ضعف فعالية المبيدات الزراعية يُعرقل مكافحتها اجتاحت آفة «توتا أبسلوتا» الحشرية، الموسم الزراعي المنقضي، محصول الطماطم الحقلي في عدد من ولايات شمال الصحراء كالوادي وبسكرة، ولم تفلح مساعي الفلاحين والمهندسين الزراعيين في القضاء عليها نهائيًا، على ضوء نقص فعالية المبيدات المحلية والمستوردة في الحد من تكاثرها وانتشارها. آفة «توتا أبسلوتا» أو حفارة أوراق وثمار الطماطم ظهرت منذ سنوات في المحيطات الزراعية، وتحوّلت إلى هاجس حقيقي مهدد لمستقبل زراعة المحصول بتواصل تمدد انتشارها على نطاقات واسعة في البساتين وبين الولايات، من دون أن يتمكن الفلاحون والمهندسون الزراعيون من وضع حدِّ لها، أو كبح تنقلها وتوسعها. وبحسب فلاحين لم تتمكن المبيدات الكيميائية الحشرية المتوفرة من تقويض انتشار هذه الحشرة المستعصية، ولا حتى الظروف الجوية حالت دون تنقلها وتكاثرها سواء في الحر الشديد صيفًا أو البرد القارس شتاءً. وبدأ ظهور هذه الآفة الحشرية بالوادي في الحقول والبساتين، منذ 12 سنة تقريبا، وفقا لبعض منتجي الطماطم الحقلية، وتسببت في إتلاف عشرات الهكتارات وإفلاس كثير من الفلاحين خلال الموسم الزراعي الماضي، من دون تسجيل فعالية ناجعة للمبيدات الحشرية على دورتها التكاثرية والحد من انتشارها وتنقلها. تستهدف آفة حفارة الطماطم «توتا أبسلوتا»، بحسب مهندسين زراعيين، بشكل مباشر محصول الطماطم الحقلية، وبأقل أضرار على الطماطم المحمية المنتجة داخل البيوت البلاستيكية، كما تتضاعف مخاطرها أكثر أثناء فترات نضج المحصول بتسببها في تلف جزء منه في فترات وجيزة، وذلك رغم محاولات التقليل من حدة ضررها، والقيام بمختلف إجراءات الوقاية والرش التقنيين قبل بداية عملية الزرع وأثناء مراحل نمو النبات. وفي سياق مكافحتها وتقليل أضرارها على المحصول يلجأ الكثير من الفلاحين إلى استخدام تقنيات تقليدية بديلة للحد من تكاثرها وسط حقولهم، في محاولة منهم لتجنب تكاليف المبيدات العالية أحيانا وعدم توفرها أحيانا أخرى، بالإضافة لنقص فاعليتها على هذه الحشرة الفتاكة. منتجون يتكبّدون خسائر قامت «الشعب» بزيارة لعدد من الحقول والبساتين في ولاية الوادي، الواقعة على بعد 636 كلم، جنوب شرق الجزائر العاصمة، التي تنتج حوالي 03 مليون قنطار من الطماطم الحلقية المبكرة، بداية من شهر نوفمبر إلى غاية مارس، استطلعت من خلالها معاناة المزارعين مع انتشار وتكاثر هذه الآفة الضارة بالمحصول. وقال «السعيد.ع» فلاح متخصص في إنتاج الطماطم المبكرة ببلدية سيدي عون الواقعة على مسافة 25 كلم شمال مدينة الوادي، بأن حشرة توتا أبسلوتا تحولت إلى هاجس مخيف للمزارعين في المنطقة مع بداية كل موسم زراعي للمحصول في شهر أوت، كما أن انتشارها المستمر من سنة إلى أخرى يأتي بالرغم من مكافحتها بأعلى المبيدات جودة وثمنا، التي تتعدى 3 ملايين سنتيم للقارورة الواحدة سعة 1.5 لتر. وأشار السعيد إلى أن المكافحة المتّبعة لهذه الحشرة تتم سنويًا، ويشرع فيها مع بداية زراعة المحصول إلى غاية نهايته، مع تحقيق فترات الأمان الاستهلاكية قبيل نضج الثمار، لكنه يتفاجأ كغيره من الفلاحين المحليين بصمودها في وجه المبيدات وتكاثرها بشكل سريع جدا في المنتوج الجاهز للحصاد. من جهته، أوضح الفلاح «خليفة. د»، منتج لمحصول الطماطم الحقلية ببلدية المقرن «30 كلم شمال عاصمة الولاية»، وجود نقص في المبيدات الكيميائية الفتاكة بهذه الحشرة بنسبة 100 بالمائة، مع توفر عدد منها بنسب معالجة متراوحة بين 20 و60 بالمائة فقط، ما يعني أن دورة تكاثرها مستمرة من موسم لآخر في نفس البساتين والحقول. وأضاف خليفة في هذا السياق أن المبيدات المتوفرة تشهد ارتفاعا مرهقا للفلاح بالرغم من محدودية فعاليتها في مكافحة حفارة الطماطم، حيث يتراوح سعر القارورة الواحدة سعة 1.5 لتر بين 10000 و30000 دينار جزائري بحسب نوعية وجودة المبيد ونسبة فعاليته، في حين يستهلك الهكتار الواحد ضمن حملات الرش من 4 إلى 7 قارورات بناءً على درجة انتشار هذه الآفة في المحصول ومراحل تطورها بين البيض والتحول ليرقات وديدان فتاكة قاضمة للثمار. وسائل تقليدية غير مجدية أبرز «معمر. ن»، مستثمر زراعي في إنتاج الطماطم المبكرة المزروعة في المساحات المفتوحة على مستوى محيطات بلدية حاسي خليفة «35 كلم شمال شرق مدينة الوادي»، لجوئه لاستخدام وسائل وتقنيات قديمة تقليدية متعلقة بمكافحة الحشرات في ظل عدم نجاعة الرش بالمبيدات، تتمثل في مصائد ليلية يتم نصبها وسط المنتوج لاستدراج أعداد كبيرة من فرشات توتا ابسلوتا والفتك بها قبل وضع البيض ضمن دورتها الحياتية، لكن كانت نتائجها أيضًا ضئيلة بالنظر للحجم الهائل للآفة المجتاح للمحصول. وبحسب معمر أصبح انتشار هذه الآفة من دون القضاء عليها نهائيا محير للفلاحين، لأن استمرار تكاثرها يُكسبها مناعة ومقاومة أكبر للمبيدات من سنة إلى أخرى، كما أن نقص وسائل مكافحتها في الحقول والمستثمرات المحلية قد يؤدي لتنقلها إلى ولايات أخرى منتجة لهذه الشعبة الهامة. وبخصوص علاقة توتا أبسلوتا بالمناخ، أشار الفلاح «لخضر. ص»، إلى أن انتشارها السريع يكون أثناء فترات ارتفاع درجات الحرارة ودفء الطقس نهارا وليلا، ويتراجع حدة ضررها وتكاثرها في الليالي الباردة. وتستطيع هذه الآفة مقاومة موجات الصقيع في فصل الشتاء، بالرغم من انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، حيث تعود للنشاط بوتيرة أقل بمجرد انقشاعه، مثلما أضاف لخضر بداية الظهور يقول رئيس الإتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، بولاية الوادي، العربي بليمة في تصريح ل «الشعب»، إن ظهور آفة توتا أبسلوتا الحشرية على مستوى القطاع الزراعي في الجزائر بدأ في حدود سنتي 2008 و2009، ومسّ انتشارها عددا من دول إفريقيا مثل السودان وتونس ومصر بنفس الوتيرة والشكل. وتُصنّف حفارة أوراق الطماطم توتا ابسلوتا، بحسب بليمة، من رتبة حرشفية الأجنحة، تتغذى يرقتها على أجزاء شجرة الطماطم، وتعد حشرة ليلية بطول حوالي 6 ملم، تختفي في النهار مختبئة بين الأوراق، وتضع الأنثى بيضها في الوجه السفلي من ورقة النبات، عدده قد يزيد عن 250 بيضة. وأضاف المهندس الزراعي بأن هذا النوع من الحشرات ظهر وانتشر في أمريكاالجنوبية وإسبانيا، ويمتلك مقاومة عالية للمبيدات، يتغذى على جميع أجزاء نبات الطماطم ويتطور داخل أغصانه وثماره، حيث تقوم اليرقات بحفر الأوراق وتشكيل أنفاق غير منتظمة على سطحها، لتتحول لاحقا إلى بقع جافة وتالفة، مع مهاجمتها للثمار أثناء تشكلها ونضجها بإحداث حفرا بها مؤدية إلى تعفنها بمرور الوقت. أضرار هذه الآفة تستمر طوال موسم محصول الطماطم الزراعي من بداية النمو والتطور إلى الجني، وينتقل إلى التعليب والتصنيع، كما أن مقدار الضرر قد يصل إلى 100 % وتلف المنتوج بالكامل إذا لم تستعمل طرق المكافحة منذ البداية للحد من نسب الانتشار، مثلما قال المتحدث. غياب المرافقة تعتبر محيطات بلدية المقرن الواقعة شمال مدينة الوادي، بحسب بليمة، أهم مناطق إنتاج الطماطم الحقلية بالولاية، حيث سجلت السنوات الأخيرة تطورا سريعا في زراعتها المبكرة الشتوية، وريادة في الإنتاج محليا، لكن غياب المرافقة التقنية للفلاحين نجم عنه انتشار كبير للآفات والأمراض المختلفة أدت لتعرض العديد من المنتجين إلى خسائر، وفي مقدمتها آفة توتا أبسلوتا. أرجع المهندس الزراعي سبب انتشار الآفات الزراعية التي أرهقت كاهل الفلاحين بمحيطات ذات البلدية، إلى تقنيات استعمال المبيدات الحشرية غير الصحيحة من جانب المنتجين، مما أدى بتلك الحشرات إلى اكتساب مناعة منها لانعدام الاستعمال العقلاني التقني المتمثل في وقت التدخل، الكمية المنصوح بها، وكذا نوع ونفس المبيدات المستخدمة. تنقّل الآفة بخصوص كيفيات تنقل توتا أبسلوتا وعوامل انتشارها، يرى رئيس الإتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين بالوادي العربي بليمة، بأنه لا توجد لحد الآن علامات واضحة لطريقة تنقلها من منطقة لأخرى وبين المحاصيل والمحيطات الزراعية، بما في ذلك العوامل المساعدة على التنقل. كما أشار المتحدث لرصد إشارات ومعالم تفيد تنقل الحشرات البالغة بسهولة عن طريق تبادل المنتجات بين النطاقات والمجالات الجغرافية ثم تتكاثر فيها سريعا، وأيضًا من خلال عملية الطيران بفعل العوامل الطبيعية مثل الرياح، التي تميز طقس المناطق الجنوبية على مدار السنة، منوّها أن هذه الآفة تستطيع إكمال دورة حياتها تحت 14 درجة مئوية، في حين أظهرت دراسات مخبرية أخرى أن حافرة الطماطم تحتاج إلى حوالي 35 يوما لاستكمال دورة نموّها من بيضة إلى حشرة. وعلى ضوء هذه الوضعية، يتوجب على المعاهد الوطنية لحماية النباتات والبحث الزراعي، بحسب بليمة، التركيز أكثر على إيجاد حلول بديلة ناجعة للحد من انتشار الآفة المستعصية، ومحاولة القضاء عليها وإبعاد ضررها على المنتجات، وبالتالي تعزيز جهود الفلاحين والحصول على منتوج وفير بجودة عالية يسمح بتغطية حاجيات الأسواق الوطنية، منوّها كذلك بالمساعي المتواصلة والحثيثة من طرف تلك المعاهد واجتهادها في البحث عن حلول مناسبة. خطر داهم أوضح المهندس الزراعي العربي بليمة وجود ملاحظات تتعلق بظهور توتا أبسلوتا في محاصيل البطاطس والباذنجان والفلفل وأعشاب أخرى من العائلة الباذنجانية، بالرغم من أن العائل الرئيسي للحشرة ووسطها التكاثري هو نبات الطماطم. أضرار هذه الآفة في المحاصيل الأخرى، بحسب بليمة، رُصدت خلال الموسم الزراعي الماضي بأقل حدة مما هو عليه في محصول الطماطم، لكن تبقى الخشية من تضاعف ذلك الضرر مستقبلا، لاسيما على مادة البطاطس الأكثر استهلاكا وطلبا في الأسواق المحلية الوطنية. وتتواجد المحيطات الزراعية المختصة في إنتاج الطماطم بولاية الوادي، التي تنتشر فيها هاته الحشرة الخطيرة بالقرب من نطاقات زراعة محصول البطاطس، وفي بعض المناطق على تماس واحد مثل بلدية حاسي خليفة المختصة في زراعة المحصولين معا، وهو ما يفسّر بالفعل تمكن هذه الآفة من اختراق جدار مناعة نبات البطاطس وإلحاق أضرار بها. الطماطم المحمية دفعت منغّصات زراعة الطماطم الحقلية السنوات الأخيرة، بالكثير من الفلاحين إلى اللجوء لاستعمال البيوت البلاستيكية المحمية بحجمها الصغير «50 مترا طول 8 مترا عرضا»، أو الكبير بمساحة نصف هكتار إلى 2 هكتار، وذلك بحثا عن الأمان من مختلف أنواع الآفات، وتقلبات الطقس المفاجئة مثل الرياح والصقيع. تعتبر البيوت البلاستيكية أكثر أمانا من انتشار آفة توتا أبسلوتا، بالنظر لاحتوائها على تقنية الإغلاق الكامل بعد تنفيذ عمليات الرش بالمبيدات أو وضع المصائد داخلها، بالإضافة إلى تحييد المحصول أثناء فترات تقلبات الطقس كالزوابع الرملية التي تكثر في فصلي الربيع والخريف، والبرد والصقيع في فصل الشتاء. في ذات السياق، لا يقتصر دور البيوت المحمية على ضمان حماية محصول الطماطم من الآفات، بل يتعدى ذلك إلى تحقيق جودة عالية في المنتوج مقارنة بزراعته في المساحات الحقلية. المصائد الفرمونية اعتبر المهندس الزراعي العربي بليمة، الانتشار المتزايد للآفة من موسم للآخر، من شأنه المساس بالمناطق الأخرى المجاورة للولاية، وبما أن المعالجة الكيميائية لا تعطي نتيجة فعالة في كثير من الأحيان نظرا لاكتساب الحشرة مناعة ضد مادة المبيدات، أصبح من الضروري التركيز أكثر على الحلول البديلة التي أثبتت فعاليتها ونجاحها في دول أوروبية سابقة في مكافحة هاته الآفة الزراعية.وأبرز رئيس المكتب الولائي لإتحاد المهندسين الزراعيين بالوادي، ثلاث وسائل معتمدة في مكافحة توتا أبسلوتا، تتمثل في المصائد الفرمونية، المكافحة البيولوجية، والمكافحة البكتيرية، لكن تبقى بفعالية أقل ولا تقضي على المشكل نهائيًا. في هذا الصدد، أشار بليمة، إلى وجود أثر فعال للمصائد الفرمونية على الحشرة في الزراعات المحمية، وهي بنوعين الأول مصائد تعتمد على الفرمون كجاذب للحشرة ويستخدم للمراقبة وتحديد كثافة الحشرات، أما النوع الثاني عبارة عن مصيدة من نوع مختلف تسمى(Mass Trap)، تحتوي على مواد فرمونية تقوم بجذب الذكور والتخلص منها، وهي أكثر استخداما ونجاعة في البيوت المحمية لاحتوائها على الباب المزدوج محكم الإغلاق. محصول الطماطم بنوعيه الحقلي والمحمي عرف نموا مضطردا بالوادي وباقي ولايات شمال الصحراء، خلال العقد الماضي، ويتطلب تثمينه والحفاظ على مساره بحسب مختصين زراعيين، تدخل تقني لحمايته من كل الآفات، وتكثيف الأيام التحسيسية والتكوينية للفلاحين، وكذا اللقاءات التقنية الجوارية لتوضيح مخاطرها، وفي مقدمتها حشرة توتا أبسلوتا.