رؤية استثنائية للرئيس تبون لتحقيق حاجيات السكان وضمان حق الأجيال يعتبر تحدّي تحقيق الأمن الغذائي والمائي أحد الأولويات الرئيسية للجزائر الجديدة، بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خاصة أمام شحّ الموارد والتقلّبات المناخية وشدّة التنافُسية الإقتصادية التي تتطلّبُ مزيدًا من الجُهود لبناء اقتصاد قوي ومستدام، ويكمن التّحدّي على الصّعيد الداخلي في توفير الكمية المطلوبة من الغذاء والماء للمواطنين الحاليين، وضمان حق الأجيال القادمة إذا استمرت معدلات النمو ذاتها، والمشجّعة في مؤشرات الاقتصاد الوطني. ويكبر التحدّي أكثر على الصعيد الخارجي في ظّل الظّروف السيئة التي تضرب الاقتصاد العالمي باستمرار؛ بدءاً بالتقلبات المناخية وانخفاض المعروض من المحاصيل الغذائية وارتفاع أسعارها، إلى انخفاض أسعار المحروقات، ونقص التزود بالمياه، إلى بروز تحدّيات بيُولوجية عالمية، والتقلبات السياسية التي تواجه المنطقة والعالم. في هذا الموضوع، تناولنا أهم العناصر ذات العلاقة بإشكالية الأمن الغذائي والمائي في الجزائر الجديدة، من خلال التركيز على الفلاحة الصحراوية وشعبة الحبوب كزراعة إستراتيجية بالنسبة للأمن الغذائي، وتحلية مياه البحر كبديل مائي آمن مستدام بالنسبة للأمن المائي، والجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة لأجل ذلك في مقدّمتها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وفاءً بالتزاماته الرئاسية لصون كرامة المواطن، وتعزيز سيادة البلاد من خلال اعتماد مقاربة شاملة لكل محاور الأمن الغذائي والمائي، بإدماج كل الإمكانيات الوطنية المتاحة، وهو نفس ما ذهب إليه خبراء ومختصّون ومستثمرون في ندوة نظّمتها "الشعب". وقد اعتمدنا في ذلك كوثائق لإثراء الموضوع والإلمام به، على بيانات مجلس الوزراء برئاسة السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوّات المسلّحة، وزير الدفاع الوطني، كمرجع موثوق لكل ما يتعلقُ بقرارات السيد الرئيس، وكذا تصريحاته الرسمية، ثم مخرجات مجالس الحكومة برئاسة الوزير الأول، السيد أيمن بن عبد الرحمان، وكذا قرارات وزيري قطاعي الفلاحة والتنمية الريفية والموارد المائية والأمن المائي، وبعض القوانين ذات الصلة. وقبل الخوض في الموضوع، لابدّ من توضيح مفهوم الأمن الغذائي والمائي، حسب منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، فالأول يعني: "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة"، في حين يُقصد بالأمن المائي قدرة: "كل شخص على الحُصول على مقدار كافٍ من المياه الآمنة بتكلُفة معقُولة ليعيش حياة نظيفة وصحية ومُنتجة، مع ضمان حماية البيئة وتحسينها". لذا نجد أنّ اهتمام الجزائر الجديدة بهذا الموضوع، دليل على رُؤية حكيمة وثاقبة للرئيس نحو المُستقبل أمام المخاطر التي عبّرت عنها أزمتا الغذاء خلال جائحة كورونا والحرب الرّوسية الأوكرانية، وارتفاع الأسعار في السّوق العالمية. الأمن المائي للجزائر الجديدة..رهان استراتيجي وأولوية الأولويات حقّقت الجزائر الجديدة إنجازات كبيرة في قطاع الري والموارد المائية، بوضع أسُس استراتيجية وطنية فعّالة لتحقيق الأمن المائي باستغلال الموارد البديلة كتحلية مياه البحر، إذ يُعد تحقيق الأمن المائي من التزامات الرئيس، لمُواجهة مشاكل التزود بالماء خاصة الصالح للشُّرب، وتجلى ذلك في إعداد استراتيجية عمل آفاق 2024 و2030، تُعطي الأولوية لحشد الموارد المائية المُستدامة للبلاد. وجاءت محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، كحلول بديلة ودائمة تضمن الوفرة، من أهم المشاريع التي باشرت بها السّلطات بأمر من الرئيس وركّز عليها، حيث تُحصي الجزائر اليوم، ما يقدّر ب 11 محطة بقدرات إنتاجية مُتوسطة بحوالي 2,11 مليون متر مكعب من المياه المعالجة ليرتفع العدد إلى 19 محطة تحلية المياه آفاق 2024، حسب تقارير المُؤسّسة التابعة لشركة سوناطراك المُكلفة بعملية الإنجاز، إضافة إلى مضاعفة إنتاجية محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وإعادة تدويرها للاستعمال الفلاحي. لذا يعتبر مشروع تحلية مياه البحر، حسب ما أوضحه، ل "الشعب"، الخبير المائي بجامعة تولوز 3 بفرنسا، أحمد لطفي غرناوط، ذا بُعد استراتيجي هام جدًّا، في مسألة رفع العرض من المياه بشكل مُستدام وآثاره الايجابية المُباشرة على الأمن الغذائي، وذلك من خلال جُهود ميدانية لمُضاعفة عدد محطات التحلية والمُعالجة، ورفع القُدرات الإنتاجية لتلبية حاجيات المُواطنين من مياه الشرب والمياه المُستعملة في القطاع الصناعي، ممّا يساهم بشكل محسوس في تخفيف الضغط الكبير على مخزون مياه السدود التي تُخصّص أساسا لتلبية حاجيات أكثر من 70 % من المياه المُخصّصة للشُّرب، رغم أنّ منسُوبها يشهدُ انخفاضا محسوسًا على فترات طويلة من السنة رغم طاقتها الاستيعابية، وهذا ما يُؤثر على قُدرتها لتلبية حاجيات القطاع الزراعي، ويُساهم في النُدرة والضغط على استعمال المياه الجوفية وانخفاض مستوياتها، وعليه -يضيف محدّثنا - فإنّ هذا التوجه الاستراتيجي للجزائر الجديدة يُساهم في رفع منسوب السُدود ثُم رفع العرض بالنسبة للفلاحة في المناطق الشمالية من البلاد، وتخفيف الضغط على المياه الجوفية في المناطق الشمالية، وتخصيصها حصريًا لتلبية الطلب الكبير للقطاع الزراعي في تلك المناطق. وتحرص السّلطات العليا للدولة على تأمين تزويد سكان الجزائر بمياه التحلية، خاصة سكان الولايات الساحلية، وتلك التي تقع في حدود 150 كلم من محطات التحلية، حيث أنّ الجزائر تهدفُ إلى تحقيق 60 % من الاحتياجات المائية للسكان عبر تحلية مياه البحر، كحلول آمنة وصديقة للبيئة، حسب وزارة الموارد المائية والأمن المائي، وهو طموح كبير يتحقّق بإشراك المؤسّسات الناشئة والمتوسطة والصغيرة في العمليات الخاصة بالتجهيز والصيانة والبناء، ضمن مُخطط تعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي، على أن تستعمل مياه الصرف الصحي المُعالجة في الري الفلاحي كخيار مُفيد، حسب ما أكده الرئيس تبون، خلال إشرافه ببلدية فوكة بتيبازة، على وضع حجر الأساس لإنجاز محطة تحلية مياه البحر "فوكة 2" بطاقة إنتاج 300 ألف متر مُكعب يوميا، في إطار زيارة عمل وتفقد لولايتي الجزائر وبومرداس في 5 جويلية 2023. تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصّرف الصحي..بدائل آمنة ومستدامة بسواعد جزائريّة يكتسي ملف الأمن المائي اهتماما بالغًا في الجزائر، في ظلّ التغييرات المُناخية والبيئية المُتسارعة، إذ تُقدّر احتياجاتها المائية حاليا (الشرب، الزراعة والصناعة)، 11.3 مليار متر مكعب سنوياً، ما دفعها لتخصيص أكثر من 2.2 مليار دولار منذ 2021 إلى غاية 2024، لاستكمال المشاريع الموجودة وإطلاق أُخرى جديدة لتحلية مياه البحر، ضمن رُؤية إستراتيجية لتحقيق الأمن المائي بالحفاظ على الموارد المائية الجوفية. وفي هذا الصدد، يشير الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة، إلى قوة وأهمية قرارات الرئيس تبون باستحداث 14 محطة لتحلية مياه البحر على طُول الساحل الجزائري لضمان الأمن المائي مُستقبلاً، بالموازاة مع رفع العدد ل 25 محطة تحلية في 2030، لتصل نسبة تزويد السُكان بالمياه المُحلاّة 45 % في 2025، و60 % في سنة 2030، دُون إهمال نسب التزود من مياه السدود ب 20 %، والمياه الجوفية ب 20 %. ومن بين قرارات الرئيس الإستراتيجية في هذا المجال أيضا، إنشاء وكالة خاصة لتحلية مياه البحر، وهي هيئة مُستقلة عن الحكومة تتمتع بتمويل خاص، لتكون بذلك إحدى الوسائل الجديدة والفعّالة في تنفيذ السياسة الجزائرية في مجال تحلية مياه البحر، تهدف إلى تدعيم القُدرات الوطنية في إنتاج المياه قصد تحقيق الأمن المائي، بعدما كانت عملية تسيير ملف تحلية مياه البحر تتأرجح بين وزارتي الموارد المائية والطاقة، وبإنشاء هذه الوكالة سوف تتضح الرُؤية في تسيير هذه الموارد المائية الهامة، والتي حتمًا ستُغطّي النُقص في التزود بالمياه. كما دفع تحدي الأمن المائي، الجزائر - حسب الدكتور عبد الباسط بُومادة من جامعة ورقلة - إلى وضع إستراتيجية لإدارة والتسيير المُدمج لموارد المياه السطحية والجوفية وغير التقليدية، ومن ثّم استعمال المياه العادمة المُعَالَجَة في القطاعات الأُخرى، خاصة القطاع الفلاحي، ليُعتبر استخدام مياه الصرف الصحي المُعالجة في الري الفلاحي خيارًا جذابًا خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث تُمثّل مصدرًا للمياه وأسمدة تكميلية مُتجدّدة وموثوقة. الأمن الغذائي والمائي وجهان لعملة واحدة أولى رئيس الجمهورية أهمية خاصة لقضية الأمن المائي، بل جعله أولوية رئاسية لصون كرامة المُواطن، من خلال مراقبة عمليات منح تراخيص استغلال المياه الجوفية، وتفعيل دور مصالح الأمن عبر شرطة المياه لمراقبة ترشيدها، إضافة إلى استحداث مُؤسسات ناشئة تُساهم في إنجاز دراسات علمية، ودراسات هيدروجيولوجية للحفاظ على هذه الثروة، لتأمين احتياجات المواطن والقطاع الفلاحي والصناعي من هذه المياه الحيوية. سيظل الأمن الغذائي مرتبطاً بالأمن المائي مهما تغيّرت الأحوال، ويتّضحُ ذلك الارتباط أكثر وقت الأزمات، حيث شدّد الخبير الفلاحي لعلى بُوخالفة على ضرُورة الربط بين الأمن الغذائي والمائي باعتبارهما كُلاّ مًتكاملا، لا يتحققُ المكسبُ الأولُ إلا بتوفر الشرط الثاني، لذا جعلت الجزائر من الموارد المائية سلاحًا لتحقيق الأمن المائي والغذائي، وفق إستراتيجية ورُؤية حكيمة للرئيس تبون، من خلال إصلاحات قانونية عزّزت الترسانة التنظيمية لقطاعي الفلاحة والري والموارد المائية، نحو الانفتاح في حقل الاستثمار، تبعا لما جاء به قانون المالية لسنة 2023، وتضمّنها قانون الاستثمار الجديد 22-18، المُؤرخ في 24 جويلية 2022، خاصة ما تعلق بتوفير العقار الفلاحي وكذا الصناعي، والمُرافقة التنظيمية والجبائية من أجل توسيع استثمارات الإنتاج الفلاحي، لتتجسّد مسألة تأمين الموارد المائية يومًا بعد يوم، ضمن مُخطّط الجزائر الجديدة الاستراتيجي. كما استطاعت الجزائر الجديدة في كافة المجالات، أن تقطع أشواطا هامة نحو القمة، بل الريادة، بخُطى ثابتة وإرادة سياسية قوية للرئيس، من أجل التوجه إلى القطاع الفلاحي كاقتصاد بديل، وضمان أمن مائي كخيار استراتيجي، إذ شكّل إحدى الانشغالات الكبرى للنموذج الاقتصادي والاجتماعي المحّدد في التزاماته 54. شهدت الجزائر تحوّلا حقيقيا بفضل خُطّته الاستعجالية للنهوض بالبلاد، وقطاعي الفلاحة والموارد المائية، حيث تضمن البند 18 وضع خُطة استعجالية لتحديث الزراعة لضمان الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات الوطنية، والبند 30 بالنسبة للأمن المائي، بوضع حدّ نهائي لانقطاعات المياه وضمان حصول جميع المُواطنين على المياه الصالحة للشُرب عبر كامل التُراب الوطني، عن طريق تعبئة ناجعة للموارد المائية، وترشيد وسائل توزيع واستهلاك المياه، حيث قدّم الرئيس بذلك نموذجا أكثر تنوّعًا وصلابةً وقُدرةً على مُواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي، من خلال استثمار فوائض تصدير النفط والغاز في قطاعات ذات طبيعة مُستدامة، لتحقيق سيادة اقتصادية شاملة، وذلك ضمن مُخطّط يُراعي الفعالية في الميدان، وبعيدًا عن كلّ أشكال البيروقراطية.