مناطق الظل مكامن للثروة حظيت باهتمام الحكومة ضرورة التفكير لاستدامة الأنظمة الزراعية 80 قنصلية جزائرية بالخارج مجنّدة للترويج للمنتج الفلاحي الجزائري الحمضيات.. التمور والزيوت الجزائرية.. منتجات مطلوبة بأسواق عالمية تبنّت الجزائر إستراتيجية ترمي إلى استغلال كل الطاقات الممكنة، وتجندت لأجل الترويج للمنتج المحلي، والحرص على إسهام جميع المناطق في العملية التنموية بما يتماشى مع خصوصية كل منطقة من أجل ترقية الاقتصاد الوطني.. هذا ما تناولته "الشعب" في حوارها مع أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة تولوز، لطفي غرناوط، أحد خبراء الجزائر الذي وبالرغم من تواجدهم بالخارج، إلا أنهم يتابعون باهتمام مستجدات الساحة الاقتصادية الجزائرية، محاولين المساهمة بخبراتهم من أجل تطوير الاستراتجيات التي من شأنها دعم الاقتصاد الوطني. الشعب: تبنت الجزائر إستراتيجية تنموية اقتصادية بامتياز، ونلاحظ حرص وتأكيد رئيس الجمهورية على أن تكون الانطلاقة من المناطق الريفية، كخط دفاع لحماية الأمن الغذائي للبلاد ومركز ثقل للمنظومة الاقتصادية التي تعمل الحكومة على تجسيدها. هل لكم أن تقدموا لنا رؤيتكم؟ أستاذ الاقتصاد لطفي غرناوط: التوجيهات الأخيرة، لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بخصوص الشق المتعلق بتطوير شعبة الحبوب والتنمية الريفية، تؤكد على الاهتمام الخاص والاختيار الصائب للسلطات العمومية بهذا القطاع الاستراتيجي كأحد ركائز الأمن الغذائي والتجديد الاقتصادي. فالنتائج التي تم تحقيقها في السنتين الأخيرتين في العديد من الشعب الفلاحية، خاصة تلك المتعلقة بشعبة الزراعات الواسعة، ونسبة مساهمة قطاع الفلاحة في الناتج المحلي الخام لسنة 2022 تجاوز 14.7 %، مقارنة مع سنة 2021 حيث سجلت خلالها نسبة 12%، مستجيبا بذلك لحوالي 74 % من الحاجيات الغذائية للمستهلك الجزائري، لتضطر الجزائر إلى استيراد ما تبقى من حاجياتها من الحبوب والحليب من الخارج. مما دفع رئيس الجمهورية خلال العديد من مجالس الوزراء إلى التركيز على الزراعات الإستراتيجية خاصة القمح اللين وإنتاج الحليب، الذي أصبح يشكل عبئا على الخزينة العمومية، خاصة وأن استهلاكهما في تزايد مطرد مع نسبة النمو الديموغرافي بالجزائر. كما أنه وفي ظل السياق العالمي الجيو- استراتيجي غير المستقر، نرى أن أسعار الأسواق الدولية في تزايد مستمر فيما يخص المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك. فبالرغم من أن تقارير المنظمات الاقتصادية العالمية قد أبدت ارتياحا لما تمكنت الجزائر من تحقيقه فيما يتعلق بأمنها الغذائي، مقارنة مع دول أوربية حيث تحتل المرتبة الأولى إفريقيا، إلا أن السلطات العمومية لازالت عاكفة على بذل المزيد من الجهود من أجل ضمان اكتفائها الذاتي. - العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الواسعة الاستهلاك، يتطلب مجهودات متسلسلة ومتكاملة بين جميع الفاعلين والمتدخلين في جميع الشعب الفلاحية، بداية من الفلاح الذي يحتاج اليوم إلى دعم كبير مقارنة بما ينتظر منه.. ما قولكم؟ فيما يخص شعبة القمح اللين، فإن مردودية الهكتار الواحد من هذه المادة لا تزال ضعيفة بالمقارنة مع المؤهلات والإمكانيات المسخرة، ولا تتجاوز ال 17 قنطار/الهكتار الواحد، وفي هذا الصدد كان رئيس الجمهورية قد أمر القطاعات المعنية برفع الإنتاج إلى 30 قنطارا/هكتارا، خاصة وأن كل الإمكانيات متوفرة في ظل الأريحية المالية التي تعرفها بلادنا منذ ثلاث سنوات، فالغلاف المالي المخصص في إطار قانون المالية، للتنمية الريفية وقطاع الفلاحة بجميع شعبه يعتبر تاريخيا، يجب أن يوجه أساسا لبعث الاستثمارات الفلاحية ومضاعفة المشاريع الهيكلية لتنظيم الإنتاج. إن تطوير هذه الشعبة الإستراتيجية يتمحور حول تنظيمها بشكل فعلي من المنبع إلى المصب من خلال ربط جميع الحلقات الإنتاجية من أجل تجسيد هذا التكامل والتنسيق لوضع إستراتيجية قطاعية متكاملة من الإنتاج حتى التسويق مع مراعاة جميع المحطات الإدارية، التنظيمية، التقنية واللوجيستيكية. وعلى السلطات مضاعفة الجهود المبذولة من أجل دعم الفلاح كعنصر رئيسي في الحلقة الإنتاجية، بوضع المزيد من التحفيزات والضمانات، كمواصلة التحفيزات المالية على أسعار اقتناء المحصول، وهو ما قام به رئيس الجمهورية السنة الماضية بتسجيل زيادات على سعر اقتناء المحصول من الفلاح، كدعم مباشر له بمواصلة الإنتاج ومواصلة جهوده لمضاعفة الإنتاج، وتحيين أسعار المحصول تماشيا مع أسعار الأسواق العالمية، إلى جانب مواصلة تسهيل حصول الفلاحين على قروض بنكية بشكل مستمر مما سيسهل عليهم الحصول على التكنولوجيات الحديثة، حيث تعتبر مكننة القطاع الفلاحي، أهم عوامل الإنتاج، خاصة ما تعلق بالشعب الإستراتيجية التي تتطلب متابعة تقنية عالية الدقة والصرامة. - مضاعفة الإنتاج من الزراعات الواسعة، هو هدف مشترك بين السلطات العمومية، الفلاح والمستثمر، ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها والضمانات التي يمكن تقديمها للفلاح من أجل تحقيق ذلك؟ يحتاج الفلاح اليوم ضمانات تقدمها الدولة فيما يخص حماية منتوجه الفلاحي من الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات والأوبئة التي من شأنها إتلاف محصوله، حيث يستوجب على الحكومة اليوم إعادة النظر في المنظومة التأمينية التي تؤطر القطاع الفلاحي. تقنيا، تعتبر المساحات المخصصة للزراعة خاصة المسقية منها من أقوى المعيقات التي تحول ووفرة الإنتاج وهذا راجع للطبيعة المناخية للجزائر. وفي هذا الإطار نثمن توجه الحكومة نحو تحويل الزراعات الواسعة والزراعات الكبرى إلى الولايات الجنوبية، من خلال استحداث الديوان الوطني للزراعات الصحراوية، التي تسمح باستعمال التقنيات والتكنولوجيات الحديثة للرفع من الإنتاجية إضافة إلى توفرها على مخزون معتبر من المياه الجوفية حيث أثبتت الدراسات الجيولوجية على إن الجزائر تزخر بكميات معتبرة من المياه الجوفية، غير المستغلة وهنا يمكن الربط بين الثروات الطبيعية والميزانية التاريخية التي استفاد منها القطاع الفلاحي وجعلها في خدمة الفلاحة وتحرير الزراعة الإستراتيجية من التبعية للأمطار من خلال استخدام معدات الري الحديثة المقتصدة للمياه، دون التغاضي عن الصرامة في إتباع المسارات التقنية حسب خصوصية كل منطقة إنتاجية مع مراعاة التغيرات المناخية واحترام المعايير العلمية في كل مرحلة من مراحل المسار التقني ابتدءا من اختيار البذور الملائمة بطريقة مؤمنة إلى عملية البذر والتسميد ونزع الأعشاب والري وصولا إلى عملية الحصاد . وفيما يخص هذه الأخيرة فقد أثبتت الدراسات على أن هذه الأخيرة تتعرض إلى تضييع حوالي 20% من المحصول بسبب عدم ملائمة الآلات القديمة المستعملة في عملية الحصاد، مسؤولية يجب أن تتحملها السلطات المحلية من خلال التحضير للمرحلة من خلال إحداث تكامل بين كل المتدخلين في هذه المراحل بما فيهم الخبراء والفاعلين في البحث العلمي حيث آن الأوان لتطبيق مخرجات البحوث العلمية الأكاديمية في الميدان. كما يجب الرفع من المساحات الزراعية المسقية خاصة وأن نصف المساحة المقدرة ب 3.7 مليون هكتار المخصصة لزراعة الحبوب غير المسقية. - كل إستراتيجية مبنية على أهداف مستقبلية يجب تحقيقها، ما هو تصوركم لإستراتيجية فلاحية تشمل جميع الشعب، وتمكن من إدماج المناطق الريفية، ضمن مقاربتها؟ لا يمكن تحديد أهداف مستقبلية، دون تخطيط استراتيجي يقضي على المعيقات التي تعترض الفلاحة بما فيها المعيقات المناخية التي لا يمكن التصدي لها إلا بالاستثمار في المعدات عالية التكنولوجيا. الجزائر فتحت ورشة واسعة من أجل توسيع مساحاتها الفلاحية وتطبيق مخرجات البحث العلمي الأكاديمي التي يعكس بنك البذور الذي تم استحداثه عزم السلطات العمومية على استخدام العلم والتكنولوجيا في مقاربتها الزراعية الجديدة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من البذور، الذي من المتوقع أن تصل نسبته إلى 80 % خلال السنة الجارية. كذلك يجب تسطير بلوغ حجم تخزين المحاصيل بنوعيها المحلية والمستوردة، يصل إلى 100%، كهدف يجب بلوغه بعد أن بلغنا حاليا 60 % من القدرة على التخزين. كما ستساعد رقمنة دواوين الحبوب ودواوين التخزين من عملية التواصل مع الفلاحين خلال عملية الحصاد. بالنسبة لشعبتي الحليب واللحوم فتبقى مرهونتين بمدى تطور إنتاج الأعلاف الخضراء والأعلاف المركزة، كالذرى الصفراء التي تكلف فاتورة كبيرة والحل يكمن في تحفيز الفلاح والمستثمرين على إدخال هذا النوع من الأعلاف في الدورة الزراعية إلى جانب تخصيص مناطق زراعية معينة لإنتاجها من أجل امتصاص الأراضي البور وإدخال الأعلاف ضمن قائمة المنتجات الزراعية. كما يجب تشجيع منتجي الحليب من خلال مضاعفة هوامش الدعم لكل المتدخلين في العملية الإنتاجية، فشعبة الحليب تحتاج إعادة النظر في تنظيمها، حيث تعرف شعبتي الحليب واللحوم عملية إحصاء شاملة كأرضية لبلورة إستراتيجية فلاحية واسعة. - ألا ترون أن مسألة الأمن الغذائي، قد بلغت من الجدية والحساسية، ما يحتم متابعة صارمة وعلى أعلى مستويات القرار، تحسبا لما ستفرزه المتغيرات العالمية مستقبلا؟ لقد دعا العديد من الخبراء والإستراتيجيين في المجال الفلاحي إلى إعادة النظر في العديد من السياسات الفلاحية المعتمدة، بما فيها استحداث مجلس أو هيئة استشارية عليا متخصصة في بلورة وتجسيد التوصيات الفاعلين في البحث العلمي من باحثين وأكاديميين وهيئات علمية من أجل ضبط الاستراتيجيات كوسيلة للتقييم والمتابعة، تمكنها من المساهمة في صنع القرار وفق التطورات الجيو- إستراتيجية العالمية والمتغيرات المناخية كالاحتباس الحراري، الجفاف، التصحر وغيرها من أجل ضمان استمرارية الإنتاج الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي. وهو ما نتمنى أن نراه مجسدا قريبا بالجزائر. - تعيش الجزائر انتعاشا اقتصاديا، ترجمت نتائجه في تمكنها من تحقيق 7 ملايير دولار، عائدات الصادرات خارج المحروقات، للمنتوج الفلاحي نصيب مهم منها، كيف تقيمون تجربة الجزائر في مجال التصدير الفلاحي؟ قطعت الجزائر شوطا كبيرا في مجال تصدير المنتجات الفلاحية التي حققت اكتفائها الذاتي منها لتتوجه اليوم إلى تصدير الفائض، من خلال النتائج التي حققتها شعبتي الخضر والفواكه. ومن أجل الاستمرار في هذا المسار، يجب على المنتجات الفلاحية الجزائرية أن تستجيب للقاعدة التنافسية العالمية، أمام وفرة وتنوع العرض العالمي من المنتجات الفلاحية والمواد الغذائية. فالتصدير فرصة مهمة للفلاح الجزائري من أجل التعريف بمنتوجه وتسويقه وإعادة التوازن للميزان التجاري الفلاحي الجزائري الذي يسجل عجزا كبيرا لانخفاض نسبة الصادرات الجزائرية من المنتجات الفلاحية عدا التمور وبعض المنتجات الزيتية، ذات الصيت العالمي، والتي قطعت الجزائر شوطا كبيرا في إنتاجها وتصديرها. وضرورة الاستفادة من عدة مؤشرات ايجابية كتحكم الفلاحين والعديد من المؤسسات المصدرة في جودة المنتجات الجزائرية الموجهة للتصدير وإلمامهم بدفاتر شروط الدول المستقبلة. وقوة الإستراتيجية اللوجيستيكية وما تعلق بها من هياكل الإنتاج والتخزين والتوزيع. إلى جانب مساهمة القنصليات الجزائرية بالخارج البالغ عدد 80 قنصلية، في الترويج للمنتوج الجزائري وتحديد قيمة الطلب عليه من أجل ضبط الإنتاج حسب الطلب من أجل تخصيص مساحات زراعية لإنتاج المحاصيل الموجهة للتصدير بصفة مستدامة لتلبية طلب الأسواق الخارجية التي عرفت انتعاشا متزايدا في السنتين الأخيرتين. كما يتوجب علينا تطوير الزراعات البيولوجية المطلوبة بكثرة عالميا، مع التأكيد على جودتها من خلال تطوير المدخلات وعقلنة الإنتاج. أما بالنسبة للتحويل الغذائي، فإن التسويق يعتبر مخرجا للفلاحين والمستثمرين الذين يواجهون مشاكلا فيما يخص فائض الإنتاج بسبب نقص أو غياب النسيج الصناعي بمحاذاة الأحواض الإنتاجية، وأمام نقص التحويل يجد الفلاح نفسه متكبدا لخسائر تحبط من رغبته لمواصلة نشاطه الفلاحي أو العمل على مضاعفته. - تحدث رئيس الجمهورية مؤخرا عن تخصيص مناطق غابية للتنمية الريفية، على غرار ما تم إصداره من قرارات بخصوص التنمية بولاية تيسمسيلت، كيف تقيّمون هذه الخطوة؟ إنها خطوة إستراتيجية مهمة، نتمنى أن يتم تعميمها على باقي الولايات التي تتميز بنفس المعطيات التنموية، وتأكيد صريح من طرف رئيس الجمهورية على اهتمامه بشق مهم جدا متعلق بالتنمية الريفية وتنمية مناطق الظل من أجل خلق إطار معيشي مناسب لسكان الأرياف لتوطيد علاقتهم بأراضيهم ومنعهم من النزوح إلى المدن، وإهمال النشاط الفلاحي. كما هو الحال بولاية تيسمسيلت، كمنطقة فلاحية بامتياز، تعرف بمناخها الملائم لإنتاج الحبوب. خاصة في ظل التوجه نحو مكننة وتحديث القطاع الفلاحي، الذي يواجه خطر فقدان اليد العاملة، وبالتالي خلق إطار معيشي ملائم ورواق صناعي مرافق للنشاط الفلاحي ومستقطب للمستثمرين.