مسائل «الماء الشّروب» ومحطّات تحلية مياه البحر على طاولة مجلس الوزراء المقبل تضطلع وزارة الري بمسؤوليات حيوية وحسّاسة، في ظرف دولي وإقليمي، ترتفع فيه مخاطر الجفاف بسبب امتداد التغيرات المناخية، ما يستوجب العمل بحرص وتفانِ من أجل تنفيذ مخطط الدولة الخاص بتحقيق الأمن المائي للبلاد، القائم على حماية الموارد الباطنية وترشيد استعمالها، مع التركيز على تحلية مياه البحر، كمشروع كبير وواعد قطعت الجزائر فيه أشواطا معتبرة، من أجل توفير حلول بديلة ودائمة تضمن الوفرة، وتلبي احتياجات القطاعات المنتجة خاصة الفلاحة المعول عليها لتحقيق السيادة الغذائية للبلاد. إعادة حقيبة وزارة الري في التعديل الحكومي الأخير، بعد فصلها عن قطاع الأشغال العمومية، سيعطي دفعا لمشاريع حيوية وكبرى، ترتبط بتأمين احتياجات المواطن والقطاع الزراعي والصناعي من المياه، ورفع تحديات مجابهة مخاطر التغيرات المناخية التي امتدت آثارها الزمنية والمكانية، بشكل واضح للعيان، فمعدّل التساقطات المطرية تراجع في البلاد بشكل كبير، وهي التي تساهم في تجديد مخزون المياه السطحية والباطنية، واستمرار قلة التساقط يدفع إلى الاستغلال الكبير للمياه بنوعيها، لتغطية الاحتياجات الوطنية، وتأمين هذه الاحتياجات بشكل دائم يفرض التفكير في ترشيد استهلاك واستغلال هذه المادة الحيوية بشكل عقلاني للحفاظ عليها، والبحث عن بدائل أخرى لتحقيق الأمن المائي في ظل استمرار شح الأمطار. الحفاظ على المياه الجوفية..حتمية الوضعية المناخية الصعبة التي تمر بها الجزائر على غرار دول العالم، دفعت رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منذ ثلاثة أشهر إلى استنفار خمسة قطاعات وزارية وهي الداخلية والموارد المائية (قبل دمجها وإعادة تسميها) والفلاحة والصناعة والبيئة، للتحرك على نطاق واسع من أجل إنشاء مخطط استعجالي يهدف إلى سن سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنيا، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية. كما أمر الرئيس بإعادة تحريك وبعث كل المشاريع المتوقفة لمحطات تصفية المياه المستعملة عبر الولايات، وإدخالها قيد الاستغلال لاستخدامها في الري الفلاحي عوض المياه الجوفية، إضافة إلى إنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي، تجنبا لتداعيات الأوضاع المناخية الصعبة التي يمر بها العالم. وأسدى الرئيس تبون يومها توجيهات بالمراقبة الصارمة لتراخيص استغلال المياه الجوفية لسقي المساحات المزروعة، مع تسليط أقصى العقوبات ضد أعمال حفر الآبار غير المرخصة، وتفعيل دور شرطة المياه التي تختص في مراقبة استعمال المياه في كل المجالات، ومحاربة التبذير عبر الوطن، كما تمّ استحداث مؤسسات ناشئة في إطار منظور اقتصاد المياه والأمن المائي، متخصصة في تقنيات استغلال المياه المستعملة وإنجاز دراسات علمية، عاجلا، بقصد التحديد الدقيق لوضعية معدل المياه الجوفية. وأكّد الرئيس تبون، في وقت سابق، بعد تشخيص الوضع المتعلق بالمياه الصالحة للشرب، لولايات الجزائرووهران وقسنطينة، أن الأمن المائي في الجزائر لا يمر إلا عبر تقنية تحلية مياه البحر، لذا يتوجب على وجه الاستعجال الأقصى، تسريع عملية إدخال المحطات الخمس للتحلية، قيد الاستغلال، ووقف كل عمليات حفر الآبار لاستعمال المياه الجوفية في تموين شبكات التزويد، حفاظا على المخزون الاستراتيجي للمنسوب الحالي، وعدم تعريض الغطاء النباتي لأخطار بيئية. وشدّد الرئيس على التسيير الأمثل لمياه السدود، بشكل يحافظ على التوازن في التوزيع بين الولايات. وينتظر إثراء النقاش للعرض المتعلق بالتزويد بالمياه الصالحة للشرب ومحطات تحلية مياه البحر، في اجتماع مجلس الوزراء المقبل، بعد تأجيله في اجتماع الأسبوع الماضي لتمكين وزير الري الجديد من الملف وتحيين معطياته. حلول استباقية ومشاريع واعدة.. تشير التقارير إلى أنّ الجزائريين يستهلكون سنويا ما بين 3. 6 إلى 4 مليار متر مكعب من المياه، من بينها 30 بالمائة تأتي من السدود، فيما تأتي البقية من الآبار ومحطات تحلية مياه البحر، أما قطاع الفلاحة فيستحوذ على النسبة الأكبر، حيث يستهلك 80 بالمائة من المياه. ولاحتواء تداعيات الوضع المطول المهدد للأمن المائي، عملت الحكومة ضمن برنامجها، على التّوجه نحو إنجاز منشآت الري القائمة، والذي تم تنفيذه للحد من العجز في الموارد المائية الناجم عن التطور المتنامي للتوسع الحضري، والأنشطة الفلاحية والصناعية، والقيام آجلا باستباق الطلب المستقبلي من أجل ضمان حصول الجميع على مياه الشرب. وانصبت الأعمال المنجزة من قبل وزارة الري، على الشروع في استغلال تسعة مشاريع ربط كبرى وتحويل المياه بين السدود، مما سمح برفع الطاقة التخزينية، قصد تحقيق الأمن والمساواة الإقليمية في تزويد السكان بمياه الشرب، ولكن أيضا لتلبية الطلب على مياه الري انطلاق من هذه الانظمة، مع العلم أن الجزائر تتوفر على 81 سدا بطاقة تخزينية قدرها 7.489 مليون متر مكعب، منها 75 قيد الاستغلال، كما تم تسليم 611 بئر ذات تدفق 710 ألف مكعب في اليوم، من أصل برنامج وطني يشمل 760 بئر تم إطلاقها في اطار البرنامج الاستعجالي لسنة 2021، عبر 17 ولاية متضررة بانخفاض احتياطيات السدود، في حين تتكون الحظيرة الحالية المخصصة للتزويد بمياه الشرب من آبار كثيرة قيد الاستغلال. أما الجهود المتعلقة بتحلية مياه البحر، فقد أفضت إلى تسليم إنتاج إضافي من مياه البحر المحلاة بمقدار 195 ألف متر مكعب في اليوم، ويبلغ الانتاج الحالي، انطلاقا من عملية تحلية مياه البحر حوالي 1.7 مليون متر مكعب في اليوم. في حين سمح استلام 7 منشآت جديدة بزيادة قدرات تصفية المياه بحجم 72.404 متر مكعب في اليوم، مع الإشارة الى أن الحظيرة الحالية تتكون من 207 محطة لتصفية المياه، كما تم تسليم مساحة 9460 هكتار في اطار تجهيزات محيطات الري الكبيرة، انطلاقا من السدود الكبرى. هذه الجهود سمحت بتحسين وضعية التزود بمياه الشرب بصورة معتبرة في العديد من الولايات المتضررة من الشح المائي، وبرفع حصص المياه المخصصة لفائدة الفلاحين، وبالتالي، توسيع المساحات المسقية. في مجال التزويد بالمياه الشرب، تعمل وزارة الري على تحسين التزود بمياه الشرب تدريجيا، بوضع حيز الخدمة المشاريع قيد الإنجاز، وتدارك العجز المسجل ببعض الولايات، إذ لم يتم تزويد بالمياه بشكل يومي خلال موسم الصيف لسنة 2022 سوى 40 بالمائة من سكان الولايات المتضررة من الشح المائي، لاسيما ولايات وهران، الجزائر، معسكر، البليدة، تيزي وزو، سطيف، تلمسان، سيدي بلعباس وسوق أهراس. بالمقابل، يغطي إنتاج محطات تحلية مياه البحر 73 بالمائة من احتياجات سكان الولايات 12 المعنية ببرنامج تحلية المياه، تتعلق أساسا بالتجمعات الواقعة غرب البلاد، ويمكن تزويد ولايات وهران وعين تموشنت ومستغانم بالمياه المحلاة في حدود 100 بالمائة من احتياجاتها، أما بالنسبة لولايات الشلفوتلمسان ومعسكر، فإن نسبة التغطية بالمياه المحلاة تتجاوز 60 بالمائة من احتياجاتها. الأمن الغذائي والمائي..وجهان لعملة واحدة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، تعمل الجزائر على تطوير قدراتها في عدة قطاعات، في صدارتها الفلاحة من أجل تحقيق الأمن الغذائي للبلاد، وتوفير الاحتياجات الغذائية للسكان، وفك التبعية للأسواق الدولية في المواد الأكثر استهلاكا كالحبوب والحليب، وتحقيق هذا الهدف يعتمد أولا على الأمن المائي. والوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في الشعب الفلاحية، يقتضي الأمر توسيع المساحة المسقية، وتسعى الحكومة إلى تأمين إنتاج الحبوب بواسطة الري التكميلي والشامل على مساحة 500 ألف هكتار، وتعميم أنظمة الري المقتصدة للمياه على مساحة 150 ألف هكتار في آفاق 2025. وبغرض تبسيط وتسهيل الإجراءات الإدارية المتعلقة بمنح رخص حفر المناقب والابار، تم إنشاء الشباك الوحيد على مستوى جميع الولايات، سلم أكثر من 21 ألف رخصة خلال 2021 وبالنسبة لسنة 2022، تم منح 14 ألف رخصة خلال السداسي الأول من السنة. أما بالنسبة للاحتياجات الفلاحية، فتبلغ حصة المياه المحررة من السدود الكبرى نحو 363 مليون متر مكعب، وذلك للسماح بسقي الاراضي الفلاحية الواقعة في الولايات التي تعاني شحا من المياه. وبالرغم من استمرار الظروف المناخية غير المواتية، إلا أن وزارة الري تخصص سنويا حصصا من أحجام المياه لحملة السقي، وتتضافر الجهود لتحسين توفير الموارد المائية وحمايتها، فضلا عن حماية البيئة الطبيعية الأودية، السدود، وطبقات المياه الجوفية من خلال تطوير قدرات إعادة تدوير مياه الصرف الصحي المعالجة، وقد أتاحت هذه المشاريع تحسين احتياطات المياه الموجهة للفلاحة والصناعة.