يستقبل اليمنيّون شهر رمضان بأجواء احتفائية متنوّعة تتوزّع بين الأهازيج الترحيبية وتزيين المنازل والأحياء وتنظيفها رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وويلات الحرب، وتعد هذه العادة تكريما لشهر رمضان، الذي يضفي على أرواح الناس أجواء إيمانية فينقي النفس ويهذب السلوكيات، فهو الأحق بأن يستقبل بروح نقية وأحياء نظيفة وسلوكيات متعبدة. وتعتبر عادة تنظيف الأحياء والمنازل وتزيينها قديمة يمارسها سكان صنعاء وبقية المدن، تكريما للشهر الكريم الذي تجسّدت فيه كل العبادات من ضمنها ترجمة تعاليم الدين الإسلامي التي تحث على ربط النظافة بالإيمان، لم تقتصر مظاهر الترحيب والابتهاج بقدوم شهر رمضان عند تنظيف الشوارع والأحياء، بل تتّسع لتشمل تزيين المنازل بالأهلة والمصابيح الورقية والكهربائية، كما يحرص الأطفال والنساء على تجهيز وصناعة متطلبات التزيين وكتابة العبارات الترحيبية والمعبرة عن معاني الشهر الفضيل. في المقابل يحرص أصحاب المحال التجارية على تزيين واجهات محالهم والشوارع بالإضاءات والزينة المختلفة، فرمضان ليس فقط موسم عبادات فقط فهو موسم تسوّق بالنسبة للتجار، لا يقتصر على احتياجات الشهر الكريم والمائدة الرمضانية المتنوعة في اليمن وأدوات الزينة، بل يضاف إلى ذلك أنه موسم تسوّق لاحتياجات عيد الفطر المبارك من ملابس ومكسرات وغيرها. تدارس للقرآن مع بداية الشهر الفضيل تبدأ حلقات تحفيظ القرآن في المساجد بشكل يومي على فترتين الأولى من بعد صلاة العصر والثانية في المساء، حيث تزدهر حلقات العلم في شهر رمضان لحفظ كتاب الله الكريم وتعاليمه، وتقديم الدروس الدينية لتوضيح معاني القرآن والاستفادة من سيرة النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم، بالإضافة الى تنظيم مسابقة في حفظ القرآن وأحكامه في إطار المسجد وبين المساجد الأخرى، وتكريم المتميزين والمشاركين. ويعد استمرار مظاهر استقبال رمضان بالرغم من ظروف الحرب والوضع الاقتصادي الصعب يرجع للمكانة الدينية الكبيرة للشهر الكريم لدى اليمنيين الذين يعتبرونه شهر الرحمة والتكافل والصدقات، فهذه المكانة المقدّسة لشهر رمضان لدى اليمنيين تتعاظم كونهم يمارسون فيه شعائر ركنين من أركان الإسلام هما الصوم والزكاة. طقوس مندثرة يستقبل الفلاحون في الريف رمضان بزراعة المزروعات التي تحتاجها المائدة الرمضانية كالفجل وبعض الخضراوات، إضافة إلى تزيين المساجد وشراء أثاث جديد لها. لكن بدأت بعض العادات بالاندثار بسبب التطور في ضبط الوقت، ووجود مكبرات الصوت في المساجد لتختفي مهمة المسحراتي الذي كان يمر بالقرى والأحياء السكنية لإشعار الناس بدخول وقت السحور، ومن المظاهر التي اختفت إطلاق مدفع رمضان، الذي كان يستخدم لتعريف الناس بموعد الإفطار والسحور أيضا. عادات راسخة يختلف الطعام المقدم في رمضان عن باقي أيام السنة، وتُعد وجبة الشفوت من أبرز المأكولات التقليدية التي لا تخلو منها أي مائدة إفطار رمضاني، وهي تتكوّن من الخبز أو اللحوح واللبن (الزبادي أو الحقين)، وبعض الخضروات التي تضفي نكهة جميلة على الطبق، إضافة إلى ذلك فإن الرواني والشعوبية وبنت الصحن من أشهر الحلويات الشعبية التي تقوم ربة البيت بإعدادها في المنزل، فضلا عن السنبوسة والطعمية أو الباجية والمهلبية التي تكون السفرة عامرة بها، كما تعد القهوة بمختلف أنواعها مشروبا مميزا بالنسبة لهم، يقدّموه مع التمر أثناء الفطور أو السحور. ويمكن ملاحظة زيادة التكافل بين اليمنيين، الذين يهتمون كثيرا بالشعائر الإسلامية، خاصة في رمضان الذي يعتبر بالنسبة لهم فرصة لزيادة رصيدهم من الحسنات، وذلك عن طريق الاهتمام - بشكل أكبر -بالفقراء والمحتاجين، ففي أغلب المساجد يقيمون إفطارا جماعيا بشكل يومي يحضره العديد من الناس. كما يحرص اليمنيّون خلال هذا الشهر المتميز بروحانية خاصة على تبادل الزيارات والأطعمة بشكل كبير بينهم البين، رغبة بتقوية أواصر المحبة بينهم، وهو فرصة بالنسبة لهم لحل كثير من المشكلات الاجتماعية بينهم. وغالبا ما يجتمعون للإفطار معا، أو بعد تناولهم الفطور وصلاتهم للتراويح، كما يتبادلون الأحاديث المختلفة في أجواء سعيدة، أو يتحلّقون حول شاشات التلفاز لمتابعة البرامج والمسلسلات التي يتم عرضها في رمضان. ويتحوّل ليل رمضان لدى اليمنيين إلى نهار، فإضافة إلى تبادل الزيارات، يقومون بإحياء تلك الأوقات بإقامة مسابقات ورقصات شعبية في بعض المناطق، وغالبا ما يمضغون القات جماعة في المنازل.