لم يعُد ممكناً الاكتفاء بعرض الإحصائيات وتعداد قتلى وجرحى حوادث المرور في بلادنا، لأن الظاهرة أخذت منحى مقلقا، فلا يكاد يمر يوم واحد دون تسجيل حوادث مميتة تخلّف عشرات القتلى الجرحى. كثير من حوادث المرور تقف رواءها عربات الوزن الثقيل التي تسير في طرقنا بعيدا عن أعين الرقابة، لكونها غير مجهّزة بأنظمة تسمح بذلك. وكذلك الشأن بالنسبة لوسائل النقل العام، فالحافلات هي الأخرى غير مجهّزة بأنظمة تمكّن من معرفة سكناتها وحركاتها، لهذا الكثير من الحوادث التي وقعت كان السبب في الغالب نوم السائق أثناء القيادة، لأنه بقي خلف المقود لساعات طويلة دون أن يخلد إلى النوم أو الراحة. إنّ المجازر المرورية التي لم يُجدِ معها نفع لا الردع ولا الوعظ، تحتاج إلى فتح تحقيقات معمّقة، أمنية، اجتماعية ونفسية لكشف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ظاهرة تقتل الجزائريين أكثر من كوفيد-19، لأنّ بعض الحوادث سببها تصرّفات أقّل ما توصف به أنها إجرامية قد تعكس اضطرابات نفسية أو اجتماعية. الحظيرة الجزائرية تضم سيارات أقّل مقارنة بحظائر دول أخرى تسير فيها ملايين السيارات يوميا ورغم ذلك عدد الحوادث فيها أقل مقارنة ببلادنا وهذا يدعونا إلى البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك، وليس تبنّي سياسة الهروب إلى الأمام أو الاكتفاء بإحصاء القتلى والجرحى في انتظار حوادث أخرى أو تبادل التهّم وتقاذف المسؤوليات بين مختلف القطاعات المعنية، لأنّ الغاية ليس تجريم أيّ طرف، بقدر ما هي التنسيق بين الجميع من أجل الحد من الظاهرة. الحديث عن الاعتبارات الشخصية، الاجتماعية والاقتصادية لا يعني أن البنى التحتية غير معنية بذلك، لأنّ نوعية الطريق واتساع مساحتها هو عامل مهّم هو الآخر في الحد من الحوادث وجميعنا أصبح لديه فكرة عن النقاط السوداء. فطريق سطيل بتقرت أصبح يسجّل حوادث مميتة بشكل متكرّر، إلى درجة أصبح يطلق عليه «طريق الموت» والسبّب، بحسب الملاحظين، أن هذا المسلك يعرف حركة مرور كثيفة يوميا ولكن رغم ذلك مازال طريقا باتجاهين ولم تتم ازدواجيته إلى غاية اليوم، وأمثال هذا الطريق موجودة في كل نواحي البلاد –للأسف-؟.