في إطار إحياء اليوم الوطني للكتاب والمكتبات، ناقشت «الشعب» موضوع الكتابة والنشر للطفل مع الأديبة والصحفية سليمة مليزي مديرة النشر في دار رومنس القرن 21 للنشر والتوزيع والترجمة، والتي كشفت من خلال هذا الحوار تجربتها الفتية في مجال ترجمة قصص الأطفال من العربية إلى اللغات الحية، وأيضا عن ما يمكن لأدب الطفل أن يضيفه لحياة وأحلام وشخصية هذا الأخير إذا ما احترم المؤلف عالم وعقل من يكتب إليه. - الشعب: المعروف عن أدب الطفل أنه مجال يصعب الخوض فيه، لما يحمله من مسؤولية كبيرة تجاه ما يقدم للناشئة، ولضرورة الإلمام بعالم الطفولة وانشغالاته وتطلعاته، ما هو رأي الكاتبة سليمة مليزي في الموضوع؟ الكاتبة والنّاشرة سليمة مليزي: تعتبر الكتابة للطفل من أصعب الفنون الأدبية، حيث يتطلب على الكاتب أن يدرس جيدًا سلوكيات التربية عند الطفل، حتى يتمكن من الولوج إلى أفكاره الحالمة، حيث يعتبر خيال الطفل واسعا، وليس له حدود في تخيّل الأشياء العادية وأحلامه الواسعة، التي يريد دائماً التحاق بها في الفضاء، ومخيلته تذهب بعيدًا عن الواقع المعاش، خاصة إذا قرأ القصص الخيالية والعلمية، أو شاهد أفلام الكرتون التي هي المحببة للطفل أكثر من الكتاب، فالطفل في أولى مراحل حياته نجده يقلد ما يحدث في محيطه خاصة، يقلد كثيراً والديه، لذلك يجب على الأولياء أن يراعوا جيدًا تصرفاتهم أمام طفلهم، ويحسنوا التصرف أمامه، ويعاملونه كأنه شخص كبير، ويسمعون إلى أسئلته التي نجدها عند الأطفال الأذكياء أحيانا غريبة، وتكون أكبر من سنهم، لذلك السلوك الجيد في المعاملة مع الطفل يجعله يظهر ذكائه مبكراً، خاصةً إذا علّمناهُ المطالعة وحببناهُ في الكتاب الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من أشيائه المهمة في تربيته. - الكتابة للطّفل تحمل مفاتيح أبواب عالم الخيال، فكيف يمكن للأديب أن يدفع بالقارئ الصغير لدخول هذا العالم؟ من هنا ندرك أهمية الكتابة للطفل، لأنّها تخلق له خيالا واسعا وتكسبهُ المعرفة والعلوم، وتؤهّلهُ أن يكون تلميذا ناجحا في دراسته، وقد ربط بعض الخبراء أن الطفل الذي يحب مطالعة القصص خاصة إذا قام بتمثيل القصة بينه وبين نفسه على شكل مونولوغ، أو حوار مزدوج، تعلمه كيف يعي نفسه أن يكون كاتباً أو إعلاميا أو أستاذا أو مديراً ناجحا في المستقبل، وتُصبح الكتابة عند إتقانها عملية تلقائية؛ حيث يستطيع الطفل التركيز على عمله دون القلق بشأن كيفية تشكيل الحروف. - ما هي حسب تجربتك الطّويلة في الكتابة والنشر أنواع الإصدارات التي قد تجلب انتباه الطّفل وتحبّبه في المطالعة؟ يحتاج الأطفال أو المراهقون إلى إصدارات أدبية مختلفة لتغذي جوانب تفكيرهم وتقوي نواحي الخيال والإبداع والحوار والتفكير الناقد فيهم، وتشبع حاجاتهم وميولهم، وتوجه اتجاهاتهم وتفكيرهم بما يربطهم بأصالة ماضيهم، ويكيفهم بطبيعة حاضرهم ويؤسّس رؤاهم المستقبلية؛ لتكون وسيلة من وسائل التعليم والتثقيف بالتسلية والمشاركة في الخبرة، وطريقا لتكوين العواطف السليمة، وتنمية المشاعر الوطنية الصادقة، وأسلوبا يقفون به على الحقيقة ويكتشفون مواطن الصواب والخطأ في المجتمع، ويتعرّفون على طريق الخير والشر في الحياة، وسبيلا لتوجيه أنواع الخيال وفنون الكتابة لديهم، ليستشرفوا به على عالم باتت المعرفة فيه متجددة، والتفاتة العلمية متسارعة حتى يتحقق التوازن النفسي والفكري للأطفال في مراحل نموهم ونضجهم؛ ليواجهوا طبيعة الحياة وما تفرضه عليهم بيئتهم وعالمهم. - لماذا الاهتمام بأدب الطفل، بالرغم من أنك معروفة بالكتابة الشعرية والدراسات النقدية؟ جاء اهتمامي بأدب الأطفال لأنني أعتبره من أقوى الدعامات في بناء الإنسان، وفتح معالم المعرفة أمامه، لذلك حسب تجربتي الطويلة في الكتابة للطفل، أدافع كثيرا عن هذا النوع من الأدب الذي يعتبر مهماً جداً، حيث إذا كتبنا للطفل وتكوّنَ تكويناً سليماً، سيكون رجل الغد الذي يصنع مجد هذا الوطن. - تخوض حاليا دار «رومنس القرن 21 للنشر والتوزيع والترجمة» تجربة في مجال ترجمة قصص الأطفال من العربية إلى اللغات الأخرى، أين وصل المشروع اليوم؟ أنا بصدد خوض ترجمة القصص الموجهة للطفل، المترجمة إلى اللغة الفرنسية والانجليزية، حتى نعزّز من خلال ذلك تعليم الطفل اللغات الحية منذ نعومة أظافره، حتى تساعده في المستقبل أن يكون تلميذاً ناجحاً، وتسهل عليه تعليم اللغات الحية. تعتبر التجربة التي انتهجتها دار رومنس القرن 21 للنشر والتوزيع والترجمة، فريدة من نوعها في الجزائر، رغم غلاء الطباعة بالنسبة لقصص الأطفال، التي تتطلب الرسومات باليد من طرف فنان، والألوان الزاهية التي تجذب الطفل وتحبّبه في المطالعة. - هل يمكن لمشروع كهذا أن يمتص كل تكاليف إنجازه؟ رغم النداءات الكثيرة التي ناشدنا بها وزارة الثقافة من أجل التكفل بطباعة قصص الأطفال، إلا أننا وجدنا أنفسنا نصارع غلاء طبع القصص، ونتحدّى كل الصعاب من أجل انتعاش أدب الطفل في الجزائر، ومن أجل مواصلة حلمنا أن ننهض بهذا الأدب إلى العالمية، وتوظيف القصص الشعبية الجزائرية المستوحاة من التراث العريق والغني، لذلك أقترح أن يكون منتدى مستقبلا للاهتمام بأدب الطفل، وتكون رعايته من طرف وزارتي الثقافة والتربية.