تحلية مياه البحر وتصفية المياه المستعملة.. إمداد موثوق ومستدام بمادة الحياة التحلية.. التصفية وترشيد الاستهلاك.. ركائز استراتيجية لتأمين المياه عدادات ذكية لترشيد الاستهلاك ومعالجة ثلاثية لمياه السقي تبنت السلطات العمومية إستراتيجية وطنية جديدة لمجابهة نقص المياه السطحية الناتج عن التغيرات المناخية المتسارعة، تمنح حلولا جذرية ودائمة لمعضلة الجفاف وذلك بالاعتماد على تقنيات بديلة ومصادر غير تقليدية لتلبية الحاجيات الوطنية من المياه، سواء الموجّهة للشرب أو للسقي الفلاحي والإنتاج الصناعي، وذلك باستخدام مياه البحر المحلاة، والمياه المستعملة المصفاة بالمعالجة الثلاثية التي تجعلها آمنة على صحة النباتات والإنسان، وتزيح كل المخاوف من استعمالها، خاصة وأنها ستخفف الضغط عن الموارد السطحية المتأثرة بشح مياه الأمطار، وتحافظ على المخزون الجوفي للأجيال القادمة. وقد سمحت الاستثمارات الضخمة التي ضخت في فترة قصيرة للجزائر بأن تتبوّأ مكانة متقدمة في العالم، في استعمال مياه البحر المحلاة والمعالجة، وبالتالي، تأمين التزوّد بالمياه الصالحة للشرب والسقي في الوقت نفسه. بالرغم من أن الوضعية العامة لا تدعو للقلق بعد التساقطات الأخيرة التي رفعت مخزون السدود إلى 38 بالمائة، إلا أن السلطات العمومية سارعت إلى اعتماد إستراتيجية وطنية جديدة ترتكز على المياه المحلاة لتأمين المياه الصالحة للشرب، ومجابهة الشحّ المائي الذي يعرفه العالم وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط بما فيها الجزائر، فالجميع أصبح يلاحظ ندرة المورد الحيوي في كثير من بلدان العالم، والجزائر ليست بمعزل عن هذا العالم، ومن أجل التكيف مع التغيرات المناخية المتسارعة وتأثيراتها المعقدة، انتهجت السلطات العمومية رؤية استباقية، وأمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون بتعميم محطات تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، لتكون أحد الركائز في مواجهة نقص هذا المورد الحيوي. واعتمدت الجزائر استراتيجية متكاملة وشاملة لتأمين التزود بالمياه الصالحة للشرب والري، ترتكز على ثلاثة محاور، هي تعميم استعمال محطات تحلية مياه البحر نظرا لديمومة هذا المورد فمياه البحر لا تنضب، تصفية المياه المستعملة، وتوسيع نطاق استعمالها في الوسط الفلاحي والصناعي، والمحور الأخير ترشيد الاستهلاك. تملك الجزائر 11 محطة تحلية مياه البحر بطاقة انتاجية تقدر ب821 مليون متر مكعب في السنة، ويجري حاليا انجاز 5 محطات ضخمة كبيرة بطاقة انتاج تقدر ب300 ألف م 3 في اليوم، وعند انتهاء هذه المحطات ديسمبر 2024 (الآجال المحددة من قبل وزارة الطاقة المكلفة بأشغال الإنجاز)، سيتم رفع القدرة الانتاجية للمياه المحلاة إلى 1.5 مليون متر مكعب في اليوم، وتصبح مياه البحر المحلاة تغطي 40 بالمائة من الاحتياج الاجمالي للمياه الشروب، مقابل 18 بالمائة سنة 2022، حيث قدر الإنتاج ب601 مليون متر مكعب نظرا لنقص إنتاج محطة المقطع وكذلك محطة تلمسان. واتخذت السلطات العمومية عدة إجراءات من أجل رفع الطاقة الانتاجية الاجمالية لإنتاج هاتين المحطتين، ليصل حجم الإنتاج مرة أخرى إلى 821 مليون متر مكعب في السنة، سيضاف إليها إنتاج 5 محطات في 2024، وهذا ما سيسمح برفع درجة تأمين التزود بالمياه الصالحة للشرب، فالتحدي الموجود لإيجاد الحلول الجذرية للتزود بالمياه الصالحة للشرب وفي نفس الوقت تحسين عملية التوزيع يوميا، علما أن 93 بالمائة من مناطق الوطن تم ربطها بشبكة توزيع المياه، ويتم تزويدها يوميا بالمياه بوتيرة مقبولة، خاصة بعد التساقطات الاخيرة التي رفعت مخزون السدود الى 38 بالمائة، أي بنسبة 8 بالمائة، مقارنة بالحجم المائي المتوفر إلى غاية شهر ماي، والمقدر ب30 بالمائة. وبالرغم من أن هذه النسبة مريحة نوعا ما، لكنها تدعو إلى تسيير المورد المائي بحكمة وتبصّر وابقاء اليقظة دائمة، خاصة في موسم الصيف حيث يرتفع الطلب على هذه المادة الحيوية ويرتفع معه حجم الاستهلاك أضعافا مضاعفة. 5 محطات تحلية قيد الانجاز و6 جديدة في الأفق فرضت التغيرات المناخية المتسارعة، وتأثيراتها الممتدة على مساحات واسعة، الاستعجال في إطلاق مشاريع انجاز محطات تحلية مياه البحر كانت مبرمجة سنة 2025 إلى هذه السنة، وقد أمر رئيس الجمهورية بتعميم انجاز محطات تحلية البحر عبر الشريط الساحلي الجزائري واطلاق الدراسات الخاصة بها في أقرب وقت لتسريع تنفيذها على أرض الواقع وادخالها حيز الخدمة. 6 محطات تحلية مياه البحر ستكون بولايات تلمسان، مستغانم، الشلف، تيزي وزو، سكيكدةوجيجل، ينطلق انجازها مطلع 2024 وقد شرع مسؤولو الوكالة الوطنية لتحلية مياه البحر في زيارات ميدانية شملت ثلاث ولايات في البداية هي تلمسان، الشلف، ومستغانم، من أجل معاينة الأرضيات المخصصة لإنجاز هذه المحطات، وقد تم تكليف مخبر الدراسات البحرية من أجل القيام بالدراسات اللازمة، وستكون زيارات أخرى للولايات الاخرى المعنية بهذه المشاريع ويتعلق الامر بتيزي وزو، سكيكدة، جيجل. ولأوّل مرة في الجزائر، يتم تقديم انجاز مشاريع وليس تأجليها، في خطوة استباقية ترمي - بحسب الخبراء - إلى تكييف الاستراتيجية الوطنية للمياه مع تطورات الوضعية الحالية الناجمة عن التغيرات المناخية التي تسارعت تأثيراتها ليس على الجزائر فقط، بل على دول العالم كذلك، لذلك تدخل السلطات العمومية الاستباقي كفيل برفع تأمين التزود بالمياه الصالحة للشرب من موارد دائمة وليس مؤقتة. وتهدف هذه الانجازات إلى تغطية الطلب الوطني من المياه بنسبة 60 بالمائة، وهو مستوى تأمين لا بأس به وغير متوفر حتى في أحسن دول العالم. ترشيد الاستهلاك لتحقيق الاستدامة في عاصمة البلاد، تعتمد "سيال" بنسبة تقارب 50 % على محطات تحلية مياه البحر لتلبية حاجيات السكان من الماء الشروب، بما يتوافق مع الاستراتيجية الجديدة للسلطات العليا للبلاد في مواجهة تحديات نضوب موارد المياه، إذ تلتزم بشكل كامل بهذا المسار لضمان إمداد موثوق ومستدام بالمياه الصالحة للشرب. وفي هذا الإطار وتطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية وتوجيهات وزير الري، وقعت "الجزائرية للمياه" و«مجمع كوسيدار" و«سيال" مع مديرية التكوين والتعليم المهنيين على مذكرة تعاون لإطلاق تكوين أول من نوعه متخصص في تحلية مياه البحر. هذا التكوين النوعي سيضمن على المدى القريب والمتوسط إمداد القطاع بيد عاملة مؤهلة تضمن تسيير منشآت تحلية مياه البحر التي هي في الخدمة أو طور الإنجاز على مستوى الولايات الساحلية للبلاد بطريقة فعالة ورشيدة. في نفس السياق، يعد تحسين وتطوير ورقمنة الخدمة العمومية للمياه والتطهير من أولى أولويات في إطار تسيير مستدام لهذا المورد الحيوي، مع ضمان التوازن والصحة المالية للمؤسسة. وفي هذا الإطار، وقعت الجزائرية للمياه وسيال مع مؤسسة "سانسوس" مؤخرا، مذكرة تعاون لتركيب العدادات الذكية التي ستمس في المرحلة الأولى، القطاعات الإدارية والصناعية والتجارية، وهذا من أجل التحكم الأحسن في منظومة فوترة الكميات المستهلكة وكذا، مرافقة كبار الزبائن في ترشيد استهلاك المياه، وبالتالي، تحقيق استدامة هذا المورد الحيوي. كما تشمل هذه المذكرة تجريب واستعمال تكنولوجيا الكرة الذكية المطورة من طرف مؤسسة سانسوس للكشف عن التسربات وتشخيص قنوات المياه والتطهير. ولا يقتصر هذا التعاون مجال تسيير المياه فحسب، بل يتماشى أيضا مع المسؤوليات الاجتماعية كشركة مواطنة، من خلال إطلاق مشروع جمع وإعادة تدوير العدادات التالفة. كما أطلق وزير الري المنصة الرقمية الجديدة الموجهة لتعزيز خدمات "سيال"، وهي مبادرة تأتي في إطار النموذج الاقتصادي الجديد الذي يستند إلى تنويع مصادر إيرادات الشركة من خلال تطوير رقم الأعمال والخدمات، وهي الاستراتيجية التي ستمكن من تلبية توقعات زبائن الشركة وتضمن الاستدامة المالية لها. وتحرص "سيال" بهذا، أكثر من أي وقت مضى، على الحفاظ على خدمة عمومية متميزة في مجال المياه والتطهير، من خلال التكيف مع الرهانات الحالية واستشراف التحديات المستقبلية. ومن أجل ضمان خدمة التزود بالمياه في فصل الصيف، تم اعادة توزيع المياه بجداول زمنية تسمح بمنح حصص من المياه البيوت في ساعات محددة يوميا، باستثناء بعض المناطق التي تتواصل فيها المجهودات لربطها بشبكة المياه، كما تستغل شركات "سؤال"، "سيور"، " الجزائرية المياه"، كل وسائل العصرنة من أجل التحكم في تسيير مخزون السدود بطريقة عقلانية وتأمين كل الحصص الإضافية. توسيع استعمال المياه المعالجة في الفلاحة لأن قطاع الفلاحة يستحوذ على نسبة كبيرة من المياه الموجهة لسقي مختلف المزروعات، فحسب الاحصائيات يستهلك 70 بالمائة من الموارد الاجمالية، 18 بالمائة مضمونة من المياه السطحية، وحتى لا يبقى هذا القطاع رهينة التساقطات المطرية التي تراجعت معدلاتها كثيرا في السنوات الأخيرة، تم توفير بدائل أخرى لضمان توفير حصة معتبرة للسقي الفلاحي، انطلاقا من اعادة استعمال المياه المصفاة، لتخفيف الضغط على مياه السدود المتأثرة بشحّ التساقطات المطرية، وتوجيهها للشرب نظرا لنقص هذا المورد الثمين. ولأن السنوات الأخيرة شهدت شحا في الأمطار، أثر على منسوب السدود، ومن ثم تراجع الحصص المائية الموجهة للسقي، تأقلمت الجزائر مع هذا الوضع بتوفير جرعات الحياة من المياه المصفاة المعالجة، للمزروعات المعمرة بحسب الكميات الممنوحة، واللجوء إلى استعمال طريقة التوزيع بالدور عبر المحيطات. واستعمال المياه المعالجة في السقي بالجزائر ليس وليد اليوم، فهي لديها 211 محطة تصفية بطاقة تصفية تصل مليار متر مكعب، وستضاف 30 محطة جديدة، عند تسليمها آفاق 2026 تصل طاقة الإنتاج 1.4 مليار متر مكعب. مياه محطات التصفية النشطة حاليا، توجه لسقي محيطات فلاحية، من بينها محيطات كبرى بكل من وهران، تلمسان، بومرداس، عبر قنوات تصل الاراضي الفلاحية مباشرة ولا تختلط بالمياه السطحية أو الجوفية. وتخضع مياه محطات التصفية والتطهير إلى مراقبة صارمة من مخابر وطنية، وقد تم وضع ترسانة قانونية لاعادة استعمالها المياه المعالجة بطريقة آمنة ومضمونة 100 بالمائة، بحيث لا توجه للسقي إلا بعد خضوعها لتحاليل دورية تؤكد خلوها من البكتيريا، وتستعمل مخابر وطنية تقنية المعالجة الثلاثية التي تقضي على البكتيريا بنسبة تصل حتى 97 بالمائة وهي توجه لسقي الخضروات والمحاصيل الفلاحية بطريقة صحية 100 بالمائة، أما المياه غير المعالجة بالتقنية الثلاثية فتوجه لسقي الاشجار المثمرة والحبوب. ويؤكد خبراء أن المياه المعالجة أو المعاد استعمالها، آمنة على الصحة النباتية والانسان، ولا تحمل أي مخاطر، لأن انتاجها يتم وفق ترسانة قانونية واضحة، ومواصفات تقنية وصحية مضبوطة ودقيقة. حاليا تستغل 50 مليون متر مكعب يوميا من المياه المعالجة في سقي المحيطات الفلاحية، في حين 430 مليون متر مكعب يذهب للطبيعة، وهو ما تحاول الوزارة الوسيلة تداركه بتحسيس الفلاحين أكثر بأهمية استغلال هذا المورد البديل والدائم في السقي، مع حرصها على تعميم المعالجة الثلاثية عبر أكبر عدد من محطات التصفية، لتوفير مورد مائي آمن وصحي، خاصة وأن المعطيات تشير إلى امكانية توفير 1.4 مليار متر مكعب في غضون 2030، باستعمال تقنيات حديثة تضمن اعادة استعمالها في كل أنواع الزراعة وتعميمها على المحيطات والمساحات الموجودة بمحاذاة هذه المحطات في كل مناطق البلاد، وهو ما يسمح بتوفير موارد مائية إضافية لفائدة قطاع الفلاحة وتخفيف الضغط على المياه الجوفية والمياه السطحية المتأثرة أساسا بشح الأمطار. مع العلم أن قطاع الموارد المائية يوفر عموما كمية تقدر ب 7 مليارات متر مكعب سنويا توجه لتغطية احتياجات قطاع الفلاحة أي ما يمثل نسبة 70 بالمائة من الانتاج الوطني، وقد تم إنجاز 45 محيط سقي كبير مجهز يستفيد أساسا من السدود الكبيرة والتي يجري استغلالها حاليا بمساحة اجمالية تفوق 280 الف هكتار موزعة على 35 ولاية ومسيرة من طرف الديوان الوطني للسقي الفلاحي وتصريف المياه. ويتم العمل على توسعة وتهيئة محيطات سقي أخرى كلما توفرت الامكانيات المالية، حيث يتم استغلال 65 سدا في السقي حاليا. ويرى خبراء أن توفير الماء المشروب عن طريق تحلية مياه البحر حل نهائي، وكذلك استغلال المياه المستعملة في السقي الفلاحي بعد معالجتها، خاصة وأن القوانين موجودة والمياه متوفرة، وكل ولاية تتوفر على محطة معالجة، يمكن توجيه إنتاجها لسقي المحيطات الفلاحية. وحسب معطيات الديوان الوطني للسقي وصرف المياه يحتاج هكتار واحد إلى 5 آلاف متر مكعب من الماء في العام، وهذا يكلف الفلاح 12 ألف دينار، وبإمكان محطة معالجة واحدة إنتاج 3 آلاف متر مكعب يوميا، أي في ظرف 3 أيام يمكن أن تنتج مليون م3، مع العلم أن محيط بمساحة 3 آلاف هكتار يحتاج 15 مليون م3، ولو يتم بناء سدود صغيرة لتخزين المياه المعالجة ستجد الجزائر موردا دائما للسقي.