شكّلت الصحافة ابان الحقبة الاستعمارية اداة لتنوير المواطنين بشأن الدفاع عن حقوقهم، حيث كانت منابر للمقاومة الثقافية تصدّت للمشاريع التغريبية للاستعمار الفرنسي، ومن بين ما تصدّت له سياسة التجهيل والفرنسة فدعت إلى التربية والتعليم ونبذ الجهل والخرافة، وإلى النهوض بالمجتمع الجزائري في كل المجالات السياسية والثقافية والأدبية. كانت بمثابة مدارس متنقلة تنشر الأفكار النهضوية بين طبقات المجتمع الجزائري الذي حُرم طيلة الفترة الاستعمارية من أي تعليم، وخلال مرحلة الثورة كان للصحف دورا كبيرا في التصدي للدعاية الاستعمارية وفي نشر الأفكار التحرّرية للثورة، ويظهر ذلك بشكل جلي في جريدتي المجاهد والمقاومة. يقول أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المدية مولود قرين في تصريح ل»الشعب»، إن الجزائر لم تعرف صحافة إلا بعد الحملة الفرنسية، حيث صدرت أول صحيفة لقوات الاحتلال في الجزائر، جريدة «إستافيت دالجي» التي ظهر العدد الأول منها يوم 1جويلية 1830م، غير أن هذه الجريدة سرعان ما اختفت بعد صدور عددها الثاني، لتحل محلها جريدة (الممرن الجزائري) التي صدرت يوم 27 جانفي 1832م باللغة الفرنسية مع إلحاق بعض الصفحات العربية من حين لآخر. ويوضّح الأستاذ، أن أهم الجرائد الاستعمارية التي أنشئت بعد مرور أكثر من عشر سنوات من الاحتلال كانت جريدة «المبشر» سنة 1847، وهي ثاني جريدة عربية حسب ما ذكره «دي طرازي» في العالم العربي بعد «جريدة الوقائع المصرية»، حيث كانت المبشر تصدر باللغة الفرنسية واللغة العربية الدارجة الركيكة، وهدفها يتمثل أساسا في تحطيم المجتمع الجزائري معنويا. الصحافة النهضوية مطلع القرن العشرين ويضيف الباحث أنه بالرغم من صدور قانون حرية الصحافة والنشر الصادر بفرنسا سنة 1882م الذي نصّ صراحة على منح حرية النشر، إلا أن الصحافة الإسلامية العربية أو حتى فرنسية اللغة ظلت تعاني من تضييق الخناق والمراقبة الشديدة من طرف الإدارة الاستعمارية، فلم تعرف الجزائر صحافة ذات مشروع نهضوي هادف إلا في مطلع القرن العشرين، وذلك بالرغم من ظهور بعض المحاولات خلال أواخر القرن التاسع عشر مثل جريدة «المنتخب» 1882م، إلاّ أنّ أغلب جرائد هذه الفترة كانت مزدوجة اللغة، وكانت الصفحة العربية عبارة عن ترجمة حرفية للصفحات الفرنسية، وبلغة «دارجة» ركيكة ربما أضرت باللغة العربية أكثر مما نفتعها. ويبرز المتحدث الدور الذي لعبته هذه الصحف في تكوين نخبة من الأهالي الجزائريين في ميدان الصحافة، وطرح بعض القضايا التي كانت تهم الأهالي بصفة خاصة، مثل الضرائب والتمثيل النيابي وحقوق المواطنة وغيرها، حيث تنقسم اتجاهاتها حسب الاتجاهات الفكرية لأصحابها، فنجد: صحافة النخبة المفرنسة ومزدوجة اللغة جريدة الحق العنابي أسبوعية كانت تصدر كل يوم أحد، ظهر العدد الأول منها في 30 جويلية 1893م، وتعطلت بعد حوالي ثمانية أشهر بعد صدور العدد 15، لتظهر من جديد في العدد 16 مزدوجة اللغة تحت شعار: «جريدة فرانسوية، عربية، سياسية أدبية في شؤون العرب الجزائريين»، لتختفي بعد عددها السادس والعشرين. ومن بين الجرائد التي ظهرت في هذه الفترة جريدة المصباح (جوان 1904م)، صدر العدد الأول منها يوم 03 جوان 1904م بوهران، استمرت في الصدور سنة واحدة ، توقفت عام 1905م بعد أن صدر منها 34 عددا، وكذا جريدة الهلال (1906-1907م): صدرت بمدينة الجزائر في 15جوان 1906م بهدف الدفاع عن مصالح المسلمين والمطالبة بحقوقهم أمام السلطات العمومية، توقفت سنة 1907م لأسباب مجهولة. ظهرت جريدة الإسلام (1909-1912م) بمدينة عنابة سنة 1909م، لمؤسسها «عبد العزيز طبيبال»، بمساعدة «الصادق دندان»، وفي سنة 1912م بعد صدور عددها المائة انتقل مقرها إلى مدينة الجزائر تحت إدارة «دندان»و جريدة الحق الوهراني (1911-1912م): هي جريدة أسبوعية ظهرت في مدينة وهران حمل عددها الأول تاريخ 15 إلى 21 أكتوبر 1911م، وتحت العنوان العربي اللفظ الفرنسي الحرف وقد حرّرت في أول مرة باللغة الفرنسية وبداية من عددها الواحد والثلاثين في أفريل 1912م، أضافت صفحة ثم صفحتين باللغة العربية، مديرها كان فرنسياً يدعى «تابيي». وأما قسمها العربي فقد تولى تحريره «عمر راسم» الذي حاول من خلال مقالاته أن يبث الوعي الثقافي والإصلاح الديني. البيروقراطية والعجز المالي قال الأستاذ بخصوص الجرائد التي ظهرت قبل 1914م أنها لم تعمّر طويلاً بسبب البيروقراطية والعجز المالي، فالجريدة لا تمضي سوى بضعة أشهر أو سنة واحدة، كثيراً ما كان يصدر من الجريدة عدد أو عددين حتى تختفي، ماعدا الجرائد التي كانت أكثر تملقاً للإدارة الاستعمارية مثل جريدة «الإسلام»، أما بعد الحرب العالمية الأولى استغلت النخبة صدور قانون 4 فيفري 1919، الذي خوّل بعض الحرية للأهالي فأعادت تأسيس بعض الصحف نذكر أهمها جريدة الإقدام (1919-1923م): ويعتبر إنشاء جريدة الإقدام تتويجا لمحاولة توحيد الجهود بين بعض الوجوه اللامعة من النخبة الجزائرية، اجتمع كل من «الصادق دندان» مدير جريدة «الإسلام» سابقاً و»الحاج عمار» مدير «الراشدي» و»الأمير خالد» وأصدروا في 19 فيفري 1919م جريدة «الإقدام» باللغة الفرنسية بغية توحيد القوى الوطنية في سبيل الدفاع عن الحقوق السياسية والاقتصادية لمسلمي شمال إفريقيا. وفي سنة 1920م، ظهرت «الإقدام» محتوية على صفحتين باللغة العربية تحت إدارة «الحاج عمّار» و»قايد حمود»، بينما كان «الأمير خالد» مسؤولا عن الصفحات العربية للجريدة، وفي سنة 1921م أصبح مسؤولا عن الجريدة بأكملها، وكذا جريدة النصيح (1921- 1922): وهي جريدة أسبوعية مزدوجة اللغة ظهر عددها الأول يوم 08 جويلية 1921م تحت إدارة أحد أنصار «بلقاسم بن التهامي» وهو الأستاذ «صوالح». عرّفت نفسها بأنها «جريدة سياسية، أدبية، اقتصادية واشتراكية فرنسية – عربية من أجل الدفاع عن مصالح الأهالي». عبرت جريدة التقدم (1923م-1931م) عن اتجاهها الاندماجي، فوضّحت في عددها الأول أن السيادة الفرنسية في الجزائر قضية لا نقاش فيها، وأنّها ستسعى جاهدة لتدعيم ممثلي المسلمين لنيل الحقوق مما يزيد من الانسجام بين المسلمين والإدارة الفرنسية ويقربهم إليها فكانت بوضوح امتدادا للوجود الاستعماري. بالإضافة إلى مجلة صوت المستضعفين نصف شهرية فرنسية اللغة أسست في مدينة الجزائر في ماي 1922م، من طرف «جمعية المعلمين من أصول أهلية، كانت أعدادها تطبع في مدينة الجزائروقسنطينة. والظاهر أن خط الجريدة الاندماجي وخدمتها المتفانية للإدارة الفرنسية مكّنها من التعمير إلى غاية بداية الحرب العالمية الثانية 1939م. الصحافة العربية تأخرت إلى مطلع القرن العشرين مثلما اتخذت النخبة المفرنسة الصحافة كوسيلة للتعبير عن انشغالاتها، فإن النخبة المعرّبة بدورها لجأت إلى هذا السلاح بعدما أدركت أهميته من خلال ما كان يردها من جرائد من المشرق والمغرب العربيين، وإن كانت بداية الصحافة المفرنسة ومزدوجة اللغة ترجع إلى أواخر القرن 19م. إن الصحافة العربية تأخّر ظهورها إلى غاية مطلع القرن العشرين، ذلك أن التشريع المعمول به في مجال الصحافة قبل 1900م يمنع صدور أي صحيفة بغير اللغة الفرنسية، وإذا ما اقتضت الضرورة صفحة أو صفحتين باللغة العربية فيجب أن تكون ترجمة للنصوص الفرنسية المنشورة في نفس الصحيفة. ومن الصحف التي أنشأت باللغة العربية في وقت مبكر: - جريدة المغرب (1903 - 1904م) تعتبر جريدة المغرب أول جريدة عربية غير حكومية في الجزائر، أسست من طرف الفرنسي المستعرب «بيير فونتانا»، وهي «جريدة سياسية اقتصادية علمية أدبية تجارية تصدر يومي الثلاثاء والجمعة»، ظهر عددها الأول يوم 10 أفريل 1903م. وتكّون طاقمها من نخبة من العلماء والمصلحين أمثال: «عبد القادر المجاوي»، «علي بن حاج موسى» و»السعيد بن زكري»، و»عمر بن بريهمات» المدرس بمدرسة الجزائر، و»عبد الحليم بن سماية»، و»بن شنب»، «بن خوجة» المدرس بمسجد السفير، و»محمد ولد معمر صوالح»،و»محمد بن صيام» وغيرهم. - كوكب إفريقيا (1907-1914م) وتعد «الفاروق» أول جريدة وطنية «ارتقت إلى مصاف الجرائد العربية»، وهي جريدة أدبية إسلامية علمية «لأنها تهتم بالعلم والأدب بصورة فعلية، ومواضيعها الاجتماعية تهم الناس كثيرًا». وكان يتصدّر جبين الجريدة بيتًا شعريا ذا دلالة دينية ووطنية . وبعد أن صدرت من الفاروق ستة وتسعون (96) عددا، أي بعد مضي سنتين من الصدور، عطلت الجريدة ونفي صاحبها إلى «الأغواط». ولكن بعد عودته من المنفى أعاد الكرة، و أنشأ السلسلة الثانية من الفاروق، في شكل «مجلة أسبوعية»، واستمرت إلى غاية 1921م، توقفت نهائيا. تعتبر جريدة «ذو الفقار» ثالث محاولة «لعمر راسم» بعد فشل تجربة جريدة «الإصلاح» ومجلة «الجزائر» سنة 1908م، صدر عددها الأول يوم 5 أكتوبر 1913م بمدينة الجزائر، لم يصدر منها سوى أربعة أعداد حتى بادرت السلطات الفرنسية إلى كتم أنفاسها بحجة اندلاع الحرب العالمية الأولى، لتقدم بعدها على سجن «راسم» أين لاقى أشد أنواع الإرهاب النفسي. جريدة النجاح (1919-1956م) من أكثر الجرائد الجزائرية تعميرا، وهي أول جريدة عربية ظهرت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، تولى إدارتها «عبد الحفيظ بن الهاشمي» (1897-1973م) بمساعدة «مامي إسماعيل»(1899-1958م) الذي تولى بدوره رئاسة التحرير. حاولت من خلال مقالات كتابها النهوض بالمجتمع الجزائري، وكتب فيها الكثير من المصلحين البارزين مثل الشيخ «عبد الحميد بن باديس» الذي كتب الكثير عن مقومات النهضة الجزائرية، ولكنه سرعان ما تخلى عنها بعد أن تغير خطها، إلى جانب جريدة الصديق (1920-1921م) ظهر العدد الأول منها يوم الجمعة 12 أوت 1920م، وهي جريدة علمية أدبية سياسية اقتصادية، تصدر مرتين في الأسبوع. وتمحورت أهدافها - يضيف الأستاذ - حول الدعوة إلى التعارف، وإقامة النصوص الدينية، وتهذيب الأخلاق، ونشر المعارف والعلوم العربية، وتأسيس المشاريع العلمية، ولكن «بن قدور» لم يستمر طويلا في هذه الجريدة، فسرعان ما تركها وهي في عددها السابع مفضلا إعادة إصدار فاروقه مرة أخرى، ليتولى رئاسة تحريرها «المولود بن محمد الزريبي» الذي استمر فيها إلى غاية توقفها نهائيا عام 1922م بسبب مضايقات الإدارة الاستعمارية. وأقدم بن باديس على إصدار جريدة «المنتقد» التي يبدو أنها سميت بهذا الاسم للرد على شعار الطرقيين القائل «اعتقد ولا تنتقد»، وهي جريدة أسبوعية «سياسية تهذيبية انتقادية» صدرت في قسنطينة يوم 02 جويلية 1925م، وقد اسند «ابن باديس» إدارتها «لأحمد بوشمال»، حملت شعار «الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء»، غير أنه لم تتوان الإدارة الاستعمارية في كتم أنفاسها بعد صدور عددها الثامن عشر بموجب قرار أصدرته الحكومة الفرنسية بباريس يوم 3 أكتوبر 1925م. ومن بين الجرائد التي دافعت عن الحق جريدة الشهاب (1925-1927م) التي حافظت على مبادئ المنتقد وعلى شعارها «الحق فوق كل أحد والوطن فوق الجميع»، وقد كانت الشهاب مدرسة إلتف حولها العلماء والمصلحون من كل أنحاء القطر الجزائري، إذ ساهم هؤلاء من خلال كتاباتهم في «الشهاب» في بلورة ونشر الفكر الإصلاحي، والدفاع عن حقوق الشعب الجزائري المهضومة. وقد استمرت على نفس خطها الإصلاحي إلى غاية عشية الحرب العالمية الثانية 1939م فتوقفت بإرادتها حتى لا تضطر إلى نشر ما يكشف موقفها صراحة ضد المستعمر. ويضيف الأستاذ، أنه بقدر ما كانت الصحافة وسيلة من وسائل النضال لجأت إليها النخبة الجزائرية منذ مطلع القرن العشرين، فإنها كانت كذلك مدارس متنقلة ساهمت في الحفاظ على اللغة العربية وجعل الفصحى تتوغل في مختلف الأوساط العامة، و كونت حسب تعبير «عبد المالك مرتاض» «كتابا كالأعلام الشامخة والأطواد الثابتة، ظلوا يؤمنون أشد الإيمان بقداسة الكلمة، وفعالية القلم، ورسالة الأدب، فانبروا يواجهون الاستعمار وعذابه، والجهل وكلامه. وما يجب قوله، إن الصحافة جعلت من التكامل والتضامن مفاهيم لنجاح العمل الثوري وأعطتهما بعدا استراتيجيا بنيت عليه الثورة داخليا وخارجيا، زاد قوة وحماسة لجبهة التحرير الوطني في التوسّع والإيمان بإلزامية الكفاح والتحدي للمضي قدما نحو الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية وهو ما تحقّق بتضحيات جسام.