عاد الحديث مجددا عن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة، بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس فوج العمل المكلف بالملف، الأرجنتيني باولو ألبرتو دالوتو، للوقوف عند آخر مستجدات عملية التحضير لعقد جولة جديدة من المفاوضات، بدا واضحا أن صعوبات حقيقية حالت دون تحديد موعد إجرائها. لقاءات تكاد تكون غير رسمية تلك التي جرت في الأشهر الماضية بين المنظمة والجزائر لحلحلة ملف المفاوضات الذي لايزال يراوح مكانه، بسبب استمرار نفس العقبات، لبعث التفاوض مجددا بعد أن أبانت الجزائر عن نية عدم تقديم أية تنازلات قد تهدد المصالح التجارية والاقتصادية للبلد وتجعل منه الخاسر الأول، فيما لو تسرعت في قبول شروط المنظمة، القاسية كثيرا في بعض جوانبها. عاملان أساسيان جعل الجزائر تأخذ المزيد من الوقت قبل أن تقرر في ملفات حساسة لايزال الجدل قائما حولها بين الطرفين أولهما، تجنب تكرار الآثار الناجمة عن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، حيث أنه وبعد مرور أكثر من سبع سنوات عن دخول هذا الأخير حيز التنفيذ، تبين أن الاقتصاد الوطني كان الخاسر الأكبر ولم يستفد بأي شيء تقريبا مقارنة مع الاستفادة الكبيرة التي حصل عليها الاقتصاد الأوروبي من حيث اختلال التوازن في الميزان التجاري لصالح الأوروبيين، حيث أصبحت الجزائر سوقا مفتوحا للسلع والبضائع الأوروبية دون استفادة الاقتصاد الوطني من المزايا التي تضمنتها بنود الاتفاقية وأبرزها مرافقة المؤسسات الوطنية في اقتحام الأسواق الأوربية. أما العامل الثاني الذي دفع بالطرف الجزائري إلى عدم التسرع في الحسم في بعض الشروط القاسية للمنظمة، فإنه يعود إلى ما آل إليه الاقتصاد العالمي وتباطؤ النمو في بعض الدول وانكماشه في البعض الآخر منه ما دفع إلى تبني سياسات حمائية وتدخل الحكومات من أجل مواجهة الأزمات المتتالية والتي تطورت من أزمة مالية عالمية خانقة إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ 1929، أجبرت العديد من الاقتصادات ولاسيما المتقدمة منها الى تبني اجراءات خاصة البعض منها، كان منافيا للآليات المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات والمنظمات العالمية على غرار منظمة التجارة العالمية. الجزائر، وإن كانت تُعبر في كل مناسبة عن رغبتها في استكمال مسار الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، إلا أنها لا تبدي أن مثل هذا الأمر، وفي الوقت الراهن بالذات لا يمثل أولوية ملحة بالنسبة لها، وذلك بالنظر إلى وضعيتها المالية التي تبدو أنها لاتزال مريحة، فضلا على عدم جاهزية المؤسسات الوطنية لمواجهة المنافسة الخارجية الشرسة، وبالتالي فإن عامل الوقت يبدو حيويا ومهما، تجنبا لأية أثار سلبية محتملة على الاقتصاد عموما والسوق الوطنية على وجه التحديد، الأمر الذي يفسر إلى حد كبير الموقف الرسمي الذي بدأ يتبلور حول ضرورة مناقشة شروط الانضمام عموما والمادة ال 12 منه التي ترى فيها الجزائر أنها تمثل ازدواجية في التعامل، أو سياسة الكيل بمكيالين، لأن شروطها قاسية على دول معينة، وأكثر مرونة وسلاسة على دول أخرى، هي عادة تلك؛ المهيمنة على المنظمة. الزيارة الأخيرة لرئيس وفد العمل المكلف بملف انضمام الجزائر إلى المنظمة لم تضف في واقع الأمر أي شيء ملموس على مسار التفاوض سوى التأكيد على حرص الجزائر على استكمال ذات المسار، كيف ومتى؟ لا أحد يعلم.. وقد يكون الشيء الوحيد المعلوم، هو إستمرار طرح نفس الإشكاليات تقريبا على طاولة التفاوض، وشملت الطاقة والتجارة والمالية والإستثمار والصناعة والفلاحة وغيرها، ولهذا كان من الضروري على ممثل المنظمة العالمية للتجارة برمجة لقاءات مع مسؤولي القطاعات المعنية، وكان له ذلك مع وزراء الطاقة والصناعة والإستثمار والتجارة ومع الهيئة التشريعية ولكن أيضا مع الشركاء الإقتصاديين والإجتماعيين، المعنيين مباشرة بشروط وآثار الإنضمام، حتى يبدو الجبهة الداخلية و كأنها في وئام وانسجام وعلى دراية تامة بمستجدات الملف، وهي عناصر أساسية، تعمل لا محالة على تقوية الموقف الرسمي من أية تطورات على ذات الملف. »مسار التفاوض معقد ويتطلب عملا دؤوبا وعلى المفاوضين الجزائريين القيام بما هو مطلوب منهم لتحقيق هدف الإنضمام، فضلا على ضرورة إدراك هؤلاء أهمية الإستجابة لمطالب المنظمة« هذه آخر نصيحة قدمها رئيس فوج العمل الأرجنتيني للطرف الجزائري لحثه على التقدم في ملف التفاوض ليرد عليه وزير التجارة مصطفى بن بادة، أن الإرادة القوية للحكومة الجزائرية، لا تزال موجودة لا تمام مسار التفاوض وتجلى ذلك خلال الإستجابة لمتطلبات أعضاء المنظمة في مجال إعادة النظر في التشريعيات والتنظيمات الضرورية، ولكن في إطار الحفاظ على المصالح الإقتصادية والتجارية للبلاد . إتمام مسار الإنضمام لا يبدو أنه سيتم في الغد القريب، بالنظر إلى عدد الإتفاقيات التي يسعى الطرف الجزائري إلى إبرامها والتي لا تقل عن 20 اتفاقية ثنائية، لم ينجز منها سوى خمس اتفاقيات مع من كل الأرجنتين والأرغواي والبرازيل وفنزويلا وكوبا، يضاف إليها أربع اتفاقيات لا تزال قيد الدراسة والتفاوض بعد أن أجابت الجزائر على ما لايقل عن 1600 سؤال، في انتظار بحث المقترحين الجديدين الخاصين بالسلع والخدمات، المقرر إدراجهما الشهر القادم على مستوى الأمانة العامة للمنظمة لإستكمال ملف التفاوض قبل تحديد تاريخ الجولة القادمة المقررة مبدئيا العام القادم، بعد أن تعذر عقدها نهاية السنة الجارية، لعدم الإنهاء من دراسة الملفين: الأول ويتعلق بالتعديلات التشريعية والآخر حول الصعوبات التقنية التجارية، إلى جانب إجراءات حسب معايير المنظمة. إتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف في جدول أعمال التفاوض بين المنظمة والجزائر، الذي يبدو أن مساره بالغ التعقيد والصعوبة باعتراف الحكومة الجزائرية بعد أن أقرت أن الإنضمام ليس هدفا في حد ذاته بقدر ما تبحث عن ذلك الإنفتاح على الإقتصاد العالمي بما يحقق لها فوائد اقتصادية وتجارية في ظل العلاقات الدولية والقفز على الشفافية المطلوبة من طرف الدول المتحكمة في الإقتصاد العالمي، مثلما ظهر جليا في الأزمة العالمية الأخيرة.