بعد تسع سنوات من وجودها العسكري في مالي، أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون وكندا، الخميس، انسحابهم العسكري من هذه الدولة الواقعة في الساحل الإفريقي وإنهاء العمليتين العسكريتين لمكافحة الإرهابيين «برخان» و»تاكوبا». وكانت العلاقات بين باريس وباماكو قد تدهورت منذ قرّر المجلس العسكري الحاكم في باماكو تنويع شركائه العسكريين. في ختام عشاء سياسي بقصر الإليزيه حضره ثلاثون رئيس دولة من إفريقيا وأوروبا الخميس، أعلنت فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون وكندا، عن انسحاب كامل للقوات الفرنسية من مالي بعد تسع سنوات من تدخل عسكري ضد المجموعات الدموية. فقد تمخّض تشاور جرى في قصر الإليزيه بين شركاء فرنسا الأفارقة والأوروبيين عن اتخاذ قرار انسحاب منسق لكتيبة «برخان» الفرنسية وكتيبة «تاكوبا» الأوروبية. وذكر بيان مشترك صدر عن التشاور «أنه نظراً للعراقيل التي وضعتها السلطات الانتقالية المالية أمام الوجود العسكري الفرنسي والأوروبي في مالي، فإن الدول المشاركة في التشاور ترى أن الظروف السياسية والعملياتية والقانونية الضرورية للتدخل العسكري الفرنسي والأوروبي لم تعد متوفرة لمواصلة الالتزامات العسكرية الراهنة». وأضاف البيان: «لكننا سنبقى مصممين على تقديم الدعم لمالي ولسكان مالي في جهودهم من أجل استعادة السلام والاستقرار». اكتمال الانسحاب خلال 6 أشهر أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «أن الانسحاب الذي تقرر سيشمل إغلاق معسكرات غوسي ومناكا وغاوو الواقعة شمال مالي، وسيجري بشكل منسق مع القوات العسكرية المالية وبعثة الأممالمتحدة في مالي»، مبرزاً «أن انسحاب القوات الفرنسية يتطلب فترة تتراوح بين أربعة وستة أشهر». وفي رد على سؤال للصحافيين حول ما إذا كان الوضع سيكون عليه لو لم تتدخل فرنسا في مالي سنة 2013، قال الرئيس ماكرون: «كانت دولة مالي ستنهار نهائياً». تركيز على الأمن في خليج غينيا كما أكّد «أن قادة الدول الموقعة على بيان الأربعاء اتفقوا على مواصلة نشاطهم المشترك المضاد للإرهاب في الساحل وبخاصة في النيجر وفي خليج غينيا، وهي المناطق التي أصبحت وجهة لتمدد إرهابيي تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية». وقال: «لقد تقررت مواصلة التشاور بين الدول الموقعة على الإعلان، للاتفاق من الآن وحتى جوان 2022، على ضوابط لعمل منسق ومشترك على المستوى الدولي يخرج فرنسا من موقع الواجهة، ذلك أن دور فرنسا ليس الحلول محل الدول»، حسب قوله. وأكد الشركاء الدوليون «أنهم اتفقوا على مواجهة التمدد الجغرافي للنشاط الإرهابي كي لا يتسع نحو جنوب وغرب المنطقة الساحلية، وذلك بتقديم الدعم للدول المطلة على خليج غينا حسب طلباتها». وأكد ماكرون «أن عناصر قوة «تاكوبا» الأوروبية سيعيدون انتشارهم إلى جانب القوات المسلحة النيجرية على طول الحدود بين النيجرومالي». وأكد الرئيس ماكرون، خلال مؤتمر صحافي، أن «فرنسا مصممة على وضع السكان المدنيين في صلب الاستراتيجية الجديدة لأنهم هم الواقعون ضحية العمليات الإرهابية في المقام الأول». إعادة انتشار وليس انسحابا أكّد الرئيس السنغالي، مكي صال، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي والذي كان حاضراً في اجتماع باريس «أننا نتفهم القرار الذي اتخذ بالانسحاب من مالي»، مضيفاً قوله: «إننا سعداء لتجديد الالتزام بمواجهة الإرهاب، فما تقرر ليس انسحاباً كلياً إنه مجرد إعادة انتشار للقوات الفرنسية والأوروبية داخل المنطقة الساحلية». واستغلت باريس انعقاد القمة الأوروبية الإفريقية في بروكسل، لتقدّم خارطة ومهام تدخلها العسكري المستقبلي في الساحل. وبعد قرابة تسع سنوات ستغادر «كتيبة برخان» الأراضي المالية، وستغلق قواعدها وبخاصة القاعدة الفرنسية الكبرى المتمركزة في «غاو». وأكد ناطق باسم الجيش الفرنسي «أن الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي سيجري عبر البر، حيث ستتجه السيارات المصفحة نحو خليج غينيا، بينما تقرر تنظيم جسر جوي بين القاعدة الجوية في غاو شمال مالي والمطارات النيجرية والفرنسية لنقل الجنود والآليات». وأوضحت القيادة العامة لأركان الجيوش الفرنسي «أنها ستقوم بانسحاب منسق ونظيف ومؤمن»، وهو ما يفهم منه عزمها على عدم ترك أية آلية أو قطعة سلاح للجيش المالي. وأكّدت «أن الانسحاب العسكري الفرنسي يتطلب جهداً لوجستياً كبيراً وتأميناً لعمليات الانسحاب، وعلى الماليين أن يفهموا أننا سنكون حذرين للغاية خلال سحبنا لوحداتنا». عدد القوّات التي ستبقى وقد تدخلت باريس لوقف تقدم الجماعات الإرهابية الذي هددت باماكو في 2013، ثم نظمت عملية واسعة في المنطقة لمكافحة الدمويين تحمل اسم «برخان» ونشرت آلاف العسكريين لمحاربة فرعي تنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» الإرهابيين. وينتشر نحو 25 ألف عسكري في منطقة الساحل حاليا بينهم نحو 4300 فرنسي (2400 في مالي في إطار عملية برخان)، حسب الإليزيه. كما ينتشر في مالي 15 ألف عسكري تابعين لبعثة الأممالمتحدة (مينوسما) وبات مستقبلهم مجهولا حاليا لاعتمادهم على دعم كبير من قوة برخان. ومن المقرر أن يبقى ما بين 2500 وثلاثة آلاف عسكري فرنسي في منطقة الساحل بعد الانسحاب من مالي خلال ستة أشهر.