الآن حصحص الحق، ووضع الرئيس تبون نقطة النهاية لعهد كامل تأسّس على الإشاعات والتسريبات، والتمييز في الحظوة بالمصادر المقرّبة والمصادر العليمة، حتى أنّ مهنة الصحافة صارت تحترف قراءة ما هو آت في الغيوب، عوضا عن القيام بدورها في الوفاء بحقّ المواطن في الإعلام، وإذا المهنة النبيلة تنسحب مرغمة من المشهد العام، ليحلّ محلها نوع من «الكهانة» أو «القراءة في الفنجان»، ويستحوذ على صفتها واسمها المرموق، ويحتكر دورها بأسلوب همجي لا يتورع عن صياغة الأكاذيب والأراجيف، ولا عن السّطو على جهود النّبلاء من الصّحفيين المحترفين الذين يحتفظون للخبر بمعاييره، وللرأي بحصافته، فهؤلاء لم يكونوا صالحين في عيون منظومة تمييع الإعلام، وتحقير الصّحفيّين الذين جاهدوا للتّمسّك بواجبهم المهني، فلم يعتزوا سوى بحرصهم على تحرّي الصدق.. ولقد أحسسنا بالتّغيير العميق الذي أحدثه الرئيس تبون على قنوات الاتصال عموما، وعلى طبيعة التعامل مع وسائل الإعلام، ورأينا رأي العين كيف خابت التّكهّنات غير مرّة، لكن حركة الولاة الأخيرة كانت البيان المنير الذي فصل بين عهد مضى بأراجيفه، وعهد تأسّس على المصداقية، كي يستعيد للمهنية الإعلامية مقامها، ويحفظ الحق الدستوري للمواطن في المعلومة. ونعتقد أنّ ما أسّس له الرّئيس تبون من صرامة في تسيير شؤون الدّولة، هو أهمّ خطوة على مسار «أخلقة الحياة العامة»، فهذه تبدأ فعلا بعودة «السّلطة الرابعة» إلى وضعها الطّبيعي، كي تقوم بواجباتها وفق معايير علمية سليمة، بعيدا عمّا صار متعارفا عليه ب (الكولسة)، و(القدرة العجائبية على الاختراق)، إذ ليس في الإمكان تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، مع نوعيات هجينة من الدّخلاء والانتهازيّين الذين مرغوا شرف المهنة في الوحل..