أحد أعمدة الإصلاح في الجزائر ، وأمين عام جمعية العلماء والمجاهد البارز الذي خطفته يد الغدر الفرنسية عام 1957 ولم يُسمع له ذِكر بعدها. وُلد الشيخ العربي عام 1895 في بلدة (ايسطح) (تبسة) . حفظ القرآن في قريته ثم انتقل إلى تونس لتلقي العلم في زاوية (الشيخ مصطفى بن عزوز) ، انتقل بعدها إلى جامع الزيتونة ؛ فنال منه شهادة الأهلية وعزم على الانتقال إلى القاهرة لمتابعة التحصيل العلمي في الأزهر. عاد إلى الجزائر عام 1927 واتخذ من تبسة مركزاً له وفى مسجد صغير في قلب المدينة انطلق الشيخ في دروسه التعليمية وواصل الليل بالنهار لإنقاذ هذا الشعب من الجهل وذل الاستعمار ، وبدأت آثار هذا الجهد تظهر في التغيير الاجتماعي والنفسي لأهل تبسة؛ حيث بدأت تختفي مظاهر التأثر بالفرنسيين وبدأ الناس يلتفون حول رجال الإصلاح. وكالعادة ضُيّق على الشيخ ، فنصحه ابن باديس بالانتقال إلى غرب الجزائر ، فاستجاب لذلك ، ولكن أنصاره في تبسة ألحوا عليه بالعودة وأسسوا مدرسة طلبوا منه أن يكون أول مدير لها. وبعد وفاة ابن باديس ونفْي الإبراهيمي اتجهت الأنظار إلى الشيخ العربي ليحمل المسؤولية ويتابع الرسالة الإسلامية وتوافد إليه طلاب العلم من كل مكان ، وفي عام 1947 تولى العربي إدارة معهد ابن باديس في قسنطينة فقام بالمهمة خير قيام. يقول عنه الإبراهيمي'' :الأستاذ التبسي - كما شهد الاختبار وصدق التجربة - مدير بارع ومربٍ كامل خرجته الكليتان الزيتونة والأزهر في العلم وخرجه القرآن والسيرة النبوية ، فجاءت هذه العوامل في رجل يملأ جوامع الدين ومجامع العلم ومحافل الأدب'' . إدارة شؤون جمعية العلماء وفي عام 1956 انتقل الشيخ إلى العاصمة لإدارة شؤون الجمعية فيها ، واستأنف دروسه في التفسير وكان شجاعاً لا يخاف فرنسا وبطشها ، يتكلم بالحق ، ويدعو للجهاد ولم يأبه لتحذير الناصحين المحبين له الذين خافوا عليه من فرنسا والتي كانت تعلم مكانته بين صفوف الجماهير ، وأثره عندما يدعوها للجهاد ، وهو ليس من الناس الذين يتكلمون ولا يفعلون ، بل يقول'':لو كنت في صحتي وشبابي ما زدت (1) يوماً واحداً في المدينة ؛ أُسرع إلى الجبل ، فأحمل السلاح ، فأقاتل مع المجاهدين.'' وكانت مواقفه الجهادية وعداوته الصريحة للقوة الفرنسية المستعمرة والمحتلة للوطن والمسيئة للدين الإسلامي، عاملا أساسيا في تركيبة شخصية الشيخ العلامة الشهيد ''العربي التبسي ''، ويروي المؤرخون أن رفضه للمهادنة والتدجين والتطويع ورفضه على تليين موقفه حيال المحتل الفرنسي، كلها عوامل كانت وراء الرغبة في تصفيته الجسدية وإبعاده من حقل العمل السياسي ويذكر الدكتور أحمد عيساوي في كتابه بعنوان ''مدينة تبسة وأعلامها'' أن الحاكم الفرنسي العام ''روبيرت لاكوست'' طلب من الشيخ العربي التبسي التهدئة والتخفيف من شدة الخطابات ضد فرنسا فرد الشيخ بقوله ' إنني صادق منذ نعومتي أظافري، وأنا الآن شيخ كاهل وتريدون مني أن أكذب على الشعب كلا لن أتحدث '' وبتاريخ 6 فيفري 1956 رفض الشيخ كذلك نفس الفكرة أثناء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي ''غي مولي'' وظل محترسا حتى من تلك المطبات الإعلامية التي أرادت أن توقعه فيها الجريدة العالمية الفرنسية ''لوموند'' بإجراء حوار صحفي من أجل جرّه وتوريطه في توجّه مصطنع ضد الثورة الجزائرية أحد ضباط جيش التحرير يروي قصة الاستشهاد والقبر المجهول عُذّب بالإسفلت المغلي وزيت السيارات ورمي به في البحر وفي 17 من (أبريل) عام 1957 امتدت يد (الجيش السري) الذي شكَّله غلاة الفرنسيين المتعصبين لتخطف الشيخ العربي من منزله ، وليكون في عداد الشهداء ، رحمه الله رحمة واسعة. ويروي الرائد ''أحمد الزمولي'' في نفس الكتاب للدكتور أحمد عيساوي عن قصة الاستشهاد وهو أحد مجاهدي المنطقة الخامسة للولاية التاريخية الأولى ''أوراس النمامشة''، والذي التحق بصفوف الثورة التحريرية الكبرى بتاريخ 23 سبتمبر1954 أنه بعد العودة يوم 17 أفريل 1957 مع القائد ''لزهر شريط'' بعد مواجهة في أعالي وسفوح ''الجبل الأبيض'' مع قوات الاستعمار، وإثر علمهم عن طريق الأخبار الإذاعية باختطاف الشيخ ''العربي التبسي'' أخبرهم أهل المنطقة من ''أولاد بالعيساوي'' و''الجدور'' أهل الشيخ بأنهم شاهدوا جنود الاحتلال يعدمون قرابة 40 شخصا رميا بالرصاص يواصل ذات المتحدث فتحركنا نحو المنطقة التي تمتّ فيها عملية ردم الجثث بصفة جماعية لإعادة إخراجها ودفنها طبقا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وحاولنا التعرف على الشيخ من بينهم غير أننا تأكّدنا عندها أنه غير موجود بينهم. ويواصل هذا الرائد المعروف اليوم بسلك المحاماة بولاية تبسة ليروي قصة أخرى لكيفية اختطاف الشيخ، بحيث يقول بأنه كان على علاقة صداقة حميمية مع سي ''ابراهيم البوسعادي'' ولهذا الأخير صديق من منطقة القبائل كان يعمل بالفندق العسكري ببور سعيد بالجزائر العاصمة، وكان ذلك العامل بالفندق يكرمنا أيما إكرام إذا نزلنا بذات الفندق فسألت صديقي ''سي ابراهيم البوسعادي'' عن علاقته بمدير الفندق، فردّ عليّ بنبرة حزينة راويا قصة استشهاد الشيخ العربي التبسي اللّذان كانا شاهدان عليها في ذلك الوقت باعتبارهما منخرطين في صفوف الجيش الفرنسي فرقة ''البيري روج'' أو ''القبعات الحمر'' . قائلا هذا الصديق للرائد أحمد الزمولي ''لقد كنت بمعية صديقي في الفرقة العسكرية التي اقتحمت منزل الشيخ العربي التبسي ليلا ببلكور بالجزائر العاصمة بقيادة الدموي ''ديمون لا غارياد'' الشيخ بقي سجينا لدى هذه الفرقة العسكرية ليعذّب بأمر من '' لغارياد'' من طرف مجموعة من 04 أفراد من الجنود السينغاليين طيلة 03 أيام دون طعام ولا لباس أما يوم الاستشهاد فكان بعدما طلب القائد الفرنسي إحضار قدر من زيت السيارات الممزوج بالإسفلت والذي بقي فوق النار حتى درجة الغليان ليوضع الشيخ عاريا فوقه، طالبين منه التراجع عن دعم الثورة وتعديل خطابه ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه ظل يرفض الإنصياع وتواصل هذا التعذيب والتنكيل حتى تلقّى الجنود السينغاليين الأمر بإدخاله في ذلك القدر لافظا الشهادة كآخر كلمات له في هذه الحياة الدنيا كما أن صديقي الرائد ''أحمد الزمولي'' لم يذكرا التاريخ بالتحديد لكنهما يؤكدان أن ذلك كان بين 10، 12 أو 13 أفريل 1957 ليرمى به في عرض البحر بواسطة الطائرة، وهو تاريخ هروبهما من صفوف الجيش الفرنسي والالتحاق بالثورة لما رأياه من فظاعة الممارسات الوحشية لقوات الاحتلال،