استقبلت العائلات الأوراسية شهر رمضان المعظم لهذه السنة وكلها أمل في أن تصومه بصحة وعافية وخير، وان يكون آخر شهر لاختفاء فيروس كورونا الذي أجبرها بسبب خطورته على تكييف كل برامجها ومشاريعها للشهر الكريم، لكنه فشل في تثبيط عزيمتها في إحياء هذه الشّعيرة الدينية وفقا لعادات وتقاليد دأبت عليها منذ قرون خلت. تحرص عائلات ولايات الأوراس بباتنة، خنشلة، أم البواقي، قالمة وغيرها على التمسك بقوة بعادات وتقاليد تميزها عن باقي ولايات الوطن خلال شهر الصيام، بالرغم من كل التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه العادات بفعل التطور المتلاحق في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، خاصة بالنسبة للأجيال الحالية التي تكاد التقنية أن تعصف بها وتنسيها عراقة عاداتها وتقاليدها الرمضانية. العودة إلى الأصل تنفرد العديد من العائلات بباتنة بتحضيرها لأطباق «حصرية» في هذا الشهر وعلى مدار 30 يوما، حيث يتصدر طبق الشربة بالفريك المائدة الأوراسية بلا منازع، رفقة «الكسرة بالخميرة» أو «خبز الدار»، كما هو معروف محليا وهما طبقان تشترك فيهما كل عائلات الاوراس حتى تلك التي تزيد عنها في تزيين المائدة بمختلف الأطباق التي تختار منها أشهاها وألذها، غير أن الشربة بالفريك وكسرة لخميرة يحتفظان بمكانتهما المميزة فوق المائدة. وقبل تناول هذا الطبق المميز لا بد من اتباع سيرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، بكسر الصوم أولا بقطع فردية من التمر مع كوب حليب أو لبن طبيعي يحضَّر بمختلف مناطق الولاية، خاصة الريفية منها حسب الحاج «ع-م» ب «الشكوة» والذي تنبعث منه رائحة العرعار الزكية، ليكون بداية لوجبة شهية تنسي الصائم جوع يوم كامل. ومن العادات الصامدة أيضا حرص النساء على اقتناء أطقم أواني جديدة يكون لتلك التي تميز تراث المنطقة نصيبا منها خاصة الأواني الفخارية منها، إضافة إلى القيام بعملية تنظيف شامل للمنزل وغسل كل الأواني التي سيتم استخدامها طيلة شهر رمضان، وهناك من العائلات ميسورة الحال من تفضل إعادة طلاء المنزل بكامله خاصة المطبخ وغرفة الضيوف. أما المميز في رمضان باتنة، هو احتلال أعرق أسواقها «الرحبة» لمكانة مميزة لدى كل سكان الولاية بدوائرها ال 21 وحتى قاطني الولايات المجاورة، الذين يقبلون على هذا السوق لاقتناء مختلف أنواع التوابل والمكسرات ومستلزمات مطبخ رمضان، حيث يكتسي السوق شهرة وطنية جعلت محجا للعائلات من مختلف ولايات الوطن. ويتواجد السوق العريق بقلب باتنة النابض يتوسط المدينة، بجانبه تجار مختلف المواد الغذائية التقليدية، وهو يعرف رواجا كبيرا قبل دخول الشهر الفضيل وخلاله خاصة قبل ساعات الإفطار، غير أن اللافت في أول أيام رمضان لهذا العام هو التراجع الكبير في تطبيق الإجراءات الاحترازية الخاصة بفيروس كورونا، رغم محاولات بعض تجار السوق الالتزام بها، غير أن الإقبال الكبير للنسوة حال دون ذلك. بعد الإفطار..المسجد الوجهة الأولى بعد الإفطار مباشرة يتوافد المصلون على مسجد أول نوفمبر، الذي يعتبر قلعة الإسلام الحصينة بالأوراس يتسع ل 10 آلاف مصلّ، بعد السماح هذه السنة للمصلين بأداء صلاة التراويح فيها مع إتباع إجراءات التباعد والوقاية من «كوفيد-19»، يعرف كثافة كبيرة للمصلين الذين اعتادوا أداء التراويح به. ولعل ما يميز رمضان الأوراس، تمسك المواطنين بقيم التكافل الاجتماعي والتآزر والرحمة، من خلال فتح مطاعم الرحمة لعابري السبيل والمعوزين، وكذا تنظيم مبادرات توزيع قفة رمضان والحرص على زيارات الأقارب وتعزيز صلة الرحم، وغيرها من القيم التي تجعل من رمضان فرصة للتقرب من الله عز وجل بالعبادات والطاعات المختلفة.