يرى الباحث الأكاديمي جمال بن سالم، أن القانون العضوي 21-01 المتضمن قانون الانتخابات، جاء ضمن الإصلاحات القانونية التي بدأت بتعديل الدستور في أول نوفمبر 2020، فهذا الأخير أشار إلى ضرورة إعادة تعديله حتى يصير يتماشى معه روحا ونصا. صدر القانون في شكل أمر ببعد حل المجلس الشعبي الوطني بموجب مرسوم رئاسي في 23 فيفري الماضي، الذي تبع باستدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات التشريعية المقررة في 2 جوان القادم. وفي قراءة تحليلية لقانون الانتخابات المعدل، تطرق الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق لجامعة البليدة 2، إلى نقاط مهمة، إذ اعتبر التعديلات التي قام بها المشرع ترمي إلى تعميق الممارسة القانونية، وتبقى الممارسة كفيلة بالحكم عليه إذا ما كان يحقق انتخابات نزيهة من عدمه على حد قوله، في الوقت الذي سحب المئات من الجزائريين ملفات ترشحهم تحسبا لعضوية بالغرفة السفلى من البرلمان سواء أكانوا منتمين إلى أحزاب أو قوائم سياسية حرة. تزكيتان .. القوائم ثم الأشخاص أول نقطة أثارها الأستاذ بن سالم في تصريح ل»الشعب»، أن الجزائر لم تقم بتغيير النظام الانتخابي في القانون الجديد، بل غيرت نمط الاقتراع، أي الإبقاء على خيار الانتخاب على القائمة عن طريق التمثيل النسبي، وتأخذ كل قائمة يقدمها حزب سياسي أو مجموعة حرة عدد المقاعد التي يتناسب مع عدد الأصوات المعبر عنها في الدائرة الانتخابية. وفي هذا الصدد يقول بن سالم :» إن نمط الاقتراع السابق كان المواطن يختار من خلاله القائمة دون أن يتدخل في ترتيب المترشحين، أي يأخذ القائمة ثم يقبلها أو يرفضها كما هي، وكان الحزب هو الذي يتكفل بترتيب المترشحين، وكان من يٌوضع على رأس القائمة هو من يفوز بالمقعد بغض النظر عن الشخص». وأبرز بالقول :» الشيء الذي تغير وهو مهم جدا من وجهة نظري هو أن المواطن صار يقوم بتزكيتين، في المرحلة الأولى يزكي الحزب أو القائمة، وفي المرحلة الثانية يُزكي المترشح الذي يراه مناسبا ، فلو افترضنا لدينا أربعة قوائم « أ،ب، ج، د « فإن الخطوة الأولى التي يقوم بها هي اختيار قائمة «أ « مثلا، ثم داخل قائمة «أ» يقوم بتزكية الأشخاص بطريقة تراتبية» وتابع : « من نتائج هذا التغيير تعميق الممارسة الديمقراطية، لأن المواطن يحس بأن صوته صار له قيمة كبيرة، وهو فعلا اختار الشخص الذي يمثله في البرلمان، كما أن هذا التعديل يقضي على المال الفاسد وشراء المقاعد الأولى ، ولهذا فإن المترشح الذي يعتمد على المال لشراء المقعد يصير لا ينفعه سواء الذي يدفع المال أو الذي يتلقى المال، لأنه لا يستطيع التحكم في النتيجة، ويصبح الصندوق من يتحكم فيها والمواطن». وأقر بن سالم بأن تطبيق نمط الاقتراع الجديد صعب من الناحية التقنية، مفيدا» عمليا سيكون تطبيق النمط الجديد صعبا في الفرز، لكن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تستطيع بما تملكه من إمكانيات بشرية وهيكلية وتكنولوجية أن تتجاوز هذا الأمر وتأخذ التجربة خاصة عن طريق التكوين...إلخ». تجسيد روح الدستور وثمّن بن سالم وضع شروط قبلية تحت طائلة البطلان في القائمة، ضمن التعديلات التي تضمنها النظام الانتخابي فبعدما كان يحدد الشروط العامة التي تمنح المترشحين قابلية الترشح فقط، صار يعتمد معيار المناصفة بين الرجال والنساء، وبين الكبار والصغار، وبين الجامعيين وغير الجامعيين . وقال بن سالم إن تحديد نسبة 50 بالمائة للشباب في القائمة يوسع نشاطهم السياسي، ويكرس السياسة الجديدة للدولة التي تراهن على هذه الفئة ، لكنه بدا متحفظا بالخصوص تحديد سن الشاب السياسي تحت 40 سنة، حيث أوعز بالقول :» يجب التفريق بين الشباب لما نتحدث عن الرياضة فنقصد من سنه تحت 30 سنة، أما سياسيا فغالبا ما نجد أن بداية اهتمام الشباب بالسياسة تبدأ بعد سن الأربعين، وقبل هذا السن تكون لديه اهتمامات أخرى». وفيما يخص شرط امتلاك الشهادة الجامعية للترشح، أوضح بن سالم :» هذا الشرط مهم لأن المجلس الشعبي الوطني فيه لجان خارجية تشارك في مؤتمرات دولية وتمارس الرقابة على الحكومة، والذي لا يمتلك مستوى جامعي لا يستطيع أن يحيط بآليات الرقابة لأنها تتطلب مجموعة من المعارف القاعدية، والأمر كذلك لما تُشارك اللجان في الملتقيات الدولية، فينبغي التحكم جيدا في اللغة وفي وسائل التكنولوجية الحديثة، وكل هذا يسمح له بان يمثل برلمان بلده تمثيلا حقيقيا» وبالمقابل يرى بن سالم، أن هناك فئة من المواطنين من يقدرون على تمثيل الشعب من الذين لا يملكون شهادات جامعية، وصرح في هذا الصدد:» هناك فرصة للمناضلين الذين يملكون انتشارا شعبيا وقبولا شعبيا، ولهم قدرة على حل مشاكل الناس وتحسس مشاكل الناس لكنهم لا يملكون مستوى جامعي» وخلص بالقول :» أُلاحظ أن القانون يقضي بأن تكون القوائم متوازنة، أي تجمع بين النساء مع الرجال والصغار مع الكبار وبين الجامعي وغير الجامعي، وهذا يعكس روح الدستور الذي يقول إن الانتخاب والترشح شعبي وليس نخبوي وليس فئوي، فالمواطن لما يذهب للانتخاب يجد هناك تنوع وهو من سيفرق بين الجامعي وغيره، وهو الذي يزكي المرأة على الرجل، ويزكي الشاب على الكهل أو الكهل على الشاب، وهذه ترجع إلى السيادة الشخصية للمواطن». وضع المترشحين في نفس الخط وثمن بن سالم إلغاء اشتراط نسبة 4 بالمائة من المقاعد في الانتخابات السابقة لإيداع القوائم بدون الحصول على التوقيعات، وتعويض هذا البند بحكم انتقالي، لأن هذا التعديل يضع جميع المترشحين في نفس الخط عند بداية المعترك الانتخابي على حد تعبيره. ويقول الأستاذ المحاضر في مقياس دولة الحق والقانون :» هذه الانتخابات الأولى التي تنظم بعد الحراك الشعبي( 22 فيفري 2019) بعد الانتقال السياسي العميق، فحتى نعطي كل الأطراف لتبدأ من نفس الخط وتكون لها نفس الفرص، كان من الضروري إلغاء العرقلة القانونية بخصوص نسبة 4 بالمائة أمام الأحزاب الفتية». وتابع بالقول: «الدستور الجزائري في دبياجته يُشجع الشباب على اقتحام المجال السياسي والمجال الانتخابي.. فكيف من جهة الدستور يشجع الشباب وخاصة الجامعي على الدخول في معركة بناء الوطن وعلى المشاركة في المؤسسات المنتخبة، ومن جهة نضع أمامه عرقلة قانونية؟... حسن ما فعل المشرع الجزائري عندما جعل هذا البند الذي لم يلغيه بل استبدله بحكم انتقالي، وهو جمع عدد معين لكل دائرة انتخابية، وهذا اعتقد بأنه سهل على الأحزاب السياسية وعلى القوائم الحرة، وهو سيجعل عدد المشاركين بالوجوه الجديدة وبالبرامج الجديدة تكثر، وهذا يجلب المشاركة الانتخابية الكبيرة وكذلك يجعل فسحة للناخب أنه يجد برامج متنوعة ويجد أشخاص متنوعين وتسهل عليه عملية الاختيار». الرقابة البعدية ضمانة لمحاربة المال الفاسد وعرج بن سالم على النقطة الرابعة بخصوص قراءته لقانون الانتخاب الجديد، وهي الرقابة البعدية التي تفرضها لجنة مراقبة تمويل الحملة الانتخابية على المترشحين، ويمكنها إسقاط عضوية الفائز في الانتخابات إذا ما تبين بعد التحقيق بأنه استعمل المال الفاسد في حملته الانتخابية. ويقول بن سالم بخصوص هذه الضمانة القانونية :» من النقاط الأساسية التي أشار إليها القانون الجديد للانتخاب، إنه أنشأ لجنة لمراقبة تمويل الحملة الانتخابية، وهذه اللجنة تنشأ لدى السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات ومشكلة من هيئات من الدولة من قضاة ومن هيئات مكافحة الفساد.. مهمتها التحقيق في استعمال الأموال في الحملة الانتخابية ومصدرها وكيف استعملت وكيف تبرر عن طريق الوثائق التبريرية وتستمر في عملها لمدة 6 أشهر، وحتى النائب إذا حصل على المقعد، لها الحق في إسقاط عضويته فيما بعد لمدة سنتين، وهذه ضمانة، لأنه حتى إذا استطاع أن يقوم بشراء الذمم ويراوغ الواقع ويستعمل المال الفاسد، فهناك رقابة بعدية من طرف خبراء على مستوى قد تسقط عضويته فيما بعد « .
دمج السلطة الوطنية المستقلة في قانون الانتخاب ومن بين أبرز التعديلات التي جاء بها قانون الانتخاب، إدماجه للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي ارتقى بها الدستور في أول نوفمبر الماضي من هيئة استشارية إلى دستورية، وهذا بعدما كانت تستقل بقانون 19-07 الذي نُظم على أساسه الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 ثم الاستفتاء على تعديل الدستور في الفاتح نوفمبر من سنة 2020 الموالية. وتم تخصيص الباب الأول من القانون العضوي للانتخابات لهذه السلطة، بذكر تشكيلتها وامتداداتها داخل الوطن وخارجه وكذلك اختصاصاتها وتشكيلاتها عن طريق المندوبيات وأعطاها المشرع كل الصلاحيات التي كانت لدى الإدارة، ومهمتها تحقيق الانتقال الديمقراطي إذا استطاعت ووظفت كل ما تمتلكه من قدرات وأدوات.