اختتمت، أمس، أشغال الملتقى الوطني الأول حول المحكمة الدستورية في التعديل الدستوري لسنة 2020، ودورها في إرساء دولة الحق والقانون، بإصدار التقرير العام بعد مناقشة مستفيضة دامت يومين، تناول المشاركون فيها التجربة الجزائرية في المجال الدستوري وتطورها، وصولا إلى العمل بالدفع بعدم الدستورية ودوره في حماية الحقوق والحريات، تناغما ودستور 2020. أشار عبد الحفيظ أوسكين، عضو المحكمة الدستورية، في مداخلته التي جاءت تحت عنوان، «مناهج القاضي الدستوري في صياغة قراراته المتعلقة بالدفع بعدم الدستورية»، إلى كيفية توظيف القاضي للمناهج في بناء وهندسة قراراته واستخدامه للحيثيات، مع التركيز على الجانب اللغوي كشرط أساسي لتحقيق مفهومية قرار المحكمة الدستورية. كما تطرق في مداخلته، إلى الأدوات المنهجية لبناء قرار القاضي الدستوري، حيث أن هذا القرار هو الوثيقة الوحيدة التي تُخطر بواسطتها المحكمة الدستورية الرأي العام عن الحل الذي تتبناه بخصوص الدفع الذي أُحيل أمامها للنظر في دستورية حكم تشريعي أو تنظيمي، كما عرض المتدخل بشكل مفصل العناصر الهيكلية للقرار، مبرزا من خلال ذلك الفرق بين قرار المحكمة الدستورية وقرار القضاء العادي. وعرض الهادي لوعيل، عضو هيئة الدفع بعدم الدستورية بالمحكمة العليا، في مداخلته، التي جاءت تحت عنوان: «الدفع بعدم الدستورية ودوره في حماية الحقوق والحريات»، آلية الدفع بعدم الدستورية التي استحدثت بموجب التعديل الدستوري لسنة 2016، حيث كانت المادة 188 منه بمثابة قفزة نوعية لدولة القانون وتكريس مبدإ الشرعية، الذي يعد أحد دعائم الديمقراطية ومبدأ سمو الدستور، وبفضل هذه الآلية أصبح اللجوء إلى العدالة الدستورية مجالا مفتوحا للمواطنين المتقاضين والولوج الى المحكمة الدستورية عن طريق الدفع بعدم الدستورية. وأشار المتدخل كذلك إلى الدور الذي تساهم فيه هذه الآلية في حماية الحقوق والحريات، وذلك من خلال الحديث عن الشروط الشكلية والإجرائية للدفع بعدم الدستوريةو بالإضافة الى الشروط الموضوعية. كما استعرض لوعيل، بعض الإحصائيات حول قضايا الدفع بعدم الدستورية، التي سجلت بالمحكمة العليا خلال الفترة الممتدة من تاريخ 7 مارس 2019 الى تاريخ 15 ماي 2022، حيث بلغ مجموع الدفوع المسجلة على مستوى المحكمة العليا 66 دفعا، مجموع الدفوع المفصول فيها في المحكمة العليا 66 قرارا، مجموع الدفوع المفصول فيها بالإحالة على المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية بلغ 37 قرارا بالإحالة، ومجموع الدفوع المفصول فيها بعدم الإحالة 22 قرارا، وبلغ مجموع الدفوع التي تم إرسالها من الجهات القضائية 54 إرسالا . وتناول عبد العزيز نويري، مستشار بمجلس الدولة، في مداخلة له بعنوان، معالجة الدفع بعدم الدستورية أمام الجهات القضائية الإدارية في الجزائر وتطبيقاتها العملية المشابهة في القضاء المقارن، موضوع الدفع بعدم الدستورية في كل من القانون الفرنسي والجزائري، مع تحديد من هو الشخص الذي يمكنه الدفع بعدم الدستورية وكيف يتم ذلك؟. وكشف أن مجلس الدولة فصل في ملفين يتعلقان بعدم الدستورية، لأول مرة، وهما قيد النظر أمام الجهات المعنية. أما المحامي نصرالدين معمري، الذي تطرق إلى تجربة آلية الدفع بعدم الدستورية في الجزائر، عرض بإسهاب مسألة تصفية الدفوع بعدم الدستورية أمام قضاء الموضوع وأمام المحكمة العليا ومجلس الدولة، وكل الإشكاليات التي تثيرها للتصفية. واختتمت الأشغال بتلاوة التقرير العام الذي تلاه عمار بوضياف، عضو المحكمة الدستورية، أنه «إذا كانت النظم المقارنة قد اختلفت في ما يخص الجهة المكلفة بممارسة الرقابة على دستورية القوانين، بين نظم عهدت بها للجنة خاصة، وبين نظم عهدت بها للمحكمة العليا في شكل دائرة متخصصة، وبين نظم أخرى اعتمدت نمط المجلس الدستوري وبين نظم فضلت نظام المحكمة الدستورية، فإن كل هذه الأنظمة يصب في حماية الدستور». وأضافت الوثيقة ذاتها، أن «المبدأ الأساس المتواتر في كامل التقارير الدولية أن لكل دولة كاملة السيادة في اختيار نمط الرقابة الذي يناسبها ولا يمكن التقليل من شأن نمط فهو تنوع وثراء، وعند دراسة الأنظمة المقارنة نجد أن نظام الدفع بعدم الدستورية بدأ يتطور ويمتد أكثر، خاصة في العقد الأخير. وعلى الصعيد العربي، نسجل وجود دوليتين عربيتين فقط مازالتا تعتمدان نظام المجلس الدستوري».