إلى متى الصمت؟!    الحكومة المغربية تواجه انتقادات متزايدة    رؤية جديدة    إطلاق شبكة الجيل الخامس قبل نهاية 2025    نحو استلام 290 مركزا للتخزين الوسيط للحبوب    كمال رزّيق وزيراً للتجارة الخارجية    هذه استراتيجية الجزائر لمواجهة الحرقة    السودان.. جرحٌ عربيٌ نازفٌ    السفير يطمئن على قندوسي    بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة    والي بجاية يُسدي تعليمات صارمة    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    الجزائر أضحت مستهدفة بإغراقها وضرب شبابها بالمخدرات    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 50983 شهيدا و116274 مصابا    222 مشروع لتجسيد "برنامج التنمية الجماعية" لفائدة الجمعيات    إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G) في النصف الثاني من عام 2025    الفواكه البرية خطر على الصحة    خبراء اقتصاديون: إنشاء هيئتين للاستيراد والتصدير سيمنح شفافية وانسيابية للتجارة الخارجية    طاقات متجددة : إطلاق مشروع "طاقاتي+" بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا    السيد شايب يستقبل الوفد البرلماني للصداقة الموريتانية -الجزائرية    رسائل ثقة للاقتصاديين ودعامة للاقتصاد الوطني    هيئتان للتصدير والاستيراد انفتاح على الخارج وحماية للسوق    الجزائر-إثيوبيا.. دعم تام لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    الأمم المتحدة: مجلس الأمن يعقد اجتماعا مغلقا حول قضية الصحراء الغربية    المجتمع المدني .. من ثورة التحرير إلى الجزائر المنتصرة    لأول مرة.."باك مهني" سبتمبر المقبل    حسن الجوار.. علاقة تلاشت مع الزمن    تموين افتراضي حول مكافحة حرائق الغابات    مقترحات تنموية على طاولة والي بئر توتة    اتحاد ورقلة يهدد بالمقاطعة ومستقبل الرويسات يندد    وزارة الصحة تحذر من مخاطر التناول المفرط لأدوية مادة الباراسيتامول    المغرب: مطالب بمنع رسو سفن محملة بمعدات عسكرية بموانئ المملكة تستخدم لإبادة غزة    "الطيّارة الصفراء" لهاجر سباطة يفتكّ الجائزة الكبرى    النظام الوطني للتنظيم الصيدلاني محل تقييم ذاتي تحت إشراف منظمة الصحة العالمية    المغرب: السلطات المخزنية تغلق ثلاث كليات وتوقف الدراسة لثلاثة ايام بسبب نشاط تضامني مع فلسطين    قسنطينة: 20 مشاركة في معرض لفنانات الشرق الجزائري    ندوة تاريخية في قصر رؤساء البحر : لاحياء يوم العلم الحركة الإصلاحية في الجزائر..مسيرة التحولات ومسار التحديات    هدف تاريخي ومساهمات حاسمة أمام توتنهام..آيت نوري يسطع في سماء البريمييرليغ    الجزائر العاصمة : حملات تحسيسية حول سوء استعمال الغاز الطبيعي    أول تعليق من أحمد قندوسي على إصابته المروعة    كأس الجزائر /نصف النهائي/ : "داربي" واعد بين اتحاد الحراش واتحاد الجزائر, قمة غير مسبوقة بين شباب بلوزداد ومولودية البيض    وزارة التربية تُحذّر..    سطيف: عروض عديدة في انطلاق الطبعة الثالثة للأيام الدولية لألعاب الخفة    ما هو العذاب الهون؟    ينبغي الحفاظ على "الصورة المشرفة" للبعثة الطبية الجزائرية    نتوقّع مواقف جد متقدّمة من أعضاء مجلس الأمن    تراجع في أسعار السردين بسكيكدة    هكذا ساهم منتخب "الأفلان" في استقلال الجزائر    تتويج أولاد الباهية (ذكور) ومولودية الجزائر (إناث) والتنظيم ينال الامتياز    تكريم وجوه فنية بارزة    الدورة الثامنة من 26 إلى 30 ماي    البيض: الطريقة الشيخية الشاذلية تأكد دعمها المطلق للموقف الرسمي للسلطات العليا للبلاد    يحي سعد الدين نايلي مديراً عاماً جديداً لصيدال    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



22 عاما متواصلة في أغلال الأسر
نشر في الشعب يوم 26 - 08 - 2023

يوم أن اعتقل أبي - رحمة الله عليه - قبل خمسة عقود وما يزيد، كنت طفلاً صغيراً، ولم أكن قد تجاوزت الثالثة من عمري، فعرفت السجون الصهيونية وحفظت أسمائها، دون أن أعي معنى السجن، أو أدرك وجع المسجون.
كنت أعتقد حينها أن السجن مرادف بطولة، خاصة وأنه ارتبط بمقاومة الاحتلال وكفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال.
ومع مرور السنين كبرتُ وكبرتْ بداخلي القضية، فتحولت أنا الآخر بدوري إلى أسير لأربع مرات، فعرفت أن للسجن معنى آخر..
السجن مرادف الألم والوجع والحرمان..
من هنا يمكن القول: إن السجن ليس بطولة فحسب، والأسرى هم ليسوا مجرد أبطالاً ناضلوا وضحوا فقط، فالسجن ألم والأسرى هم أناس كباقي الناس.
هم حياة ومشاعر وأحاسيس وأعمار تُقضى خلف القضبان، ولكل أسير من هؤلاء الكثير من القصص.
وهذا "باسل" يدخل اليوم عامه الثاني والعشرين على التوالي في سجون الاحتلال الصهيوني، فيضيف إلى قصته مزيدا من السطور وكلمات البطولة والوجع.
لم تكن تعلم الأم وهي حامل بجنينها، بأنها ستُنجب نجلها البكر ليقضي أكثر من نصف عمره، وراء الشمس، خلف قضبان السجون.
كما لم يكن لوالده أن يتوقع، ولا حتى في اسوأ الكوابيس، أن يكون لقائه بنجله عام 2000 هو الأخير بينهما، ولم يكن يتخيل "ابا باسل" أن ينتهي بهم الحال إلى فراق طويل بدأ قبل أكثر من عقدين من الزمن ولم ينتهِ بعد، بفعل السجن الصهيوني واجراءات الاحتلال ومنع زيارات الأهل بذريعة ما يُصطلح على تسميته ب "المنع الأمني"، في ظل صمت وضعف وتراجع دور المؤسسات الدولية.
فكم كانت صعبة لحظة الفراق تلك، وكم هو قاسي ومؤلم استمرار الحرمان من رؤية الحبيب والعزيز، فالفراق حزن كلهيب الشمس، وفراق الابن من أصعب حالات الفراق.
فكان الله في عونك أخي وصديقي أبو باسل وأنت تتابع أخبار الأسرى المقلقة وظروف احتجازهم القاسية واستمرار الاهمال الطبي المتعمّد في ظل الاستهتار الصهيوني المتصاعد بحياة الأسرى وأوضاعهم الصحية، دون أن يُسمح لك بزيارته ولو مرة واحدة طوال فترة سجنه الطويلة.
باسل عريف.. الفلسطيني ابن مدينة غزة، اسمٌ بات يعرفه الجميع، ويحفظه الأسرى والمحررون، ويذكره الناشطون والمتابعون لقضايا الأسرى، ويردّده الشرفاء والمخلصون، فهو مناضل عنيد، حفر اسمه بأحرف من نور ونار على جدران الزنازين المعتمة، وكتب فصولاً من الصمود والتحدي خلال مسيرته النضالية، وشارك إخوانه الأسرى معارك الأمعاء الخاوية ومقاومة السجان بإرادة صلبة لم تلن، وعزم جبار لم يضعف، فحَفَر اسمه عميقاً في سجلات الحركة الوطنية الأسيرة.
ولد الأسير "باسل عريف" في الرابع من نيسان/ابريل عام 1982، وكان يقطن مع أسرته في حي الرمال غرب مدينة غزة، فكبر وترعرع وسط عائلة مناضلة وبين أزقة وشوارع المدينة، وانتمى لحركة "فتح" منذ نعومة أظافره، وفي عام 1998 التحق بجهاز الشرطة الفلسطينية وتلقى دورة تدريبية ومن ثم انتقل إلى العمل في محافظات الضفة الغربية، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام2000، انضم إلى كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح"، ولكل امرئ من اسمه نصيب، فكان بطلاً باسلاً، شجاعاً، قاتل عدوه بشدة، وقاوم المحتل ببسالة ولم يأبه الموت، فسطّر صفحات من المجد والبطولة وشارك في العديد من العمليات الفدائية، ولعل أبرزها المشاركة في قتل مستوطنين صهاينة داخل مستوطنة "عوفر" انتقاماً لاستشهاد صديقه ورفيق دربه "مهند حلاوة".
وفي التاسع عشر من آب/أغسطس عام 2002 وبعد مطاردة استمرت لشهور طويلة، تمكّنت قوات الاحتلال الصهيوني من استدراجه عبر أحد العملاء واعتقاله والزج به في سجونها، فتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي رغم الإصابة التي كان يعاني منها في يده اليمنى، وبعد ثلاث سنوات من التوقيف والاستجواب والعديد من جلسات المحاكمة، أصدرت محكمة عوفر الصهيونية العسكرية حكماً بحقه بالسجن المؤبد (مدى الحياة) مرتين إضافة إلى 52 عاما.
ومنذ اعتقاله قبل واحد وعشرين عاماً تنقل في عدة سجون صهيونية وقضى سنوات من عمره في عسقلان وبئر السبع وهداريم وايشل ونفحة، ومكث فترات طويلة في زنازين العزل الانفرادي، وحصل على شهادة الثانوية العامة وشهادة البكالوريوس في العلوم السياسية داخل سجنه، فيما يقبع الآن في سجن نفحه في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة.
وتمر الأيام والشهور وتمضي معها السنين، وتُقضى الأعمار خلف قضبان السجون وتحل الذكرى الواحدة والعشرين لاعتقال "باسل عريف" ليدخل عامه الثاني والعشرين على التوالي، والألم يزداد والوجع يتفاقم، ومعاناة باسل وأسرته تتسع، ولسان حالهم يقول: رفقاً بنا أيها السجن اللعين، فألا يكفي ما ألحقته بنا من ألم وقهر وحزن جراء ما تفرضه علينا وعلى أبنائنا من قيود، فو الله ما عاد في الروح متسع، وما عاد بمقدورنا تحمل مزيداً من الوجع.
ولعلّ ما يخفّف من وجعنا هو ذاك الأمل الذي يتعاظم يوما بعد يوم باقتراب إتمام صفقة تبادل جديدة وانتصار يكسر قيد المؤبدات الذين ارتفع عددهم إلى (558) أسيرا، وتنجح من خلاله المقاومة الفلسطينية في اطلاق سراح رموز المقاومة.
ويقُولون مَتى هُو. قُل عَسى أن يَكون قَريبًا.
ويبقى الأخ باسل عريف، الأسير والمناضل، منتصب القامة يمشي ولم يَنحنِ، ورأسٌ شامخٌ لم يطأطئ، وعنفوانٌ كبيرٌ لم ينكسر، ومناضل يتسلح بأمل الانتصار وكسر القيود.
عن المؤلف:
عبد الناصر عوني فروانة: أسير محرَّر، ومختص بشؤون الأسرى، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة.
ولديه موقع شخصي اسمه: فلسطين خلف القضبان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.