وجوب التفريق بين الخطإ العادي للطبيب والخطإ الجزائي دقً أستاذ القانون رامي حليم ناقوس الخطر، وقال إن المتابعات القضائية في حق الأطباء الممارسين في ازدياد مستمر لاسيما المتعلقة بأمراض النساء والتوليد، وهو ما يرهن على حد تعبيره - روح المبادرة للقيام بجهود إضافية لإنقاذ المرضى من الموت المحقق، بل يُنفر حتى من ممارسة هذه المهنة النبيلة. في يوم دراسي حول " أخلاقيات المهنة وقانون ممارسة الطب" نظمه المجلس الجهوي لأخلاقيات الطب بالمركز الاستشفائي الجامعي بالبليدة، مع نهاية الأسبوع المنصرم، صرح البروفيسور رامي ل«الشعب" قائلا :«المتابعات القضائية للأطباء الممارسين في تطور مستمر لدرجة أنها جعلتهم يفقدون روح المبادرة لإنقاذ أرواح المرضى بسبب هاجس المتابعات الجزائرية، ونحن لا نٌطالب برفع التجريم مهنة الطب، ولكن على الأقل يجب التفريق بين الخطإ العادي للطبيب والخطإ الطبي الذي يترتب عنه مسؤولية جزائية" وتابع رامي الذي يشغل أيضا محاميا: " كثير من التشريعات في دٌول العالم تٌصنف بعض الأخطاء قد يرتكبها الأطباء خلال تأدية مهامهم على أنها ليست أخطاء تستوجب متابعة قضائية مثل الخطأ في التشخيص، وبالمقابل تُصنف الأخطاء الطبية التي تترتب عن إخلال الأطباء بإحدى التزاماتهم المفروضة عليهم قانونا على أنها فعلا أخطاء تستدعي المتابعة القضائية، وأدعو المُشرع الجزائري إلى ضرورة تدارك هذا الوضع في أقرب وقت ". وأضاف أستاذ الحقوق في جامعة العفرون :« على المٌشرع الجزائري أن يوفر حماية أكبر للأطباء بالتفريق بين الخطإ العادي والخطإ الطبي الذي يستوجب متابعة جزائية، ومن ثمة ستكون متابعة الطبيب عند إثبات بأن هناك إهمال فعلي من طرفه أو تهاونه أو عدم التزامه... وإذا استمر هذا الفراغ التشريعي قد يؤدي إلى عزوف عن ممارسة مهنة الطب، كما أن الطبيب الممارس سيرفض المجازفة لإنقاذ المريض من الموت المحقق خوفا من المتابعة القضائية". وأبرز رامي بالقول: "عدد المتابعات القضائية للأطباء كبير جدا خاصة في أمراض النساء والتوليد، وفي اعتقادي أغلب الأخطار لا يتوقعها الطبيب فتأتي بصورة مفاجئة فيكون التدخل سريعا، كأن تلد المرأة بصفة عادية ثم يحدث لها نزيف ولما يعجز الطبيب عن توقيفه يضطر إلى استئصال الرحم". بدوره دعا رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية الياس مرابط إلى ضرورة مراجعة التشريعات الوطنية بما فيها الخطأ الطبي: "لابد أن نفصل بين الخطإ الذي يترتب عنه مسؤولية جزائية بسبب الإهمال أو التهاون، والخطإ العادي فعند القيام بعملية جراحية هناك هامش من الخطأ مثل كل الدول ومعترف به ومقبول، فلما تتوفر كل الظروف على رأسها الاختصاص، ويعني الطبيب الذي يجري العملية يكون متخصص وله الكفاءة للقيام بالعملية، ثم لابد ان تتوفر كل الوسائل المادية واللوجستية بما فيها الطاقم شبه الطبي الذي يعمل مع هذا الطبيب. فلما تتوفر كل هذه الظروف المهيأة العلمية والقانونية ويخطيء الطبيب لا نعاقبه لأنه قام بمجهوده كونه يملك كل المؤهلات العلمية". وأوضح مرابط :« إذا لم يكن الطبيب غير مؤهل وأجرى الجراحة لابد أن يعاقب على خطئه، أو الطبيب الذي يرى نفسه مؤهلا لكن لم تتوفر له الوسائل والظروف اللازمة للإجراء العملية الجراحية مثل غياب الأدوية وعدم توفر طبيب متخصص في التخدير والإنعاش، هذا يدخل في خانة الإهمال ولابد أن يعاقب أيضا" إلزامية الخبرة بالنسبة للقاضي ومن بين الضمانات القانونية التي من الضروري أن تُضاف إلى قانون الممارسة الطبية بحسب الأستاذ رامي، إلزامية الأخذ بالخبرة القضائية للفصل في القضايا، وتعيين خبير متخصص، وفي هذا الصدد تحدث أستاذ القانون: "فيما يخُص مسألة تعيين الخبراء عادة ما يتجه القضاء إلى تعيين طبيب شرعي لما تكون قضية أمراض النساء وتوليد أو جراحة عظام أو عيون إلى غير ذلك. والحقيقة هي أن الطبيب الشرعي ليس هو الخبير الحقيقي الذي يجب أن ينظر في هذه المسائل ويجب أن نعين خبراء متخصصين". في هذا الصدد أوضح رامي : "الخبرة القضائية وجب أن تكون إلزامية للقاضي فعدم الأخذ بها والإبقاء على السلطة التقديرية للقاضي سيجعلنا في حالة يُنصب القاضي نفسه طبيبا.. ويجب عدم الاكتفاء بالخبرة المكتوبة ولابد أن يستدعي الخبير للمحكمة لطرح أسئلة عليه من قبل القاضي والمحامين". واستدل الأكاديمي القانوني بقرارات المحكمة العليا التي تؤكد بأن الخبرة القضائية وجب أن تكون ملزمة بالقول: "لا يجب أن يقول القاضي خطأ طبي وكفى، بل يجب وصفه وصفا دقيقا كما جاء في قرارات المحكمة العليا". وإذا كانت إلزامية الأخذ بالخبرة القضائية من بين الضمانات الإجرائية التي تحمي الأطباء، فإن الدكتور تركمان يطالب بإعفاء الأطباء من معاقبتهم على الجرح غير المتعمد الذي يمكنهم التسبب فيه للمرضى، والذي نصت عليه المادة 289 من قانون العقوبات: " إذا نتج عن الرعونة أو عن عدم الاحتياط إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثلاثة أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 500 إلى 15.000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين." هيئات جديدة للفصل في النزاعات الناجمة عن الأخطاء الطبية أمام ارتفاع عدد المتابعات القضائية للأطباء وتأثيره على أداء المؤسسات الصحية، دعا رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية الياس مرابط إلى ضرورة استحداث هيئات قضائية متخصصة تقول بالفصل في النزاعات التي يكون فيها الأطباء متابعين فيها جزائيا. وفي هذا الصدد تحدث الدكتور مرابط : "نود استحداث هيئة متخصصة توكل إليها الفصل في قضايا الأطباء، ونرغب في أن يكون المحامين والقضاة متخصصين بتلقي تكوين متخصص في المجال الطبي كما هو معمول به في أغلب دول العالم ". وأضاف: "هناك لجنة أخلاقيات الطبية على مستوى العمادة تقوم بدراسة القضايا المتابع فيها الأطباء، وبعدها تقترح على الإدارة أو الجهاز التنفيذي للولاية بتسليط عقوبات تأديبية، أو تحول القضية إلى العدالة على الهيئة المتخصصة التي نود استحداثها، فنحن نرغب في أن تكون العدالة متخصصة لأن مقاضاة طبيب تسبب في إعاقة لمريض بسبب عملية جراحية يختلف عن مقاضاة شخص اعتدى على آخر بالسكين في الشارع.. هذه الخصوصية غير متوفرة عندنا وعلينا أن نأخذ بتجارب كثير من الدول في هذا الإطار". بدوره طالب رئيس المجلس الجهوي لأخلاقيات الطب، ياسين تركمان، بضرورة استحداث هيئة غير قضائية يمكنها تعويض المتضررين من الأخطاء الطبية كما حدث في فرنسا حينما تم حقن مرضى بحاجة إلى الدم ، وانتقلت إليه عن الطريق هذا الحق فيروس "السيدا" أي فقدان المناعة المكتسبة. في هذا الصدد صرح البروفيسور تركمان قائلا :« بعد واقعة عدوى هذا الفيروس قاموا في فرنسا بتأسيس الصندوق الوطني لتعويض الحوادث الطبية، وهي هيئة ليست قضائية حتى مع تواجد قانونين أو قضاة في تشكيلتها، وقامت بالفصل في المسائل التي عرضت عليها وأمرت بالتعويض بمبالغ معينة بعد شكاو تقدم بها أبناء ضد وفاة أبنائهم بسبب الخطإ الطبي الذي أشرنا إليه.. وأعتقد أن استحداث هيئة جديدة سيُخفف الضغط على القضاء خاصة مع تزايد المتابعات القضائية ضد الأطباء.. لكن يبقى اللجوء إلى هذه الهيئة الجديدة اختياري مع الاحتفاظ بالتوجه إلى القضاء الذي هو حق دستوري". القانون يمنع الإشهار للخدمات الطبية وممارسة الحجامة في العيادات وخلال اليوم الدراسي تطرق المختصون إلى تجاوزات تتنافي مع أخلاقيات مهنة الطب، وطب الأسنان والصيدلة تنامت في السنوات الأخيرة، وتتمثل في الترويج للنشاط الطبي في وسائل التواصل الاجتماعي مثل " فايسبوك" واستغلال عيادات بعض الأطباء للقيام بالحجامة والذي يمنعه القانون كما يمنع استغلال المهنة كتجارة. في هذا الصدد كشف الطبيب تركمان: "مدونة أخلاقية المهنة التي جاء بها المرسوم 92 -276 تتضمن المادة 20 واضحة وضوح الشمس وتنص على عدم استعمال الإشهار للنشاط الطبي واستعمال المهنة كتجارة وتمنع السلوكيات التي انتشرت في السنوات الثلاث الأخيرة وتتمثل في الإشهار في صفحات خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي والإعلان عن تخفيضات وعروض ترويجية التي هي ممنوعة أخلاقيا". وأضاف بالقول:« تطبيقا لنص المادة 20 تم غلق 8 عيادات طبية خاصة في البليدة خلال سنة 2023، وما يجب قوله هو أن الإشهار للعمل الطبي تضاعف كثيرا منذ جائحة كورونا التي ضربت العالم مع نهاية سنة 2019 ، وهذا بعدما أصبح الهاتف الذكي في متناول الجميع مما يسهل تغلغل الإشهار ليصل إلى جمهور المستهدفين " بدوره تحدث الدكتور مرابط عن ظاهرة استعمال مختلف وسائط التواصل الاجتماعي للقيام بعمليات إشهارية وترويجية لخدمات طبية منافية لأخلاقيات الطب والصيدلة على حد سواء، حيث صرح هذا النقابي قائلا :«الكل موجود على وسائط التواصل المتعددة.. وهي نعمة إذا عرفنا كيفية استغلالها فهي وسيلة عمل وتواصل كما عشناه في فترة كورونا لما كان الأطباء يقدمون توجيهات ومعلومات لمجابهة الوباء، وكل المستشفيات العمومية بما فيها مديرية الصحة ملزمة أن تكون حاضرة في التواصل الاجتماعي وتملك صفحة خاصة بها تستغلها لنشر معلومات لفائدة المواطنين ولكن ليس من أجل الترويج للعمل لنا كأطباء" وأضاف بالقول: "الترويج للأدوية والمكملات الغذائية ونشاطات العيادات الخاصة الجراحية وغير الجراحية كله ممنوع.. الترويج للحجامة في مكان عمل الطبيب أيضا ممنوع، لكن الممارسات المنافية للأخلاق الطبية التي تحدث في الفترة الأخيرة سببها الفراغ التشريعي فالقانون الذي يضبط أخلاقيات الطب والصيدلة وطب الأسنان لم يتغير منذ سنة 1992، ومن خلال تنظيم اليوم الدراسي أردنا الخروج بتوصيات مهمة ولِمَ لا مشاريع تمهيدية لقوانين تقدم للسلطات العليا لتدرسها وتكيفها وتعالجها من خلال النقائص الموجودة." وفيما يخص الطب البديل دعا المختصون إلى مواجهة ظاهرة استغلال العيادات الطبية للقيام بالحجامة بعد انتشارها في الفترة الأخيرة، وفي هذا الصدد تحدث تركمان: "الطبيب تلقى تكوين أكاديمي وله شهادة في الاختصاص والتي تعطيه الحق في الحصول على رخصة فتح ديوان طبي تسلمها أيها الإدارة الرسمية، ونحن باعتبارنا مجلس أخلاقيات لدينا الصلاحيات لنقترح على مدير الصحة بغلق أي ديوان طبي يثبت أنه يمارس الحجامة". وبخصوص تسعيرات التداوي في العيادات الخاصة أوضح المتحدث :« نخضع للقانون الصادر في 1986 الذي يحدد التسعيرة ب50 دينارا عند الطبيب العادي و100 دينار عند الطبيب المختص، وهذا القانون مر عليه قرابة 40 سنة لذا نأخذ حاليا بعين الاعتبار القدرة الشرائية لتكون الأسعار قريبة من المعدل، أي 1500 دينار عند الطبيب العادي، وبين 2000 و3000 دينار عند الطبيب المتخصص ويمكن لهذه الأسعار أن تزيد بقليل في حالة تقديم خدمات إضافية للمريض".