المناطق الحرة خيار استراتيجي يجعل الجزائر قطبا اقتصاديا في المنطقة الإفريقية. ولأجل ذلك خطت الجزائر خطوات جبارة في تحضير البنية التحتية للاستفادة من منطقة التبادل الحر الإفريقية. بالموازاة، أعطت الدولة تشجيعا خاصا للاستثمار في الجنوب، ليكون القوة المحركة لعجلة الاقتصاد الوطني، بعيدا عن المحروقات. فكان قطاع الفلاحة مجالا الذي عرف إقبالا كبيرا، إلى جانب الصناعة والطاقات المتجددة، لتخرج أرض الجنوب وسماؤها ثرواتها في مختلف القطاعات الإستراتيجية. تنقل "الشعب" لكم اليوم، تجارب ناجحة لاستثمارات اختارت الجنوب لتكون محل نشاطها وتواجدها، لإخراجه من صورة نمطية ترسمه أرضا قاحلة ومناخا قاسيا، من خلال تطوير إنتاج المواد الإستراتيجية في الجنوب لتموين السوق الوطنية قصد تقليص فاتورة الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي مستقبلا، وعوض أن تكون صحراؤنا تطعم الجزائريين من موارد محروقاتها أصبحت تطعمهم مما تخرجه أرضها الطيبة من مختلف المنتجات الفلاحية. أفضلية السلع الجزائرية بالسوق الحرة هو واحد من الاستثمارات الفلاحية المختصة في إنتاج الأعلاف وتسمين الأبقار، بل خاض تجربة ناجحة لغرس المانجو في الصحراء الجزائرية، "مجمع مزرعة الجنوب" بتمنراست عن مستثمرة فلاحية ذات تمويل ذاتي لإنتاج الأعلاف الخضراء، في انتظار الشروع في إنتاج الأعلاف الإستراتيجية كالذرة والشعير، الهدف الاستراتيجي من إنشائه. قال المكلف بوحدة إنتاج الأعلاف والدواجن بمجمع مزرعة الحبوب بتمنراست شعيب عزي، إن المجمع يضم حاليا وحدة لإنتاج الأعلاف والدواجن، تنتج 5 أطنان في الساعة، إلى جانب وحدة لتسمين وبيع الماشية بولاية تمنراست، بها ما يقارب 400 رأس، وكذا مذبح صناعي للحوم الحمراء، إلى جانب تخصيصه ل250 ألف هكتار لغرس المانجو بمزرعة عين قزام. في حديثه ل "الشعب"، أكد عزي أن المجمع ينشط في إطار تعليمات رئيس الجمهورية التي أسداها سابقا، حتى يزود الجنوبُ الشمالَ باللحوم الحمراء، وهو سبب فتح وحدة أعلاف وتسمين الأبقار والماشية والأنعام والإبل على مستوى ولاية تمنراست، حيث بدأ المجمع نشاطه الفعلي في 4 جانفي الماضي، واستفاد من مساعدات قدمتها الدولة تتعلق بالإجراءات الإدارية. ومن أجل كسب زبائن أكثر من ولايات الشمال، شارك المجمع في معرض الجزائر الدولي للتعريف بنشاطه، خاصة المذبح الصناعي للحوم الحمراء. وأوضح المتحدث، أن المجمع عمل في رمضان الفارط بوتيرة جيدة، حيث كان يقوم بذبح 150 رأس بقر يوميا على مستوى المذبح. ولتغطية الطلب المحلي في ولايات الجنوب والشمال، قام بعقد شراكة مع مربين محليين بولاية تمنراست، بالإضافة الى وحدة تسمين الماشية، حيث كانت تقوم المؤسسة الوطنية للحوم الحمراء (AVR) بتزويد السوق الوطنية باللحوم الحمراء بشمال البلاد. صنع محلي وغير مدعمة عن السوق الإفريقية، قال عزي إن المجمع يقتني أيضا أبقار التسمين والذبح من السوق الإفريقية عن طريق المقايضة. وتركز الجزائر على مقايضة الإسمنت والحديد والبلاستيك بالأبقار، حيث توجه هذه المواد إلى السوق الإفريقية بالدول المجاورة. موضحا في ذات السياق، أن المواد محل مقايضة يجب أن تكون من إنتاج محلي وليست من المواد المدعمة. وقال، إن دول الساحل كمالي، النيجر، نيجيريا، التشاد والسنغال، كلها متعطشة للسوق الجزائرية، بل في حاجة إليها، فهناك طلب كبير في السوق الإفريقية أو المنطقة الحرة على السلع الجزائرية، ما اعتبره عاملا مهما لتحفيز حركية الاستثمار في منطقة الجنوب. أما فيما يتعلق بمناخ الأعمال في الجزائر، قال عزي إنه في تحسن مستمر، خاصة في الجنوب، الذي أخرجه، بفضل ما تعرفه الجزائر من ديناميكية اقتصادية، من الصورة النمطية اللصيقة به بأنه مجرد صحراء قاحلة ثرواتها أحفورية فقط، الى جنوب يعرف نموا متسارعا في استثمارات مست قطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة، أين تم تجسيد مشاريع نموذجية لمزارع الرياح (طاقة الرياح) والطاقة الشمسية. وثمن عزي في تصريحه ل "الشعب"، ما تقوم به الدولة من خلال التعليمات المسداة من طرف رئيس الجمهورية، لأنها وضعت ولاية تمنراست على سكة الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال، ما يخلق مناصب شغل جديدة ويكون له أثر إيجابي على مختلف مناحي الحياة بهذه المنطقة، مؤكدا في الوقت نفسه حاجة المستثمرين بالولاية إلى المرافقة وتسهيل الإجراءات الإدارية وتخفيف أعبائها، فغالبا ما تكون أكبر عائقا أمام رجل الأعمال. استقطاب في مختلف المجالات تجربة أخرى لرجل أعمال أطلق مشروعه الخاص بغرداية، إحدى ولايات الجنوب، حيث أنشأ إبراهيم كروشي شركة "الرايب" الجنوب لإنتاج مواد البناء من "باربا" و«لوردي" و«بافي"، انطلقت في نشاطها الفعلي في 2014، حيث قال في تصريحه ل "الشعب" إن الجنوبالجزائري يعرف نموا متزايدا في الاستثمارات، خاصة في قطاع الفلاحة، نظرا لنجاحه الأكيد. وكشف المتحدث عن استقطاب مناخ الأعمال بالجنوبالجزائري للاستثمارات في مختلف المجالات. فيكفي إجراء دراسة جيدة لتحقيق الأهداف المسطرة، موضحا أن الجو العام السائد في البلاد أصبح جالبا للاستثمار في مختلف القطاعات، خاصة في ظل كل الجهود المبذولة من أجل القضاء على البيروقراطية وكل العوائق التي وقفت لسنوات طويلة أمام إطلاق حقيقي للاستثمار في الجزائر، خاصة في الجنوب الذي أولاه رئيس الجمهورية عناية خاصة، من خلال التحفيزات والتسهيلات وقانون استثمار جديد يراه المختصون قفزة تشريعية نوعية. وشرح قائلا: "في السنوات السابقة وبسبب ركود مناخ الأعمال، كان المستثمر يضطر إلى إطلاق شركة للاستيراد والتصدير، حتى تحول أغلب رجال الأعمال الى النشاط في هذا المجال. لكن اليوم أصبح الاستثمار مفتوحا على قطاعات إستراتيجية، كالفلاحة والصناعة، خاصة مع إعلان سنة 2022 سنة اقتصادية بامتياز، وكذا الحد من الاستيراد وتوجه نحو رفع فاتورة التصدير خارج المحروقات". وكشف كروشي، أن بعض المستثمرين ممن كانوا يملكون شركات وعلامة خاصة عندما أصبحت الجزائر تركز على الاستيراد، وبسبب كلفة صناعة سلعهم الكبيرة محليا، أغلقوا شركاتهم وفتحوا مكاتب للاستيراد والتصدير، فيما توجه بعضهم الى الصين لصناعة سلعهم على أساس أنه أنتج في الجزائر، نظرا لتكلفته الأقل. لكن وعلى عكس ما نعيشه اليوم، أكد أن توجه الدولة الى دعم الإنتاج المحلي وتحريك عجلته ليكون أحد أساسات الإنعاش الاقتصادي، أعطى المستثمرين خيارات أكبر لإطلاق مشاريعهم الخاصة في الجزائر، لذلك تعرف غرداية تناميا للاستثمار في قطاع الفلاحة، خاصة في قطاع تربية الأبقار الحلوب، حيث حققت الولاية اكتفاء ذاتيا، ما جعلها توجه فائض الإنتاج إلى الولايات المجاورة. البعد الإفريقي... إستراتيجية دولة في اتصال مع "الشعب"، أرجع الخبير الاقتصادي عمر هارون الاهتمام العالمي بقانون الاستثمار الجديد، المصادق عليه في مجلس الوزراء قبل الأخير، إلى المكانة التي تحتلها الجزائر في الاقتصاد العالمي، فقد أصبحت محط أنظار دولية، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي والذي يخولها لأن تكون مستقطبة لرؤوس الأموال المباشرة من كل دول العالم. ولأن المرحلة الحالية تستوجب فتح المجال أمام كل راغب في الاستثمار في الجزائر، أقر رئيس الجمهورية تسهيلات وتطمينات وضمانات لكل المستثمرين المحليين والأجانب، سواء من خلال إلحاق الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار بالوزارة الأولى أو باستحداث هيئة رقابية على مستوى رئاسة الجمهورية، وباستحداث شباك وحيد وطني للاستثمارات الكبرى والأجنبية. في هذا الإطار، كشف المختص أن التهافت العالمي على الجزائر، بوابة إفريقيا، مرتبط بالجهود المبذولة من طرف الدولة لإنشاء بنية تحتية تسمح بالاستفادة من المناطق الحرة الإفريقية، كالطريق السيار شمال -جنوب أو غرب –شرق أو العابر للصحراء، أو سكة حديدية تربط الشمال بالجنوب، مع إمكانية ربطها بدول إفريقية مجاورة، بالإضافة الى مشاريع ضخمة لمطارات كبرى على مستوى الجنوبالجزائري تربط إفريقيا بكل دول العالم. الندية... رابح - رابح إلى جانب بعدها الإفريقي، يرى هارون أن القرب الجغرافي من أوروبا يؤهل الجزائر لأن تكون همزة الوصل بين القارتين، فأيّ سلعة تصلها يمكن تصديرها إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط، ما يعزز هذه المكانة توفر المواد الأولية بشكل رخيص نسبيا، خاصة ما تعلق بالموارد المنجمية والبترولية والطاقوية، فهي تعتبر أرخص ب6 الى 10 مرات عن باقي دول العالم، بالإضافة الى توفر مساحات شاسعة، بحكم أن الجزائر أكبر دول افريقيا بأكثر من 2 مليوني كم². بحسب المعلومات الأولية، بلغ حجم التبادل التجاري في المناطق التجارية الحرة مع إفريقيا 150 مليون دولار، ووصفه المتحدث ب "الرقم المعقول"، لأن الجزائر لم تبدأ حقيقة في فتح المجال أمام المناطق الحرة للسلع الجزائرية، بالنظر الى ان المرحلة التي نعيشها الآن جد حساسة عالميا ودوليا، بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، حيث أسدى رئيس الجمهورية تعليماته بوقف تصدير أغلبية السلع الغذائية، واعتبره قرارا سياديا اتخذه رئيس الجمهورية لحماية المواطن وقدرته الشرائية ومن أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للمواطن. مصادقة غرفة البرلمان السفلى على مشروع قانون المناطق الحرة، بحر الأسبوع الماضي، علامة إيجابية في استقطاب الاستثمار المباشر وترقية الصادرات، بحسب المختص، حيث ستسمح هذه الخطوة بتأسيس مناطق حرة حقيقية، سواء على مستوى الجنوب، الذي كان يعتمد سابقا على المقايضة بينه وبين دول افريقيا في تبادلاته التجارية، وأيضا على مستوى حدودنا الشرقية مع الجارة تونس نظرا لوجود قدرة كبيرة على خلق تبادلات كبيرة بين البلدين. في نفس الوقت، التوجه نحو إرساء تبادل تجاري بين الجزائر وأوروبا من خلال منطقة حرة لتطوير التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين ضفتي المتوسط وفق مبدأ رابح- رابح، ولن يتأتى ذلك إلا بمراجعة شروط وبنود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة ما تعلق بقبول السلع الجزائرية في الأسواق الأوروبية، متأسفا على طريقة تعامل الأسواق الأوروبية معها، فغالبا ما يتم الحجر عليها ورفض تداولها لأسباب تكون في كثير من الأحيان واهية. لذلك يجب التركيز على المؤسسات الجزائرية بتوجيهها نحو اكتساب الوسم الخاص بالجودة، على غرار نظام "إيزو" أو بصناعة وسم جزائري خاص بها، فهذه الخطوة ستمكن نظام الاقتصاد الوطني من تطوير المبادلات التجارية مع مختلف المناطق، سواء تعلق الأمر بأفريقيا أو الجارة تونس أو أوروبا. في ذات السياق، شرح هارون أن "الجزائر اليوم تسير بمنطق جديد أقره رئيس الجمهورية، فهي لا تؤمن إلا بالذين يحترمون سيادتها وخصائصها وشعبها وبالأخص القوانين والمواثيق الدولية، لذلك تتميز علاقاتها مع الدول اليوم بالندية وفق منطق رابح- رابح". العملة الصعبة عين الهدف قال هارون، إن الهدف الأساسي من المناطق الحرة هو جلب استثمارات أكبر في محاولة لتوسيع صادرات الدولة خارجيا، فكلما اكتسبت الدولة أسواقا أكثر كلما ارتفعت فاتورة التصدير، ما يمكن اعتباره محفزا للاستثمار الأجنبي المباشر، وبالتالي سيحقق نجاعة اقتصادية برفع عوائد العملة الصعبة للخزينة العمومية. لذلك، تعتبر المناطق الحرة خيار الجزائر الأول لتحقيق هدفها الأساسي في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة المرتبط أساسا بخلق أسواق لسلعها قد تكون إفريقية، أوروبية أو تونسية... ومنه فإن إقامة الأسواق الحرة ستمنح هذه الشركات قابلية أكبر لدخول السوق الجزائرية. كما يرتبط فتح هذه الأسواق الدولية برفع احتياطي الجزائر من العملة الصعبة، في إطار هدفها الاستراتيجي في تحقيق إقلاع اقتصادي بعيدا عن المحروقات. ولتحقيق الهدف المنشود، يجب العمل على تطوير المنظومة البنكية، خاصة الدفع الإلكتروني عن بُعد، عن طريق البطاقات أو مختلف الآليات الموجودة، لأنه أساس تطوير مناطقنا الحرة. يضاف الى ذلك، تطوير كل ما له علاقة بسلاسل الإنتاج، سواء تعلق الأمر بالنقل أو التغليف أو التخزين والتسيير الاستراتيجي والتقني والرقمي، فأهمية المناطق الحرة تركز أساسا على تفكيك التعريفة الجمركية والضرائب، وكذا وجود تسهيلات إدارية كبيرة، بحيث تكون عملية التبادل داخلها سهلة جدا، لذلك سيعمل تطويرها على إعطاء المردودية المرجوة منها اقتصاديا.