تعتبر المدينة العتيقة بعنابة المعروفة ببلاص دارم صفحة من صفحات تاريخ بونة العريق وهي صورة مصغرة لقصبة الجزائر وتكاد تشبهها في نوعية الهندسة المعمارية ونمط البنايات المتداخلة والأزقة الضيقة، وبمساجدها وحماماتها وأسواقها الشعبية، تتربع على عرش التراث والفن المعماري التقليدي لولاية عنابة، بشكل استقطبت به زوارا وسياحا وكتابا وأدباء. واستطاعت فرض نفسها وجذب اهتمام العديد من المواطنين منذ زمن بعيد، ويعود هذا لشكلها العمراني الجذاب الضارب في عمق التاريخ، وحرص القائمون عليها على الاعتماد على الجانب التقليدي، تحمل العمق الحضاري للمنطقة وتضم العديد من المعالم الأثرية من مساجد وأضرحة وزوايا وقلاع وحتى المنازل العتيقة. وأول ما يشدّ الانتباه الهندسة المعمارية التي أعطت لبونة سحرها البراق الذي يميزها بعمرها الزمني الذي تعدى 2000 سنة، وجاءت بلاص دارم على أنقاض مدينة هيبون بعد الفيضان الذي اجتاح الوادي المحاذي لكنيسة لالا بونة، حيث فر سكان عنابة الأصليون إلى بلاص دارم، لتسمى المدينة الجديدة وبعد الاحتلال حولها الاستعمار إلى مكان لتجميع الأسلحة ليطلق عليها اسم "بلاص دارم". تقاوم المدينة القديمة المعروفة بتسمية بلاص دارم عوامل الزمن لتبقى؛ توجد فيها الكثير من معالمهم التاريخية المهمة، من بينها مسجد أبو مروان الشريف، الذي تم بناؤه سنة 1033م، واستمر في أداء مهمته الدينية والتعليمية إلى غاية احتلال المدينة من قبل الاستعمار الفرنسي سنة 1832، ثم تم تحويله إلى مستشفى، مع إضافة طابق علوي، وأيضاً مسجد صالح باي، الذي تم تشييده سنة 1792 في العهد العثماني. كما أن هناك معالم أخرى، خاصة برج المعدومين وأسوار المدينة، وغيرها من المنازل التاريخية التي تم ترميم بعضها انطلاقاً من مجهودات شخصية، أو مجهودات المجتمع المدني، مثل جمعية "المدينة للمحافظة على التراث العنابي" التي تم تأسيسها من طرف طلبة وأساتذة الهندسة المعمارية. كانت المدينة القديمة مطمعاً للعديد من الممالك والحضارات القديمة، لهذا تمت إحاطتها بسور من جميع النواحي في العهد العثماني، وإن لم يبق سوى القليل من هذا السور، تتصل به خمسة أبواب، هي: باب السكان، باب المقابر، باب البحر، باب الرباط، وباب الحديد. معلم أثري آخر موجود بالمكان ألا وهو المنزل الذي كان يقيم به العلامة عبد الحميد بن باديس حين كان يزور عنابة، والذي يسمى "دار الخوجة" والذي التقطت به صورة العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس رفقة العديد من التلاميذ. يعود تاريخ بنائه إلى القرون الوسطى، إلا أنه تعرّض إلى العديد من الإضافات والتأثيرات المعمارية على مرّ السنين، آخرها كانت بداية القرن العشرين، حيث تمّ إعادة تهيئة وسط المنزل وإعطائه هذا الطابع الفريد المتكون من عدة أنماط من الأقواس، إضافة إلى تغيير واجهة المبنى وإعطائها نمطًا أوروبيا. احتضنت جدران المنزل عبر قرون من الزمن العديد من الشخصيات الوطنية والمحلية، على غرار الشيخ عبد الحميد ابن باديس، بن مصطفى بن عودة وحسن دردور.