لم يكن الوضع السياسي المثقل بالعراقيل وحده من يُثقل أجندة الرئيس عبد المجيد تبون بعد توليه سدّة الحكم، فالتركة الاقتصادية المنهكة التي ورثها الرئيس، غلب عليها الطابع الاجتماعي والسياسي، ما فرض التعجيل باتخاذ خطوات سريعة لتصحيح المسار الاقتصادي للبلاد، وتجاوز أزمة تراجع أسعار النفط وانكماش الاقتصاد الوطني، والأوضاع التي كادت أن تعصف بمقدرات البلد. تصحيح المسار الاقتصادي يمر بالاعتراف بمواطن الضعف لدى الاقتصاد الجزائري، وهو ما لم يتردّد في الكشف عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فكان الاعتراف بواقع الاقتصاد الذي يعتمد على الريّع النفطي أولى خطوات الإصلاح الاقتصادي، واسترجاع ثقة الشعب في الحكومة، هذه الأخيرة وبتكليف من القاضي الأوّل في البلاد، سارعت إلى تطبيق أوامر الرئيس تبون المتعلقة بالرفع من الصادرات خارج المحروقات. تحدّيات الصّادرات كان الرّهان منذ تولي الرئيس تبون سدّة الحكم، على رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات الى 5 ملايير دولار، وهو ما تحقّق خلال نهاية عام 2021، والرقم المحقق خلال العام الماضي تجاوزته الجزائر نهاية شهر سبتمبر المنصرم، إثر بلوغ حجم الصادرات خارج المحروقات في التسع أشهر الأولى من السنة الجارية إلى 5 ملايير دولار، وهو رقم يعزّز النّجاح في بلوغ تحدّي هذا العام المحدد بنحو 7 ملايير دولار من الصادرات خارج المحروقات، وهو رقم متوقع بلوغه نهاية العام نتيجة حركية كبيرة في ملف التجارة الخارجية، ومساعي تنويع وتوسيع مصادر دخل البلاد، تحقيقا لأبعاد مخطط الإنعاش الاقتصادي، في إطار إصلاحات اقتصادية عميقة باشرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ بداية سنة 2020. التوقعات ببلوغ 7 مليار دولار مع نهاية السنة، تستند على مخططات عمل الحكومة حسب تأكيد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، خلال افتتاحه منتدى التصدير شهر أكتوبر الماضي، إذ دعا إلى العمل على رفع الصادرات خارج المحروقات إلى 10 مليار دولار في العام المقبل 2023. وتمثل الأرقام المسجلة إلى غاية الآن، بحسب متابعين للشأن الاقتصادي، قفزة نوعية في ملف التجارة الخارجية، لم يسبق للجزائر أن حقّقتها، وتؤشّر على سنة إقلاع اقتصادي، مثلما أكّده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة. تنويع الاقتصاد لم يكن لارتفاع أسعار النفط أي تأثير عكسي على الإصلاحات الهيكلية المعلنة في الاقتصاد الجزائري، ويرى كثير من متابعي الشأن الاقتصادي بالجزائر، أنّ الأرقام المقدّمة لحد الآن، تؤكّد أن انتعاش أسعار النفط في الأسواق العالمية، لم يضعف الإلحاح المتزايد على تنويع الاقتصاد الجزائري، فالارتفاع في سعر برميل النفط، اتّخذت منه الحكومة الجزائرية بتوجيهات من رئيس الجمهورية، سندا في تمويل مشاريع تدعم التوجه نحو تنويع الاقتصاد. وحتى لا تلدغ الجزائر من تهاوي أسعار النفط مرتين وثلاث، واصلت الحكومة - رغم الأريحية التي يوفّرها ارتفاع سعر البترول - تطبيق أوامر الرئيس تبون المتعلقة بالإصلاحات العميقة للاقتصاد الوطني، وتمّ إصدار قانون الاستثمار الجديد خلال سنة 2022، وهو القانون الذي يشجّع رأس المال الأجنبي، ويؤسّس لقاعدة استثمار مستقرّة لأمد طويل. تحسين مناخ الاستثمار في الجزائر، والإصلاحات التي أتى بها قانون الاستثمار الجديد عديدة ومتنوّعة، فالقانون الذي صدر هذا العام، عزّز حرية أكبر للمستثمر الأجنبي، وشجع على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الجزائر، فالمستثمر الأجنبي لم يعد بحاجة اليوم الى شريك جزائري ضمن قاعدة 51 - 49، وفق شروط حدّدها القانون، بالإضافة الى إنشاء شباك رمزي من أجل متابعة الاستثمار الأجنبي وتشجيعه. وفي كل حال، فإنّ قانون الاستثمار ليس سوى فصل من مجموع الإصلاحات التي أقرّها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من أجل تمتين قواعد الاقتصاد الجزائري، وهو ما نلمسه من خلال جملة القوانين التي مسّت الجوانب التنظيمية لنشاط المؤسّسات الاقتصادية في البلاد. المؤسّسات النّاشئة تعزيز التّجارة الخارجية والعمل على وضع قاعدة صلبة للإنتاج المحلي، والتأسيس لاقتصاد منتج للثروة بعيدا عن الريع البترولي، يتجلى في حرص الرئيس تبون على التأسيس لاقتصاد المعرفة، ودعم المؤسسات الناشئة عن طريق التشجيع على الابتكار، ووضع آليات كفيلة بتحفيز الطلبة الجامعيين على التوجه نحو إنشاء مؤسسات مصغّرة، وحماية براءات اختراعاتهم. وأمام التّحدّيات الاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم، يرى كثير من المتتبعين أن الحفاظ على التنمية المستدامة يمر عبر المؤسسات الناشئة التي تأتي بالقيمة المضافة لأي بلد، وتمنح حلولا متجدّدة للمستهلكين، وأصحاب المؤسسات الكبرى، ولقد تعامل الرئيس تبون مع هذا القطاع بحكمة متّقدة وبصيرة نفاذة، حيث أمر بمرافقة هذا القطاع الحيوي، وخصّص له دائرة وزارية تعمل على تذليل الصعوبات التي تقف في طريق ازدهاره. وبفضل الدعم المقدم من طرف الحكومة، والإجراءات المتخذة في دعم حاضنات الأعمال وحماية براءات الاختراع للشباب الجزائري، تطبيقا لأوامر الرئيس تبون، تمكّنت الجزائر، وفي ظرف وجيز، من تصدير عديد المنتجات التي كانت بالأمس القريب تستوردها بمبالغ تحسب على خزينة الدولة. قرارات تاريخية تحويل المنتجات الزراعية وتصديرها وتعزيز الفلاحة من أهم الخطوات المتخذة هذا العام، فرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يولي اهتماما بالغا للنهوض بالقطاع الفلاحي، حيث سهر خلال سنة 2022 على اتخاذ قرارات تاريخية لصالح القطاع الفلاحي، أهمها تلك القرارات التي أعلنها مجلس الوزراء شهر أكتوبر الماضي. وقرّر رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء المنعقد في الثاني من شهر أكتوبر، إخراج القطاع الفلاحي من الطابع الاجتماعي التقليدي إلى القطاع العلمي وفق نظرة عصرية، فضلا عن اعتماد تقنيات جديدة في بناء المخازن وتغيير الإدارة التقليدية في تسيير الفلاحة. ولتعزيز قدرات الفلاحين، وإيمانا من الرئيس عبد المجيد تبون، بأنّ المكننة تعد دعامة أساسية لتطوير القطاع الفلاحي في الجزائر، قرّر السّماح باستيراد العتاد الفلاحي بكل أنواعه وقطع غياره والجرارات الفلاحية الأقل من 5 سنوات، وإخراج القطاع من الطابع الاجتماعي التقليدي إلى القطاع العلمي، كما حثّ رئيس الجمهورية على إنشاء الشركات الناشئة والمؤسّسات المصغّرة لمعصرات الزيت والحبوب الزيتية. قطاع المناجم يسترجع أنفاسه خطف قطاع المناجم الأضواء هذا العام بعد التفاتة جادّة من أعلى سلطة بالبلاد بعدما قرّرت الحكومة وبتعليمات من الرئيس عبد المجيد تبون، الشروع في العمل والإنتاج بواحد من أكبر مناجم الحديد عبر العالم، مغيّرة بذلك خارطة احتياطي الحديد عبر المعمورة، ورافعة من قدرات الجزائر الى مصاف كبار منتجي الحديد عبر العالم. ويحتوي منجم غار جبيلات على احتياطات تقدر ب 3 مليارات طن، سهلة الاستغلال كونها مكامن سطحية، ما سيسمح بتلبية الطلب الداخلي وتصدير الفائض، وتضمّن المشروع إنشاء عدة مشاريع مرافقة له، على غرار ربطه بخط للسكك الحديدية لنقله إلى موانئ التصدير في الشمال الجزائري بكل من وهران ومستغانم، وتحويل جزء منه إلى حديد صلب.