لو أمعنا النظر في قضية فلسطين في الإعلام الجزائري وكيف بدأت خلال تسع سنوات بصحيفة واحدة ثم وصلت في زمن قياسي إلى كل الصحف الجزائرية لأصابتنا الدهشة والغرابة في بداية الأمر!! ولكن هذا يحدث مع غير الجزائر؛ فالجزائر الحبيبة تؤكد دوما بالكلمة والموقف على حبها واهتمامها اللامحدود بفلسطين وأهلها، في السابق قال الرئيس هواري بومدين: «أنا مع فلسطين ظالمة ومظلومة». واليوم، الرئيس عبد المجيد تبون يعيد انتاج المعني من جديد ويقول: فلسطين هي توأم الجزائر ولن نتخلى عنها مهما كانت الحال، وتقدير هذه الكلمة، أنا مع فلسطين للأبد لا فكاك عنها ولا تنصل منها، هذه المشاعر الصادقة وصلت إلى وجهتها الحقيقية إلى قلوب الفلسطينيين ووجدانهم وتوارثتها الأجيال، لتصبح ترتيلًا جميلًا يعبّر عن حب أصيل بين الشعبين الشقيقين التوأمين، قولًا وفعلًا. لا أتطرّق في هذا المقال إلى تقييم تجربة رائدة ورائعة من الدعم الجزائري الكريم لفلسطين الحبيبة وقضيتها، في ظلّ تراجع ملحوظ للقضية الفلسطينية في الإعلام العربي والإقليمي، بعد سنوات الانقسام والتيه الفلسطيني التي تزيد على العقد ونصف العقد من الزمن، وضربت بظلالها على كل ما هو جميل في فلسطين، وبدأت بعض الدول الصديقة تتذرّع بالانقسام أنه شأن داخلي، وبدأ الاهتمام الإعلامي العربي يتناقص تدريجيًا، حتى غدت القضية الفلسطينية وكأنها وحيدة تلاطمها أمواج الانقسام تارة، وتيارات الاحتلال الجارفة إلى الهلاك تارة أخرى، وحتى على مستوى الإعلام المحلي، كان التراشق الإعلامي هو سيد الموقف، وأصبح الفلسطيني في بلده يعزف عن متابعة بعض المواقع والصحف الإخبارية المحلية كل حسب انتمائه الحزبي؛ لأنه لم يجد فيها ما يسره من كثرة الاتهامات والافتراءات التي رسّخت الانقسام، وفي هذا الخصوص، هناك العديد من الدراسات التي رصدت هذا التراجع. إنما هنا أقف احتراما واجلالا لتجربة فلسطين في الإعلام الجزائري خلال تسع سنوات من العطاء المتواصل والاهتمام المتزايد، انطلقت من صحيفة «الشعب»، لتصل إلى صحف كل الشعب الجزائري دون استثناء. بدأ الاهتمام الإعلامي الجزائري في قضية فلسطين بصحيفة واحدة، هي صحيفة «الشعب» التي أصدرت أول ملحق في عام 2013، وحمل عنوان «صوت الأسير»، كان هذا بالتنسيق مع سفارة دولة فلسطين وبجهود حثيثة من المكلف بملف الأسرى في السفارة الأسير المحرّر خالد عز الدين، وبدأ الاهتمام يتزايد وعدد الصفحات تتزايد وتزايد معها عدد الصحف الورقية من جريدة إلى اثنتين إلى عشرة، وصولًا إلى كل الإعلام الجزائري، وتفاعل الجزائريون بمصداقية عالية مع قضية الأسرى الفلسطينيين، كيف لا، وهم الذين يقفون مع فلسطين ظالمة ومظلومة، ويحفظون تاريخ فلسطين عن ظهر قلب ودرسوه في كافة مراحلهم المدرسية. لم تقف هذه التجربة عند الحديث عن القدس والأسرى فقط، بل خصّص الإعلام الجزائري المزيد من الصفحات اليومية التي تتحدّث عن كل ما يخصّ فلسطين، ويتضح هذا القول عند النظر في ملف فلسطين في الإعلام والصحافة الجزائرية الصادر يوم الخميس 20 / 10 / 2022، بالتنسيق مع سفارة دولة فلسطين ويضم 24 صفحة مجمعة من قبل خمسة عشر صحيفة جزائرية تصدر يوميا، منها صفحتنا، تناولت أحد عشر عنوانا عن فلسطين باللغة الفرنسية، وهناك 22 صفحة تناولت عشرات العناوين المتنوعة عن فلسطين وأخبارها الأمر الذي يشعرك من دفئها أنك أمام صحافة فلسطينية، وفي الحقيقة هي توأم فلسطينالجزائرية، تمتاز بالمهنية وقوة تسليط الضوء على الحدث بموضوعية، فنقلت الصحف الجزائرية في هذا الملحق أخبار عن الرئاسة الفلسطينية وعن انعقاد مجلس الحكومة الفلسطينية، وعن نشاط وزارة الخارجية الفلسطينية ومقالات أخرى لها علاقة بالثقافة الفلسطينية والتعليم والقدس وأسرلة المنهاج فيها، وعن نابلس وحصارها وعن جنين والشهداء والجرحى والأسرى، والأسرى المرضى والأسرى الأطفال، والجثامين المأسورة ومعاناة ذوي الأسرى، وحتى عن الأونروا وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين، والاعتداءات الصهيونية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني وكثير من الأخبار المهمة للقضية الفلسطينية. هذا التوسّع في الاهتمام بقضية فلسطين، بشكل عام، وقضية الأسرى الفلسطينيين على وجه الخصوص، يعكس حجم الاهتمام والاستجابة العالية التي قوبلت بها هذه التجربة الرائدة والرائعة من الأشقاء الجزائريين، بعد سنوات طويلة من الإهمال والإغفال العربي تملأ الصحف كل الصحف في الجزائر بفضل هذا الحب والانتماء العروبي الأصيل، وبفضل الإعلام الجزائري العتيد وتوحده بكافة أشكاله وألوانه، في دعم وإسناد قضية الأسرى الفلسطينيين العادلة وليضرب لنا وللعالم نموذجًا يحتذى به وتجربة راقية ورائعة يجب استنساخها وتعميمها إلى باقي الدول العربية، والدول الصديقة أيضًا. طوبى للجزائر وشعبها الثائر التي بقيت تدعم موقف فلسطين كيف ماكان وما بدلت تبديلا.