيش الوطني الشعبي، حيث أصرّت قيادته على الدستور واستمرارية الدولة الجزائرية والوطنية في إطار قيم نوفمبر، ما جعل الحراك بمثابة ثورة تعيد نوفمبر والدولة من جديد إلى الشعب. وكان تطبيق المادة 102 حاسما في خطاب رئيس الأركان السابق، الراحل الفريق احمد قايد صالح، كممثل لهيئة دستورية، بحضور كل القيادات العسكرية للإعلان صراحة وفي شفافية تامة بما ينسجم مع الدستور، الضابط الأول للحركة الشعبية، لأن الخروج عنه قد يؤدي إلى متاهات. في هذا الصدد، قال دخينيسة إن البعض أراد استغلال الحراك لتطبيق أجندة تبحث عن توظيفه لتحقيق مآرب أيديولوجية ضيّقة، لكن التيار الشعبي الغالب الذي استثمره الوطنيون الذين ساندوا الجيش وساندهم الجيش، في وقفة تاريخية جديدة لإعادة لملمة كل الشظايا الوطنية بكل تياراتها المختلفة، الجديدة بوجوهها ودمها، وعنفوانها، خاصة الوعي بمخاطر المرحلة والتربصات، لذلك تم إنقاذ الدولة بالحفاظ على نظامها الدستوري وليس بالانقلاب عليه. وبالرغم من أن البعض صوّر ما حدث عكس ذلك تماما، لكن الحقيقة -بحسبه - «أن الانقلاب هو ما يتم خارج إطار الدستور، أما الذي أفرزه الحراك الشعبي هو الحفاظ على الدستور، لذلك الحراك كديناميكية تاريخية أدّت وظيفة تاريخية وكأننا نقرأ في القانون الدستوري، كيف نعيد السيادة إلى الشعب، وكيف أن الحماية الأساسية للدولة تتم بشعبها وبالعودة إليه في إطار منظم وليس في إطار منفلت». «صفعة الشعب» لذلك استطرد ذهبنا فيما بعد إلى انتخابات رسخّت أهم مؤسسة دولة الجزائرية، وهي رئيس الجمهورية الذي أعطى ضمانات لتثبيت الدولة والقضاء على أي فراغ سلطوي، ما يعني تمرير هذا الدفع والحيوية التي انطلقت من الحراك بتوظيفها للاستحقاقات والتحدّيات التي تنتظر الجزائر دولة ومجتمع وشعب. ويرى الدكتور أن الحراك كان فرصة تاريخية للشعب عبّر فيها تعبيرا بسيطا سلميا واضحا صادقا على ما يريد من سيادة، عدالة، دولة القانون، والدستور أكبر انتصار لها، وحقق أهدافا هامة بجعل الدستور في قلب الأحداث، وكيف أن المجتمع أعاد الوعي بأن الدستور وعاء يؤطر ديناميكية الشعوب بمزاوجة شرعية بين السلطة والشعب في إطار مؤسسات منتخبة بعيدا عن أي مغامرة أو اجتهادات خارج الإطار الوطني الدستوري الذي يحمي الدولة بعدم تركها في أيد مشبوهة. وأضاف «سيطرت الأيدي الوطنية الصادقة على الوضع، بالرغم مما أحيك للالتفاف على الحراك، وكأننا شعب قاصر، لكنه أثبت انه ناضج ويستطيع إعادة الدولة إلى السكة وليس منهم من يعملون بالمقاولة من الخارج، علما ان الجزائريين لا يعملون بالتعاقد من الباطن) sous traitance) للقوى الأجنبية، لأن الشعب الجزائري سيد في أفكاره، وأعطى الأيديولوجية الوطنية نفسا جديدا، فكانت صفعة قوّية لمن أراد استصغار الشعب الجزائري ومحاولة فرض أجندة فقد قالها الحراك بصوت واحد، إنه من أبناء نوفمبر بالوعي وليس بالصفة البيولوجية، و بالإيديولوجية الوطنية والنوفمبرية التي أنقذت الجزائر من الاستعمار واليوم أعادتها مرة أخرى الى سكة التاريخ.