انتهت أمس الهدنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على وقع اشتباكات متجدّدة في مواقع عدة بالخرطوم بينها محيط المطار والقصر الرئاسي، وفي الأثناء تواصلت عمليات إجلاء الرعايا الأجانب، وتسارعت موجة النزوح من العاصمة إلى ولايات أكثر أمنا مثل الجزيرة وود مدني. تتواصل عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الأجانب من السودان، التي تترافق مع تزايد المخاوف على مصير السودانيين عند انتهاء العمليات، في وقت تتواصل فيه المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من أسبوع. وأعلن الجيش الألماني عن وصول طائرة عسكرية ألمانية تقل 101 من الرعايا الألمان أقلعت من الخرطوم في طريقها إلى الأردن فيما لا تزال هناك طائرتان أخريان في السودان. وأضاف الجيش في بيان: "مئات الألمان في السودان سجلوا أسماءهم لدى وزارة الخارجية من أجل إجلائهم". وأشار الجيش إلى وجود آخرين لا يزالون بحاجة إلى الحماية ومعظمهم من دول أوروبية غير قادرة على إجلاء رعاياها. وأعلن الاتحاد الأوروبي أمس الاثنين إجلاء بعثة الاتحاد من السودان، كما أعلن الأردن، الأحد، عن إجلاء 343 أردني وفلسطيني وعراقيا وسوريا وألمانيا من السودان على متن 4 طائرات عسكرية أقلعت من مطار بورتسودان الدولي، متّجهة إلى مطار ماركا العسكري في العاصمة عمّان. بدورها، كشفت وزارة الخارجية الفرنسية عن وصول طائرتين عسكريتين فرنسيتين إلى جيبوتي تحملان زهاء 200 شخص من الرعايا الفرنسيين وجنسيات أخرى جرى إجلاؤهم من السودان. من جانبها، أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، عن إجلاء جميع مواطنيها الذين طلبوا بمغادرة السودان، والمقدر عددهم بنحو 200 شخص، بينهم مواطنون سويسريون . وأجلت إسبانيا نحو 100 شخص على متن طائرة عسكرية، من بينهم 30 إسبانيا، بحسب ما أفادت به وزارة الخارجية. وأفادت وزارة الخارجية المصرية مساء الأحد عن "إجلاء 436 مواطن من السودان عبر الإجلاء البري بالتنسيق مع السلطات السودانية". وغادر العاصمة السودانية الخرطوم ومدينة ودمدني نحو 1000 مواطن تركي برا باتجاه إثيوبيا. وأثارت عمليات الإجلاء مخاوف على مصير السودانيين العالقين وسط القتال. الأزمة الإنسانية تتفاقم وبالتوازي، تتفاقم الأزمة الإنسانية مع تعرض القطاع الصحي لضغوط كبيرة تنذر بانهياره، في حين انقطع التيار الكهربائي وتراجعت إمدادات مياه الشرب في العديد من أحياء الخرطوم. وفي الوقت نفسه أعلنت نقابة أطباء السودان ارتفاع حصيلة الضحايا من المدنيين حيث بلغت 273 قتيل و1579 جريح منذ بداية الاشتباكات قبل 11 يوما. المستشفيات تتحوّل إلى مدافن حوّلت المعارك التي لم تفلح معها محاولات التهدئة، الخرطوم ومدناً أخرى إلى ميادين حرب مفتوحة، وعرقلت تقديم الرعاية الصحية وعمل الأطباء، ووضعتهم تحت ضغوط إضافية في بلد عانى من النزاعات والعقوبات على مدى عقود. في العاصمة التي يقطنها زهاء خمسة ملايين نسمة، يروي أطباء ومرضى قصصاً مروّعة عن أوضاع مستشفيات باتت عاجزة عن إنجاز أحد أبسط المبادئ الإنسانية والدينية، وهي إكرام الميت دفنه. فضراوة المعارك واستمرارها لم يعد يسمح بنقل جثامين القتلى والمرضى لمواراثها الثرى. ويقول الأمين العام لنقابة أطباء السودان عطية عبد الله، إن في مستشفيات عدة "تبقى الجثث المتحللة في العنابر". ويشير إلى أن المعارك سبّبت "انهيار كامل وشامل لنظام الرعاية الصحية في البلاد، وأدت إلى امتلاء المشارح والشوارع بالجثث". وفي السياق، أعلنت منظمة الصحة العالمية الأحد سقوط ثمانية قتلى وجريحين من الأطقم الطبية المعالِجة. وبحسب نقابة الأطباء، تعرّض 13 مستشفى للقصف، وأخليت 19 منشأة طبية أخرى خلال ثمانية أيام من القتال. بالنسبة إلى الطواقم الطبية، كان السماح لنزلاء المستشفيات بالمغادرة عوضاً عن البقاء للعلاج خياراً صعباً للغاية، وخصوصاً مع استمرار الاشتباكات. ويوضح عبد الله: "وجدنا أنفسنا مضطرين إلى السماح للمرضى بالمغادرة. إذا بقوا فسيقتلون". بالإضافة إلى خطر الإصابة من جراء المعارك، تضع مغادرة المستشفى المرضى أمام مخاطر صحية أخرى. ويشير إلى أن حوالي ثلاثة أرباع المستشفيات أغلقت أبوابها، والمنشآت الطبية باتت تكتفي بتقديم خدمات الطوارئ وعلاج المصابين من جراء المعارك كما أن الطواقم الطبية باتت منهكة. وفيما يسعى سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتوفير أدوية للذين يعانون من الأمراض المزمنة، حذرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسف" من أن انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود يعرّضان مخزوناً من اللقاحات وجرعات الإنسولين بقيمة أكثر من 40 مليون دولار لخطر التلف. ودفع الوضع الحالي نقابة الأطباء إلى تقديم نصائح للمدنيين حول كيفية التعامل مع الجثث المتحللة وطرق تكفينها ودفنها. تآزر لتوفير الدواء والماء مع محاصرة المدنيين السودانيين في أحياء مدنهم ونقص المياه والغذاء والرعاية الصحية، ظهرت جهود مجتمعية ومواقع إلكترونية وتطبيقات لحشد المساعدة الطبية وتوفير الإمدادات الأساسية. وتحولت إحدى هذه المجموعات، وهي لجنة احتجاج نظمت مظاهرات ضد المجلس العسكري، إلى تقديم نوع من الخدمات الصحية الشعبية. واستخدم أفراد في أماكن أخرى التكنولوجيا لتوفير مخزونات محلية من الغذاء والمياه العذبة والأدوية للأحياء المحتاجة. وحشدت لجان مقاومة المعمورة فريقا من الجراحين والمسعفين الآخرين، وأعادت فتح مركز صحي محلي للحالات الطارئة وأنشأت خطا ساخنا للحالات الأقل إلحاحا. وقالت إن المركز عالج 25 حالة على الأقل منذ بدء القتال. وأضافت "الأطباء يساعدوننا في علاج كثير من الحالات بما في ذلك المصابين بطلقات نارية. لكن الأمر يصبح صعبا عندما يعاني المريض من نزيف شديد، وهو ما يحتاج إلى مستشفى" موضحة أن مصابين فارقا الحياة بسبب نقص الإمدادات الكافية. ومن منزله في وسط السعودية، قام مطور مواقع الإنترنت فريد عادل (30 عاما) بتحويل موقعه الإلكتروني الشخصي إلى منصة يمكن للناس من خلالها إما طلب المساعدة أو تقديمها بناء على موقعهم. وفي مكان آخر بالخرطوم، أنشأ الطبيب مكرم وليد (25 عاما) مجتمعا على تطبيق واتساب يضم 1200 فرد من مناطق مختلفة في الخرطوم لتبادل المعلومات حول توفر المواد الأساسية. وقال وليد "كلما وقعت عيناي على منطقة معينة، أجد الناس يتواصلون بالفعل وتمكنا من توفير الدواء والطعام للبعض". وأضاف أن المطلب الأساسي لمعظم الأفراد يتمثل في توفير مياه الشرب مشيرا إلى وجود طلبات أخرى تتعلق بتوفير الأدوية خاصة لمرضى السكري وضغط الدم. وتابع قائلا: "ليس لدينا أموال أو مساعدات مالية. نحاول فقط تسهيل التواصل بين الأفراد". الأطفال في خطر حذرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسف"، من تداعيات تصاعد العنف في السودان جراء الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأوضحت المديرة التنفيذية ل«اليونيسف" كاثرين راسل، في بيان حول وضع الأطفال في السودان، أن الأزمة في السودان، أدت إلى خسائر فادحة في حق الأطفال هناك، وإذا لم يتوقف العنف، فإن هذه الخسائر ستزداد. وأضافت أن 9 أطفال على الأقل قتلوا، وأصيب أكثر من 50 طفلا بجروح مع استمرار أعمال العنف في الخرطوم ودارفور وشمال كردفان. وقالت كاثرين راسل: "إن العديد من العائلات عالقة في مرمى النيران، مع وصول متقطع أو معدوم للكهرباء، ويعيشون في خوف من القتال واحتمال نفاد الطعام والمياه والأدوية. وفي هذا الإطار، قالت الصحفية السودانية فاطمة غزالي، وضع الأطفال في السودان سيء في ظل هذا النزاع، هناك أنباء أن مستشفى الولادة في أم درمان قطعت عنه الكهرباء. هناك أزمة عطش فشبكات المياه انقطعت في أماكن مختلفة الجوع يهدد الأطفال أيضا لأن المؤن تكاد تنفذ. هذا طبعا بالإضافة للحالة النفسية الصعبة والخوف الذي يعيشه الأطفال.