إن الحديث عن سوق السمك بولاية مستغانم هو حديث ذو شجون بالنظر إلى الوضعية التي تسود هذا القطاع الذي صار يجلب المستثمرين الذين صاروا يتنافسون على البحر في منطقة مستغانم، حيث توجد ثروة سمكية هائلة على طول 120 كلم من منطقة المقطع غربا إلى أولاد بوغالم شرقا. ومنطقة الصيد بمستغانم تتوفر على حسب ما إستقيناه من معلومات من مصالح الصيد البحري بولاية مستغانم التي أرجعت أسباب غلاء السمك إلى سوء تنظيم السوق ببلادنا وكذا الطلب الذي يفوق العرض بإستمرار. حتى السردين الذي كان في السنوات الماضية في متناول الفقراء وذوي الدخل المحدود، حيث كان سعره لا يتجاوز في معظم الأحيان ال 90 دج، أصبح اليوم يصل إلى سقف 200 دج ولاينزل إلا بقليل على مدار السنة. هذا واقع السوق بمدينة مستغانم وكل أسواق البلديات وحتى الساحلية منها، أين يمكن صيد سمك السردين بسهولة وبكثرة من طرف أصحاب الزوارق الصغيرة، أما أنواع السمك الأخرى، فحدث ولا حرج وذلك ما وقفنا عليه من خلال تجوالنا بالسوق ونحن بصدد هذا التحقيق، فالمرلان لا يقل سعره عن 500 دج والجمبري يتجاوز ال 1000 دج والروجي ما بين 900 دج و1000 دج، والراية ما بين 450 دج و600 دج وباقي الأنواع الأخرى تتراوح مابين 200 دج و300 دج، هذه الأسعار المرتفعة قد تتضاعف أكثر في فصل الشتاء الذي تكون فيه ظروف الصيد صعبة كثيرا، عندما إستفسرنا في السوق المركزي لدى البائعين عن إستقرار الأسعار المرتفعة كانت إجابتهم متقاربة، فمنهم من برّر الغلاء بكثرة الطلب ومنهم من قال بأن إرتفاع الأسعار يبدأ من سوق الجملة بالميناء وآخرون قالوا بأن لا يبقى منه إلا القليل الموجه لأسواق مستغانم وهذا هو سبب الإرتفاع المتزايد للأسعار ونفس الأراء أكدها لنا مدير الصيد البحري. بعدها تركنا أجواء السوق، وتوجهنا إلى ميناء الصيد البحري المزدوج بالميناء التجاري بمستغانم وفيه وجدنا الحركة تدب في الوقت الذي كانت فيه أغلب السفن تتزود بالوقود وتتأهب للإبحار نحو مواقع الصيد لتعود في الصباح الباكر محملة بالصناديق المملوءة بالأنواع المختلفة من السمك وقد إنتهزنا فرصة وجودنا لنتحدث مع مالكي السفن وما إستخلصناه من تصريحاتهم أن قطع الغيار وغلاءها وقلة اليد العاملة في البحر وكذا إرتفاع الضرائب هي ما دفع عدة صيادين للعزوف عن هذه الحرفة وامتهان حرفة أخرى وكل هذه المشاكل التي ذكرها مالكو السفن والصيادون تسببت في إختلال الموازين واتجاه الأسعار نحو الإرتفاع وبالتالي تتأثر القدرة الشرائية للمواطن الذي قد لايستطيع شراء كلغ سردين ب 200 دج. عندما نلقي نظرة على التحولات التي عرفها القطاع لم نكن مخطئين عندما نقول بأن مخطط الإنعاش الإقتصادي قد عاد بالفائدة بفضل المشاريع والدعم الذي أدى إلى تحسين وضعية المنشآت ومنها مشروع الميناء الجهوي الذي تقدر تكاليف إنجازه ب 40 مليون دج، هذا المشروع الذي تمت برمجته قصد تخفيف الضغط الحالي على الميناء الرئيسي بمستغانم وعلى ميناء سيدي لخضر في إنتظار التدشين المرتقب لميناء صالامندر الذي توشك به الأشغال على نهايتها، ومن المقرر أن تنطلق الأشغال لإنجاز ميناء ستيديا في باقي الأشهر المقبلة بعد إتمام الدراسة التقنية التي أوكلت لمكتب الدراسات المختص بذلك وحسب مديرية الأشغال العمومية، فإن مدة الإنجاز تستغرق أربعة عشر شهرا وكذا تشغيله يصبح جاهزا لاستقبال وإرساء سفن صيد السمك من مختلف الأحجام، وللعلم أن ساحل منطقة ستيديا باتت تتوفر على إمكانيات طبيعية وبحرية تساعد على ترقية الميناء المرتقبة لإنجاز مرفق ومرفأ للقوارب المخصصة للنزهة والسياحة، فضلا عن نشاط في الصيد البحري. وكان مدير الصيد البحري قد صرح أن منطقة ساحل أستيديا تتوفر على ثروة سمكية معتبرة تتطلب إنشاء ميناء صغير للصيد قصد الإستغلال الكامل للثروة السمكية في مختلف مناطق ولاية مستغانم والتي تقدر ب 75 ألف طن وتشير التوقعات أن قدرة موانئ مستغانم وسيدي لخضر وميناء صالاماندر ستتمكن مسقبلا من رفع كمية الإنتاج إلى 35 ألف طن سنويا بعد ما كانت في سنة 2006 لا تزيد عن 21234 طن ولم تصل إلى 25 ألف طن في سنة 2007 وكذالك في سنة .2008 وتبقى منطقة مستغانم هي أكثر المناطق الغنية بمختلف أنواع الأسماك حيث أثبتت الدراسات التي قام بها المختصون أن الثروة السمكية في ماي وجوان تصل إلى 75 ألف طن وذلك ما يطلق عليه ب''الثروة الحية''، منها الثروة القابلة للصيد وهي 25 ألف طن ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال إصطياد الكمية المذكورة القابلة للصيد مادامت الإمكانيات والوسائل والمنشآت القاعدية غير كافية، غير أنه وإنطلاقا من برنامج الإنعاش الإقتصادي الذي استفاد منه القطاع قد تم منذ مطلع السنة الجارية 2008 تجديد أسطول الصيد البحري بنسبة 25 ٪ ، مما سمح بتطوير الأسطول ورفع نسبة الإنتاج ب 15 ٪ إلى 20 أي بما يقدر ب 3500 طن من مختلف الأسماك في الثلاثي الأول من السنة الحالية وكانت ولاية مستغانم في إطار نفس البرنامج قد تحصلت على 42 مشروعا موجها للصيد البحري ومن خلال تفصيل حركية القطاع وإنجاز المشاريع المذكورة سجلت قفزة نوعية في إمتصاص البطالة بإستحداث 2000 منصب شغل جديد هذا ويساهم ميناء سيدي لخضر الذي تم إفتتاحه منذ عدة سنوات بمساهمة إيجابية في تحريك عجلة الإقتصاد بالمنطقة وهذا من خلال الإنتاج الذي ما افتك يحققه سنة بعد أخرى بعد تدعيمه بمرافق جديدة وقد بلغت النتائج التي حققها نسبة 50 ٪ وهي النتائج التي فاقت كل التوقعات خلال سنة ,2007 وكذا الثلاثيين الأول والثاني من السنة الحالية ,2008 إذ بلغ الإنتاج المحقق 80 طنا في الفترة المذكورة في حين كان لايتجاوز 7 طن سابقا في الوقت الذي كانت بعد تعزيز الميناء ب 80 سفينة، كما تدعم القطاع مع بداية سنة 2008 ب 36 سفينة جديدة، منها 18 سفينة من طرف لخواص والباقي في إطار برنامج الدعم . ولتحقيق الهدف المنشود أخذ المعنيون بالقطاع سياسة التكوين بعين الاعتبار، حيث تبرمج أيام تكوينية لكل من له علاقة بالصيد البحري من المديرية وغرفة الصيد البحري، وعلى صعيد آخر تم وضع تربية السمك ضمن انجاز ثلاث مشاريع متقدمة وهي: في مزرعة باستيديا بطاقة 300 طن بالنسبة للمشروع الأول وأما المشروع الثاني حدد موقعه ما بين وريعة وستيديا بطاقة 1000 طن والمشروع الثالث بمنطقة سداوة في عين ابراهيم بسيدي لخضر وبالاضافة الى ذلك اختير سد وادي الكراميس بعشعاشة لعملية وطنية كتجربة أولية في تربية السمك وقد انطلقت العملية في شهر جويلية ,2006 مع العلم أن السمك الخاص بتربيته يستورد من المجر، وقد بلغت الحصة المستوردة 140 ألف وحدة. ونحن نقوم بهذا التحقيق ارتأينا أن نستمع للصيادين وخاصة القدامى منهم الذين ومن كثرة الابحار نراهم يفضلون حياة البحر على حياة البر. فهذا عمروش عمره 55 سنة يقول »بدأت المل كصياد في الزوارق منذ 30 سنة ومازلت أحب هذه الحرفة ولن أتخلى عنها، خلال هذه المدة عشت ظروفا صعبة في البحر ولا أنسى ما حدث في سنة 1981 خلال عاصفة بحرية هوجاء، إذ كادت أن تغرق بنا السفينة ونحن في عرض البحر. أما الصياد محمد عمره 45 سنة يقول: »إن الخبزة ولا غير هي التي أجبرتني على دخول عالم الصيد وعمري كان لا يتجاوز 18 سنة واليوم وقد تمرنت على خبايا هذه الحرفة أصبحت أتحمس للابحار في أي وقت وفي أي اتجاه وأنا واثق من نفسي بأن عملي كصياد هو شرف لي ولزملائي وخاصة عندما نصطاد في خرجتنا كمية كبيرة ونكون قد ساهمنا في ارتفاع حصة العرض. وهذا جلال عمره الآن 50 سنة التقيت به وأنا في مهمة صحفية عام 1983 في خرجة بحرية وكنت آنذاك أقوم بروبورتاج صحفي حول الصيد البحري، الباخرة التي خرجنا فيها تحمل اسم المرجان، الصياد جلال كان يبلغ من العمر 24 سنة، وقد ذكرني بالحادثة التي وقعت لنا منذ 27 سنة مرت، حيث وبعد مسافة 50 كلم عن ميناء مستغانم وعلى الساعة 2 صباحا في ظلمة حالكة وقع عطب في أضواء الباخرة وفقد قائد البخار الاتجاه ولكنه ظل يقود الباخرة وفي الوقت الذي تعاون الجميع على اصلاح الأضواء كان القائد يتمايل من شدة النعاس وأنا شخصيا لم أدر حتى مسكت مقود الباخرة التي فقدت محور سيرها فكم كانت الدهشة عندما تراءت لنا من بعيد أضواء إحدى المدن الاسبانية وما أن تم تصليح الأضواء واستفاق القائد حتى لاح الفجر وتأخرت عودة الباخرة بأكثر من يوم من سوء الحظ حتى راديو النجدة تعطل في تلك الحادثة. تطرقنا الى هذه الحادثة التي وقعت منذ 27 سنة على سبيل الذكرى عندما لم تكن الامكانيات متوفرة كما هي اليوم حيث كل شيء تطور حتى الاتصالات والحماية، والمراقبة والسباق بالسفن في عرض البحر للظفر بكميات أوفر من السمك. ------------------------------------------------------------------------