قدم المخرج السينمائي عمار العسكري نظرة نقدية لواقع الفن والصناعة السينمائية في الجزائر، مشددا على ضرورة التحرر الفكري وانتهاج الإبداع والتجديد من خلال ترك المجال للأفكار والترفع عن تقديس الأشخاص والبهجة التي تزيد من التخلف والتراجع الفكري. وقال المتحدث، أمس، في ركن ''ضيف الشعب'' أن توجيه انتقاد لقانون السينما أو تنظيم المهرجانات الغنائية أو إبداء وجهة نظر حول فيلم أو إنتاج تلفزيوني أو حتى سياسة تسيير قطاع الثقافة ليس معناه أننا نكره الجزائر أو لنا حسابات نصفيها بقدر ما هي آراء نابعة من أشخاص مثقفين وأصحاب مهنة يريدون الأفضل للجزائر خاصة في ظل التحولات والحروب الثقافية التي لا مجال فيها للمجاملات والعواطف الزائفة. ودعا مخرج فيلم ''دورية نحو الشرق'' المجتمع للعودة إلى المطالعة وقراءة الكتب ونسيان الحديث عن الأكل والشرب واللباس التي تعتبر مشاكل لا تنتهي وليعلم المجتمع بأنه بقدر ما يلبس ويأكل فإن التقدم يكون بالعقل والضمير ضاربا المثل بالرسول (ص) الذي يعتبر أعظم رجل في التاريخ بحكم ما قام به والآثار التي تركها للبشرية والتي لازالت قدوة إلى يومنا هذا بالرغم من أنه لم يكن يلبس ولا يأكل جيدا. وبرّر في سياق متصل الوضع الثقافي الراكد في بلادنا بانتشار الثقافة الشفاهية وعدم تعود المثقفين على المطالعة ''فاليوم نلاحظ جامعيين ودكاترة، لا يقرؤون وحتى في عائلتي ألاحظ ذلك ولهذا، فالوضع يدب أن يعالج''. وأشار بالمقابل أن كثرة ترحاله في دول ككوبا وأمريكا الجنوبية ودول أوروبا الشرقية والهند كان يلاحظ الفقر وبساطة الحياة ولكن كل حي يتوفر على قاعة سينما ومسرح وقاعة للفنون التشكيلية وهو ما ساهم في توعية وتنشئة الشعوب وصمودها في وجه الأمبريالية. كما أن استهداف يوغسلافيا وكوبا ومصر والفيتنام والجزائر كان نابعا من تقسيم البنية المجتمعية الصلبة لهذا المحور الذي تمكن من قلب موازين الحرب الباردة من خلال إرساء برامج واستراتيجيات تشمل السياسة والاقتصاد والثقافة خاصة وهو ما يجعلنا نؤكد أهمية عودة المجتمع للثقافة الأصلية. الجزائريون استهدفوا في ثقافتهم تساءل صاحب فيلم «زهرة اللوتس» عن استهداف المؤسسات السينمائية والخاصة بالإنتاج السينمائي والثقافي على غرار المركز الجزائري للفن والصناعة السينمائية والمركز العالي للسينما وإهمال جانب التكوين. وأوضح العسكري أنه حذر السلطات في السبعينيات من الغزو الثقافي واستهداف الثقافات المحلية متسائلا عن سر استيراد الكثير من المسلسلات والأفلام دون أن يشرك أصحاب المهنة في اختيارها. وتعجب بالمقابل عن عدم التوجه للشباب من الجيل الحالي بأفلام وصناعة ثقافية وشرائط وثائقية في المستوى، لأن تحييدهم عن التطورات التكنولوجية وما تنشره مختلف وسائل الإعلام العالمية أمر مستحيل في ظل الإنتاج الغزير والمتنوع والذي لا يمكن مقاومته إلا بإنتاج وطني عصري يراعي التطور والتقاليد وبتظافر جهود الجميع دون إقصاء. وعاد المخرج الكبير عمار العسكري إلى نصائح الجنرال الفيتنامي ''جياب'' قائد ملحمة معركة ديان بيان فو ضد القوات الفرنسية في مايو 1954 الذي أكد على ضرورة أن يستغل الجزائريون إمكانياتهم وقدراتهم الإبداعية والعقلية للحفاظ على الاستقلال وتسطير مستقبل يجعل الجزائر في مصاف الدول المتقدمة.