بعد عشرين سنة عن إقرار المشروع تم مؤخرا تفعيل البنك المغاربي للإستثمار والتجارة الخارجية من خلال تخصيص مبلغ 100 مليون مليرن دولار كرأسمال البنك، تساهم فيه الدول المغاربية الخمسة بحصص متساوية أي 20 مليون دولار لكل دولة مغاربية . الخبر أعلن عنه في المؤتمر الخامس حول التكامل الإقتصادي المغاربي الذي عقد نهاية الأسبوع في العاصمة الموريطانية نواكشوط، بعد أن قرر محافظو البنوك المركزية المغاربية استغلال الموارد التي ستضح في البنك المغاربي من أجل تمويل عدة مشاريع مشتركة تمس بالدرجة الأولى الهياكل القاعدية والبنى التحتية كالطرقات و دعم التكنولوجيا الجديدة والطاقة على ضوءالإرتفاعات المستمرة التي تعرفها الأسعار في الأسواق العالمية الطاقوية . حضور القطاع الخاص في دول المغرب العربي له دلالات عميقة حول مشاركته في دعم أسس البناء المغاربي ماليا وإقتصاديا، وهي النظرة التي لطالما دعا إليها المنظرون وخبراء في البلدان المغاربية، بعد أن باتت عملية تقريب وجهات النظر السياسة صعبة المنال وكانت الركيزة التي من خلالها تصنع المواقف والقرارات ولم تؤد في الكثير من الأحيان إلاالى مزيد من التباعد والتنافر بين أهم الدول المشكلة للإتحاد المغاربي . أول لبنة واقعية، تكون قد شيدت في اتجاه تحقيق الوحدة الإقتصادية، خاصة وأنها ستضطلع إلى تجسيد هيئة مصرفية بأموال مغاربية لتمويل مشاريع مغاربية بدء من العام الجاري وقد تتدعم بآليات أخرى يفترض أن تكون ضمن انشغالات ومهام اللجنة التي تم تشكيلها في نفس المؤتمر من أجل رفع كل العراقيل التي لاتزال تعيق وضع عوامل التكامل الإقتصادي، بالنظر إلى ماآلت إليه جملة التوصيات التي خلصت إليها المؤتمرات الأربعة السابقة حول ذات الموضوع المنعقدة في كل من الجزائر والرباط وتونس وليبيا بدء من سنة 2005 إلى غاية 2008، لتتوقف لمدة أربع سنوات قبل أن تستأنف مطلع العام الجاري . من أجل إسراع عملية التقارب المالي المغاربي، تقرر عقد لقاءين في السنة بدء من مارس القادم، حيث كلفت اللجنة المشتركة التي يمثلها عضوين من كل دولة مغاربية وزارة المالية والبنك المركزي، ،ممثلين عن الأمانة العامة لإتحاد المغرب العربي، بمتابعة تنفيذ التوصيات وتقديم المقترحات تفاديا للوقوع مجددا في فخ التأخر في عملية تنفيذ قرارات المؤتمرات السابقة والتي كانت تدعو إلى المزيد من الإنسيابية في المعاملات التجارية وتوحيد الرؤى حول النظام المالي التكاملي واقحام المتعاملين الإقتصاد يين في المشاريع المشتركة . وعلى الرغم من الإمكانيات الهامة التي تتوفر عليها البلدان المغاربية وتنوعها من دولة إلى أخرى والإحتياجات المتبادلة فيما بينها، إلا أن ضعف التبادل التجاري ومحدودية الإستثمارات المغاربية، يبقى مرتبطا بغياب إرادة سياسية في بناء فضاء مغاربي وتشجيع الإستثمار الذي من شأنه تعزيز العوامل المؤدية إلى تحقيق التكامل، ولعل القرار الذي اتخذ لتفعيل البنك المغاربي للإستثمار والتجارة الخارجية، بما فيها إنشاء فروع تابعة له الدول المغاربية الخمسة، وإن عرف طريقه نحو الإنطلاق السريع والفعال، سيؤدي بكل تأكيد إلى إحداث تلك النقلة النوعية في تحريك باقي الملفات الأخرى المالية و الإقتصادية الأكثر تعقيدا وحساسية شريطة تحسين مناخ الإستثمار والأعمال يلعب فيه للقطاع الخاص دورا أساسيا في عملية التقارب الإقتصادي . يبقى التكتل المغاربي يحظى بمتابعة خاصة من طرف الهيئات والمؤسسات المالية والإقتصادية كالإتحاد الأوروبي الذي سبق وأن قدم جملة من الإقتراحات من أجل تسريع عملية التكتل الجهوي، أو صندوق النقد الدولي الذي كان حاضرا بقوة في المؤتمر الخامس من نوعه ممثلا في مديرته السيدة كريستين لاقارد التي اعترفت بوجود إمكانيات كبيرة في المغرب الغربي من أجل جذب الإستثمارات،التى أنها لا تزال بعيدة عن بلوغ تحقيق الهدف، ولم يتم استغلالها، على الرغم من ارتفاع مستوى تدفق الإستثمارات الأجنبية المباشرة بأكثر من أربع مرات خلال السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية و انعكاساتها المباشرة على تراجع التدفق المالي العالمي عموما . جدير بالملاحظة أن ماتبقى من الإستثمارات الأجنبية في دول المغرب العبي محصور في قطاعات محدودة، ومصدرها الأول من دول الإتحاد الأوروبي، ومع هذا فإن لاقارد تعتقد أن الإتحاد المغاربي يملك عدة مؤهلات من جغرافيا ملائمة وقربه من القارة العجوز أوروبا، وليس بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن توفره على اليد العاملة الشابة والرخيصة على حد سواء . وعادت لاقارد في توصياتها التي سبق للاتحاد الأوروبي وأن صاغها في شكل اقتراحات أطلقها قبل أسابيع قليلة إلى الدعوة لتحسين نوعية التعليم والتكوين تماشيا مع احتياجات سوق العمل، بالاضافة إلى الدعوة لاقامة نظام قضائي مستقل وعادل وآخر مالي لدعم النشاطات المنتجة وغيرها من الاقتراحات التي تصب في اتجاه الاسراع في إحداث التكامل الاقتصادي المغاربي وفق ما يشبه الاملاءات الخارجية التي تأتي تارة من المفوضية الأوروبية وتارة أخرى من هيئة صندوق النقد الدولي كحل يعتقد أنه الأنسب للتكفل بالمشاكل الاقتصادية الداخلية لدول الاتحاد، ولكن أيضا كفضاء جهوي ظل في حالة تشتت وسط التكتلات الاقليمية الأخرى، وبالتالي وجب التدخل الخارجي من أجل احتوائه تماشيا والمصالج الحيوسياسية والاقتصادية. رأسمال البنك المغاربي الذي حد مقره في تونس و المقدرب 500 مليون دولار عند إقراره كمشروع في سنة 1993، تراجع إلى 100 مليون دولار في آخر اجتماع خصص لإعادة بعثه وتفعيله، ورغم ضآلة المساهمة الفردية لكل دولة، إلا أن الأوضاع المالية والاقتصادية التي تعيشها بلدان المغرب العربي وخاصة تلك التي عاشت ربيعا عربيا قاسيا قد تؤجل عملية التفعيل الحقيقية للبنك المغاربي في تمويل المشاريع المشتركة، فضلا على أن الوضع المالي والاقتصادي في دول أخرى مثل المغرب و موريتانيا ستقف حجر عثرة أمام تحقيق المشروع المغاربي ولو بالامكانيات الزهيدة التي وضعت تحت تصرفه بالنظر إلى التباين الذي لايزال يطبع السياسات النقدية المصرفية وتناقضاتها، فضلا عن عدم وضوح معالم ومقومات استراتيجية العمل المغاربي المشترك في شتى القطاعات الاقتصادية المالية والتجارية.