أيها الناس: ارفعوا أعلام فلسطين بألوانه الأربعة، احتفلوا وغنوا بأعلى أصواتكم، ارتدوا الكوفيات رداً على العنصرية الصهيونية المتغوّلة في دولة الاحتلال الصهيوني، زوروا الأسيرين كريم وماهر يونس وكل أسير فلسطيني وعائلته، كونوا بشراً طبيعيين كأن الاحتلال غير موجود، ستجدون حينها أن هذا المحتل قد تقلص واختفى أمام الإرادة والوحدة والعزيمة والإصرار، ستجدون أن المستوطنات ونقاط التفتيش والمراقبة لا ترانا ونحن نسافر في زمن أرواحنا المتوثبة خارج الدائرة، ستجدون كم دولة الاحتلال خائفة ومرتعبة، زوروا الأسيرين كريم وماهر وكونوا موج البحر الفلسطيني الذي يحشد أمواجه العالية. أيها الناس: زوروا كريم وماهر يونس في قريتي عارة وعرعرة، تستقبلكم بيوتكم التي دمرت وهجرتم منها بالقوة المسلحة، تستقبلكم الأشجار والأعشاب والبساتين الخضراء، الطيور والذكريات ورائحة التراب والعسل الأحمر، تستقبلكم الأشعار والأناشيد والفراشات الملونة، زوروهم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فالطريق إلى البيت أجمل من البيت كما قال محمود درويش، إنها التمرد والمحاولة، عندها يسقط القيد، وتفشل جريمة الفصل العنصري وسياسة تهويد فلسطين التاريخية وتكريس الكيان الصهيوني وتعزيز الاستيطان، كونوا هناك بزفيركم وشهيقكم فكل شيء يشبهكم، ينادي عليكم فلا تنفوا أنفسكم مرة ثانية. لقد بدأ هذا العام 2023 ويوماً يوماً بسقوط الشهداء وزهق الأرواح على يد جيش الذبح الصهيوني، تعليمات عسكرية بقتل أي فلسطيني لأنه فلسطيني، وواضح أن العنصرية الصهيونية الدينية المتطرّفة التي تحكم السلطة في الكيان الصهيوني أعلنت الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني باتخاذ سلسلة من القرارات والتشريعات والقوانين التي تستهدف إبادة ما تبقى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وأحلامه المشروعة بالحرية والاستقلال. الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرّفة تطارد الفلسطيني في كل شيء حياً وميتاً، وكأن المطلوب أن يختفي هذا الفلسطيني من الحيز العام ومن الخريطة السياسية، ويتحوّل إلى ما يشبه الإنسان وأقل من ذلك، إلى عبد أو جثة، لا حقوق ولا أحلام، ممنوع أن يفرح الفلسطيني باستقبال أسيرين أفرج عنهما بعد 40 عاماً في السجون ككريم يونس وماهر يونس، ممنوع حتى أن يحزن في جنازة ولده الشهيد، أن يتجمّد الحزن كما يتجمد الجثمان في ثلاجة الموتى الباردة، ممنوع أن يرفع علماً فلسطينياً ويعبر عن مشاعره في أية مناسبة، ممنوع أن يبني بيتاً في أرضه أو بئراً أو أن يتحرّك من مدينة إلى مدينة، ممنوع أن يفكر أو يكتب أو يغضب أو يتذكر، ممنوع أن يخاطب المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية للمطالبة بحق تقرير مصيره وتطبيق قرارات الشرعية الدولية. عندما يسيطر الفكر العنصري على عقلية هؤلاء المحتلين، ويعربد المتطرّف ايتمار بن غفير في الساحة، ويطلب أن يبنى قبراً أو زنزانة ضيقة معتمة لكل فلسطيني، مشروع قانون إعدام المعتقلين وتشديد الإجراءات والتقييدات عليهم بالسجون، سرقة أموال الأسرى والشهداء وقرصنتها، منع تنظيم الاحتفالات بتحرير الأسرى واستقبالهم، عدم نصب الخيام لاستقبال المهنئين، منع رفع العلم الفلسطيني أو أية مظاهر احتفالية، سحب الجنسية وإلغاء الإقامة والمواطنة من أهالينا في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، وعندما زار هذا العنصري الإرهابي الأقسام الجديدة في سجن نفحه، يستفزه مروان البرغوثي ووليد دقة، يستفزه أحمد سعدات وحسن سلامة، تستفزه الحياة الصاخبة في تلك الصحراء، يجأر ويأمر برفع العلم الصهيوني أمام كل زنزانة، وبعد إنهاء جولته يخرج مرتجفاً قائلاً فقدنا السيطرة، السجون حاضنة للتمرد في وجهنا وللانتفاضات القادمة. لقد أصاب الهلع كيان الاحتلال الصهيونى لمجرد استقبال الأسير كريم يونس والاحتفال بحريته بعد أن قضى سنوات طويلة خلف القضبان، استنفرت قواتها وشرطتها وكشرت عن أنيابها وهدّدت وتوعّدت عندما رأت الناس يرفعون أعلام فلسطين، ويحتضنون ابنهم المناضل الذي عاد بعد غياب طويل، هذه الدولة خرج الوحش من أعماقها بعد أن تهاوى الجدار وعجزت ترسانتها المسلحة من منع الفرح الفلسطيني وانطلاقه في الفضاء، هذا الفرح الفلسطيني السلمي وإن كان ناقصاً فيبدو أنه يشكل خطراً على أمن ووجود الكيان الصهيوني، هذه الدولة لم تعد تحتمل رؤية الناس يحتفلون ويبتهجون ويغنون ويرقصون ويدبكون ويلتقون جزءاً عزيزاً من أجسادهم وأرواحهم داخل أراضينا عام 1948. شكراً لطلاب المدارس والمؤسسات التي كتبت مليون برقية تهنئة للأسيرين كريم وماهر، كان استفتاءً من أجيالنا الناشئة على قدسية الحرية، وكان وفاءً من طلبتنا الذين في كل صباح ينشدون السلام الوطني الفلسطيني ويرفعون أعلام فلسطين، علم الوطن، فوق كل مدرسة، إنها رسائل جيل يقرأ العلوم جيداً، القوانين الكمية، الجاذبية ومصادر القوة، الحركة الدائرية، الطاقة في الوعي والعقل، التسارع والتمرّد على الجمود والقوانين الميكانيكية. أيها الناس زوروا كريم وماهر يونس، ارفعوا أعلام فلسطين، ستعرفون حينها كيف تكتبون روايتكم وتسردون حكايتكم، ستعودون أحياء من جديد، منتصرين وليس مغلوبين، اكتبوا روايتكم، افضحوا دولة دينية عسكرتارية تشرعن التفوق العرقي باسم التوراة والأساطير الخرافية المسلحة، من هذه الدولة التي تدعي أن الله اختارها من بين شعوب الأرض؟ كيف يختار الله قتلة ليكونوا أحبابه المتميزين المختارين؟ إنه الجنون والمرض العقلي والهلوسة. أيها الناس: زوروا كريم وماهر يونس، لا تحتاجون إلى تصاريح، فزيارة الإنسان لجزء من جسده لا يحتاج إلى إذن من أحد، سوف تشعرون بسيادتكم على أنفسكم وعلى أرضكم، وستخبركم الطبيعة البريئة أنه ليس هناك ما يسمى أرض الصهاينة التوراتية أو الكيان الديموقراطي، إنها أكاذيب وأراجيف اخترعها الصهاينة باسم القداسة لتبرير قتلنا ونفينا من المكان والزمان، زوروهم، لهذه الشجرة عينان، ولهذه الصخور العتيقة شكل إنسان كنعاني، لهذه الحضارة رائحة تشبهنا، لهذه السهول المديدة نبض حصان وخطوات غزال، تراب يختزن الدم كما الخميرة. أيها الناس زوروا كريم وماهر يونس، سيخبرونكم عن تلك السجون التي صممت لطحن وسحق الإنسان المناضل، القمع والعزل والقهر والحرمان والتعامل مع الإنسان الأسير بذل ودونية، سيشرحون لكم عن مناهج التعذيب والجرائم الطبية، شهداء ولا زال دمهم ساخناً على الحيطان، أطفال صغار يعتقلون ويعذبون وينكل بهم وتهدم نفوسهم البريئة، سيخبرونكم عن تلك القوانين التي تتماهى مع القوانين العنصرية، هي جهنم الصهيونية، الأسس الأيديولوجية التي تسوغ الاضطهاد والجرائم الإنسانية، دولة بلا أخلاق، تحلل القتل وتعيش في العفن والرطوبة، تستمتع بالحرب وتنتج الإرهاب والإرهابيين، دولة تعيش في معسكر وتمارس حياتها في ظلام الأقبية. أيها الناس زوروا كريم وماهر يونس، ارفعوا أعلام فلسطين، عندها تكتشفون أن المفتاح يتحرّك في قفل الباب، التضحية من أجل الحرية هي القوة العظمى التي لا يمكن إلقاء القبض عليها، مارسوا حق العودة ولو رمزياً، اقفزوا عن الأسلاك والحواجز، حرروا كريم وماهر من الاغتراب والدهشة، أجيبوا على كل الأسئلة، لا تتركوهم وحدهم في وسط هذا الاستبداد الصهيوني الذي ينوي بناء سجن آخر على ما بقي من أعمارهم، اطردوا بن غفير من الوعي ومن ساحة المدينة، لا تسمحوا أن يمارس معتقداته الحربية العنصرية على شعبنا وينجح في مشاريع المحو والإزالة والإقصاء، لا تسمحوا أن يتحوّل الاحتلال المؤقت إلى احتلال دائم وواقع سياسي، اتخذوا قراراً جماهيرياً وكونوا هناك في عارة وعرعرة، وحدوا الجغرافيا بأجسادكم وأعلامكم، وانهضوا قبل أن تصل عتبات بيوتكم تلك المستوطنة أو تقتلكم تلك الرصاصة الغادرة. يا سيدي المستقبل أيها البعيد القريب هذا النهار قصير قصير الشمس حمراء في هذه السنة الجديدة نحتاج أن نجلس وجهاً لوجه مع الوقت الشمس ترفض أن تغيب.