يعدّ مشكل نقص عمال البناء والصيانة هاجسا يؤرق سكان ولاية تيزي وزو، وكذا الشركات والمؤسسات الخاصة والعمومية التي أخذت على عاتقها إنجاز العديد من مشاريع البناء المدرجة في إطار تطوير التنمية بالولاية، التي تعرف تراجعا لندرة اليد العاملة. ولمعرفة أسباب هذا الخلل الذي يشهده قطاع البناء والصيانة، اقتربت “الشعب" من العديد من العاملين على مستوى الورشات، وكذا المسؤولين بالمديرية التكوين المهني لتسليط الضوء على هذا العائق.ولعل مشقة هذه المهن ومخاطرها دفعت بالكثير من الشباب إلى البحث عن تكوين جديد تضمن لهم مستقبل أفضل بعيد عن المشقة والمخاطر التي تحدق بهم إزاء ممارستهم أشغال البناء، حيث غالبا ما يجد العاملون بهذا القطاع من دون تأمينات اجتماعية، ضف إلى ذلك انعدام الوسائل والأجهزة المتطورة التي تتطلبها هذه المهنة، فرغم تخرج العديد من الشباب من مراكز التكوين المهني سنويا، إلاّ أنّ النقص لا يزال سار بسبب رفض هؤلاء العمل مقابل المبالغ الزهيدة التي تعرض عليهم من قبل الزبائن، كونها لا تستجيب لمتطلباتهم وتطلعاتهم في الحياة، حيث يرون فيها مهنة من دون مستقبل خاصة في فترة ما بعد التقاعد، فصاحبها يجد نفسه بعد سنوات من العمل عالة على المجتمع وعلى أفراد أسرته كونه لا يحوز على أي دخل شهري حسب تصريحات أحد عمال البناء، وهو الوضع الذي أدى إلى نفور الشباب من حالة البؤس والفقر اللذان يرافقان هذه الشريحة التي تبقى العمود الفقري لدفع جل المشاريع التنموية المطروحة بالولاية. ووقفت الجريدة على نوعية الصعوبات التي يواجهها العمال بمجموعة من ورشات البناء في ضواحي الولاية، حيث لاحظنا غياب مختلف اللوازم الأساسية لعمل هؤلاء من حذاء ولباس مناسبين، حبال وآليات متطورة، حيث يعتمدون على بعض الوسائل التقليدية أين يتسلقون بنايات عالية على ظهر ألواح خشبية مثبتة بواسطة حبال لا تخلو من خطورة، ممّا يجعلهم عرضة للسقوط في أية لحظة وحين، باستعمالهم “السرير" أو “الجرارة" للصعود إلى قمم البنايات دون خوذة واقية. هذا دون نسيان الصعقات الكهربائية التي كثيرا ما تعرّض لها عمال ورشات مختلفة بالنظر للعشوائية التي يتم بها توصيل هذه الخيوط الكهربائية، التي يتم “أخذها" في غالب الأحيان من الأعمدة مباشرة، ليظل خطرها يتهدد المئات من العاملين بورشات البناء، ضف إلى ذلك خطر سقوط بعض الآليات كالرافعات الكبيرة.إنها أوضاع تستوجب اتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان سلامة كل عامل بمختلف ورشات البناء، بمراقبتها باستمرار والتأكد ميدانيا من مدى احترامها لمعايير السلامة التي أضحت مفقودة، وذلك تفاديا لوقوع الحوادث ذات الحصيلة المأساوية أحيانا، كما جاء على لسان بعض العاملين في هذا المجال. نقلنا الانشغال إلى أحد المقاولين الذي أكد حالات الانسداد التي يعانون منها بسبب هذه المعضلة، حيث صرح أنّه منذ انطلاقه في تشييد مشروع بناء حي سكني الذي لا يزال معطلا نتيجة قلة اليد العاملة الناشطة في هذا المجال، ورغم استعانته بإعلانات في الجرائد وكذا وكالات التشغيل المتوفرة عبر إقليم الولاية من أجل حل هذا المشكل، إلاّ أنّ الجميع يرفض الالتحاق بمثل هذا النوع من الشغل بما في ذلك الحائزين على شهادات التكوين في هذا المجال. وعن عزوف الشباب لممارسة هذا العمل، أكد محدثنا أن ذلك راجع إلى صعوبة هذا النشاط الذي ينهك جسدهم يوميا لشدة شقاء العمل ولعدم دفع رواتبهم الشهرية في آجالها المحددة، فغالبا ما يجد العامل نفسه يشتغل من دون أجرة ويبقى مدينا لأرباب العمل، ضف إلى ذلك غالبيتهم غير مؤمنين اجتماعيا، والعمل في هذا المجال أيضا ليس دائم بل يجد العامل نفسه بطالا لفترات طويلة خاصة في فصل الشتاء. هذا الوضع لا يقتصر فقط على ورشات البناء، بل طال حتى العائلات الراغبة في إعادة بناء وترميم منازلها، حيث يقول في هذا الشان عمي “محمد" أنّه قد باشر في إعادة بناء مطبخ منزله وتأهيله بمختلف التجهيزات العصرية، إلاّ أنّه وبعد شراء مختلف مواد البناء لم يتمكن من إيجاد بناء ومساعده، مؤكدا أنّ الوصول إليهما تستدعي وساطة وكذا موعدا قبل مباشرة الاشغال لتمكينه من إدراج الزبون في أجندة مواعيده، وكل هذا حسب ذات المتحدث راجع إلى غياب البنائين وعمال الصيانة الناتجة نتقص توجيه الشباب القاصدين لمراكز التكوين المهني إلى متطلبات سوق العمل. بدورها مسؤولة قطاع التكوين المهني أكدت أنّها في السنوات الأخيرة تيقّنت للمشكلة بناء على الشكاوى المرفوعة من المقاولين، أصبحت تقوم بتوجيه الشباب العاطلين عن العمل خاصة دون المستوى العلمي إلى هذه الحرف من أجل كسب شهادات تسمح لهم بضمان مستقبل أفضل، مع الحرص على تعليمهم كل ما طرا على هذا المجال من مستجدات، وذلك لتمكنهم من إدارة ورشات البناء دون مساعدة الأجانب الذين غزوا سوق العمل الجزائرية في الفترات الأخيرة، وذلك لقلة نقص الخبرة والتكوين في المجال، مضيفا أنّه سنويا تقوم الادارة بحملات تحسيسية بجميع الدوائر والبلديات عبر اقليم الولاية لتحفيز الشباب على الاقتراب إلى مراكز التكوين المهني من أجل تكوينهم في هذا المجال، مع إقامة دراسات مستقبلية من أجل حل هذا المشكل بصفة نهائية بالمنطقة، مؤكدة بأنّ الدفعات المتخرجة من مراكز التكوين المهني تفضل العمل في الورشات الكبرى لتوفرها على الوسائل والشروط اللازمة، التي تضمن لهم السلامة من المخاطر المحيطة بالبنائين، ناهيك عن الاستقرار الذي يحظى به هؤلاء بهذه الورشات حتى وإن كانت ظرفية.