السياسية الخارجية للرئيس تبون.. انتصار يتلوه انتصار انتخبت الجزائر، أمس، بالأغلبية الساحقة لأعضاء الجمعة العامة للأمم المتحدة، لتولي منصب عضو غير دائم بمجلس الأمن، لمدة سنتين، ابتداء من سنة 2024، محققة نجاحا دبلوماسيا كبيرا، سبق لرئيس الجمهورية أن وضعه كأولوية من «أجل المساهمة في تحقيق السلم والأمن الدوليين». أضافت الجزائر الجديدة لرصيدها الدبلوماسي، في السنوات الثلاث الأخيرة، إنجازا دبلوماسيا باهرا، يتمثل في نيلها عن جدارة واستحقاق ثقة 184 دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أصل 193، لشغل منصب عضو غير دائم، في مجلس الأمن للفترة 2024-2025. هذا الإنجاز يعتبر، حسب مراقبين، تاليا لسلسلة من انتصارات السياسة، المحققة على الصعيد القاري، الإقليمي والدولي، بدءاً بالتصدي بنجاح لمحاولة اختراق الكيان الصهيوني الاتحاد الإفريقي، وصولا إلى كسب رهان إنجاح القمة العربية 31، فالفوز بعضوية مجلس حقوق الإنسان الأممي. يكتسي الظفر بعضوية مجلس الأمن الدولي، بصفة غير دائمة ولمدة سنتين، في ظروف عالمية خاصة، أهمية استثنائية، من حيث الفعل المنجز والدور المنتظر، إذ ينبغي التنويه أنه كان هدفا مركزيا في السياسة الخارجية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي رأى فيه أولوية. وقال الرئيس في كلمته، خلال ترؤسه أشغال مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية، في نوفمبر 2021: «ينبغي إعطاء الأولوية لعضوية الجزائر، المقبلة في مجلس الأمن للأمم المتحدة، للمساهمة في الجهود الرامية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين». وأشار قبل ذلك، إلى أنه «من الضروري اتخاذ إجراءات استباقية، من أجل ترسيخ دور الجزائر كفاعل مؤثر، يساهم بجدية في مواجهة التحديات الدولية، وذلك من خلال طرح الأفكار والمبادرات التي من شأنها تعزيز العمل متعدد الأطراف». 184 دولة من أصل 193 صوتوا للجزائر وبالعودة إلى الانتخابات، فستشغل الجزائر منصبها، ضمن 14 عضوا آخرين، بمجلس الأمن، ابتداء من 1 جانفي من السنة المقبلة، رفقة جمهورية سيراليون، لتعوضا معا كلاّ من غانا والغابون، عن منطقة إفريقيا، على أن ينضما للعضو الثالث عن القارة السمراء، دولة الموزمبيق. غير أن مجريات العملية الانتخابية التي جرت بالقاعة الكبرى للجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت مليئة بالدلالات التي تستوجب التوقف عندها، لأن عدد المصوتين لصالح الجزائر، كان 184 دولة من أصل 193، أي بالأغلبية الساحقة. علما أن الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، سبق وأن زكت الجزائر لشغل المقعد، ومجمل أعضاء هذه المنظمات يفوق 70 دولة، أي أنها (الجزائر) كسبت إلى جانبها أكثر من ضعف الوعاء الانتخابي المضمون. ومنذ تنقل وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، إلى نيويورك، الأسبوع الماضي، بتكليف من رئيس الجمهورية، كان الرهان الأساسي الحصول على أكبر عدد من الأصوات، لأن مسألة نيل العضوية كانت محسومه سلفا. وفي نهاية المطاف، كسبت الجزائر جميع الرهانات المرتبطة بهذا الاستحقاق، من نيل للعضوية غير الدائمة وصولا إلى شبه الإجماع الأممي، ناهيك عن الترحيب الحار، بانضمامها إلى الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة، إذ تفاعل كل من بداخل القاعة بالتصفيق الحار مع إعلان نتيجة التصويت لصالح الجزائر. وضمن أجواء احتفائية مميزة، رصدتها كاميرات القناة الرسمية للمنظمة الأممية، تلقى سفير الجزائر وممثلها الدائم لدى الأممالمتحدة، عمار بن جامع، التهاني الحارة من نظرائه من الدول الأعضاء في الجمعية العامة. على صعيد آخر، يبين هذا الإنجاز، مدى توهج السياسة الخارجية للجزائر، منذ أن قرر رئيس الجمهورية قلب المعادلة والانتقال من الموقف المبدئي إلى الدور المبدئي، والمرور بالسرعة القصوى إلى الدبلوماسية النشطة، والانطلاق من المصالح الوطنية، مع الانخراط التام في القضايا الدولية من منطلق عدم الانحياز ودعم الدور الأساسي للأمم المتحدة. هذه الرؤية المعلنة مرارا من قبل رئيس الجمهورية، كانت محل إشادة قوية من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، كونها تضع حدودا فاصلة بين سلامة المبادئ الأممية وبين التطبيق المتعثر لهذه المبادئ. وبينت نتيجة التصويت، أن الشخصية الدولية للجزائر، مازالت تحظى بأصدقاء وشركاء كثر في المناطق الخمس للمجتمع الدولي، خاصة وأنها تجمع بين القيم الثورية والدفاع عن مصالح الشعوب ومطالبها بنظام دولي عادل. أربعة أولويات.. رئاسة الجمهورية، وفي بيان لها، عقب استكمال نتائج التصويت، أكدت أنه باتت «على بلادنا مسؤولية خاصة متمثلة في المساهمة في مسار صنع القرار الدولي»، معتبرة أنها «فرصة متجددة لبلادنا لإعادة تأكيد مبادئها وقيمها وتبادل رؤيتها بشأن القضايا المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن في مجال السلم والأمن الدوليين». وتوحي من خلال ذلك، إلى أنها تجد نفسها أمام المنبر الملائم لتفعيل مبادئ طالما دافعت عنها ونادت بها، على غرار الحلول السلمية للأزمات، رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، احترام السيادة الوطنية والترابية للبلدان، والدفاع عن القضايا العادلة التي أنصفتها المواثيق والقرارات الأممية، لكن غياب الإرادة السياسية عطل إخراجها من أروقة الأممالمتحدة. وستمارس الجزائر عهدتها انطلاقا من 4 مبادئ، سبق وأعلن عنها وزير الخارجية أحمد عطاف بنيويورك أثناء ترؤسه حفل استقبال أقيم على شرف البعثات الدبلوماسية الدولية، وتتمثل «العمل على تعزيز التسوية السلمية للأزمات، توطيد الشراكات ودعم دور المنظمات الإقليمية، تعزيز مكانة المرأة والشباب في مسارات السلم وإضفاء زخم أكبر على الحرب الدولية ضد الإرهاب». وستحرص، أيضا على إسماع صوت الدول العربية والإفريقية والدفاع عن المصالح الإستراتيجية المشتركة في مختلف القضايا التي تندرج ضمن اختصاصات مجلس الأمن.