وصلت وزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة كاثرين كولونا ووزير الدفاع سيباستيان ليكورنو، أمس، إلى النيجر لإعادة تحديد استراتيجية انتشار القوات الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي، مع استكمال قوات تقدر بالآلاف الانسحاب من مالي. شهدت دول مالي وبوركينا فاسو معارضة شعبية واسعة لتواجد القوات الفرنسية على أراضيها، مما دفع باريس للتعهد بسحب قواتها. وستصبح النيجر مركزا للقوات الفرنسية، حيث يتمركز زهاء ألف عسكري في العاصمة نيامي مع طائرات مقاتلة ومسيرة وهليكوبتر. في مقابل ذلك، من المقرر الإعلان عن تقديم مساعدات بقيمة 50 مليون يورو لتعزيز شبكة الكهرباء في النيجر ودعم الميزانية. وفي السياق، صرّح مسؤولون فرنسيون للصحافيين في إفادة، بأنه سيتم إرسال بين 300 و400 عسكري للقيام بعمليات خاصة مع قوات من النيجر في المناطق الحدودية مع بوركينافاسوومالي. قوّات أخرى ستنشر في تشاد سيتمركز ما بين 700 و1000 عسكري آخرين في تشاد مع عدد لم يكشف النقاب عنه من أفراد القوات الخاصة العاملة في أماكن أخرى بالمنطقة. هذا وأوضحت كولونا أن وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو سيتوجه، اليوم السبت، إلى كوت ديفوار، التي تستضيف بدورها قوات فرنسية، ومن المرجح أن يسافر ماكرون في نهاية جويلية إلى بنين. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، إنه يريد «إعادة التفكير في جميع مواقفنا (العسكرية) في القارة الأفريقية»، وطلب من وزرائه وقادة الجيش العمل على ذلك. استراتيجية عسكرية جديدة بهذا الكلام يكون ماكرون قد فتح الباب أمام تحوّل الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا إلى جهاز أكثر تكتما، حيث رأى أن اعتماد «قوات أصغر حجما وأقل عرضة للخطر» هو «ضرورة استراتيجية». وأكّد ماكرون في خطابه التقليدي في وزارة الجيوش الفرنسية، الأربعاء، عشية العيد الوطني في 14 جويلية رغبته في «النجاح في بناء علاقة حميمة أقوى مع الجيوش الإفريقية على الأمد الطويل لإعادة بناء القدرة على التدريب هنا وهناك»، مع بقاء القوات الفرنسية في الصف الثاني لأن باريس تريد إعداد جيوشها للنزاعات الحادة مثل الحرب التي تدور في أوكرانيا. وتتمتّع فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في عدد من الدول الإفريقية، بوجود عسكري قوي هناك. وبالإضافة إلى التزامها في منطقة الساحل في أوج عملية إعادة هيكلة، نشرت عناصر لها في السنغالوالغابونوجيبوتي. ويتركّز الوجود العسكري الفرنسي أساسا في سبعة بلدان أفريقية (النيجر، تشاد، كوت ديفوار، السنغال، الغابون، جيبوتي، بوركينا فاسو)، إضافة إلى حضور بعثة عسكرية بحرية في خليج غينيا تدار مباشرة من مدينة بريست الواقعة في أقصى الغرب الفرنسي. مواكبة التّحوّلات ثمة ثابتة أكّد عليها ماكرون في خطابه الموجه للقوات المسلحة الذي ألقاه بمناسبة العيد الوطني، حيث أكد أن حضور بلاده في أفريقيا سيتواصل، ولكنه سيتغير، وبالتالي فإن الخروج من مالي سيُعدّ فرصة لباريس من أجل إعادة النظر بوجودها وبالمهمات التي كانت تضطلع بها وعلى رأسها محاربة التنظيمات الإرهابية ومنعها من التمدد في بلدان الساحل. والمؤكد، أنّ محاربة الإرهاب لن تتوقف، لكن باريس تنظر اليوم إلى أبعد من ذلك؛ لأنها تريد تعزيز حضورها في منطقة خليج غينيا الذي يشمل، إضافة إلى غينيا، الغابون وكاميرون ونيجيريا وغانا كوت ديفوار. ويبدو واضحاً، أنّ الخلاصة التي توصلت إليها باريس على ضوء التجربة في مالي، أن الاستمرار على النهج السابق لم يعد مفيداً أو فاعلاً. ويرى ماكرون، أنّ إعادة رسم خريطة الحضور الفرنسي العسكري في أفريقيا تعدّ بمثابة «ضرورة استراتيجية» تدفع إليها التحولات الجارية في العلاقات الدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا من جانب، والتنافس المتصاعد على النفوذ في أفريقيا التي كان لفرنسا فيها سابقاً حضور متميز بفعل العلاقات التاريخية والترابط الاقتصادي والمالي، والمصالح الاستراتيجية المتنوّعة.