قررت السلطات العليا في البلاد فتح مكاتب معتمدة للصرف، من أجل تسهيل عمليات صرف العملات الأجنبية للمواطنين والسياح، تجسيدا لقرارات السلطات العليا في البلاد بإصلاح عميق للحكامة المالية ومحاربة الممارسات غير القانونية، في إطار التوجه نحو اقتصاد جديد قائم على الشفافية والصرامة في المعاملات المالية. وفي ظل كل ذلك، حاولت "الشعب" رصد آراء المواطنين والخبراء، وتنقلت إلى السوق الموازية ووقفت على آراء استحسنت الدور الذي ستلعبه هذه المكاتب. في البداية، ينبغي معرفة نشاط مكاتب صرف العملات الأجنبية في الجزائر التي تترقب إصدار النصوص التنظيمية لها، إذ يؤكد أستاذ الاقتصاد بوشيخي بوحوص، أنها ستتواجد عندما تتحصل على الاعتماد عبر كامل التراب الوطني، في البلديات بما في ذلك الفنادق والمطارات. وسيعهد لهذه المكاتب، القيام بعمليات شراء وبيع العملة الأجنبية من كل الأنواع المتداولة، الدولار، الأورو، الجنيه، الين، وكل العملات المسموح بتداولها. يقول محدثنا: "عندما تتحصل مكاتب الصرف على الاعتماد من البنك المركزي، سوف يعهد لها توزيع منحة السفر لكل مواطن جزائري منها 100 دولار في السنة، أيضا تكلف بتقديم العملة الصعبة للأساتذة الجامعيين والمسؤولين في مختلف الوزارات والشركات الذين يكونون محل تربص في الخارج أو التكليف بمهمات في الخارج، بينما لم تتضح بعد طريقة بيع العملة وشرائها". مقترحات لتمويل مكاتب الصرف وتساءل محدثنا عن طريقة تمويل مكاتب الصرف بالعملة الصعبة، أي مصدرها، ليؤكد أنه على طاولة البنك المركزي عدة مقترحات ومقاربات ومنها مقاربته، حيث يقترح أن يكون مصدر العملة الصعبة هو الشعب الجزائري، من خلال إحصاء عدد الأسر الذي يبلغ حوالي 7 ملايين أسرة، مفيدا "إذا منحنا لكل أسرة الحق في شراء 1000 أورو سنويا، نكون أمام عرض قدره 7 ملايير أورو، بالإضافة إلى 3 ملايير أورو التي تأتي بها الجالية الجزائرية، حيث يكون المبلغ المعروض 10 ملايير أورو، حيث أن كل عائلة مخيرة بين أن تذهب إلى الخارج أو تبيع إلى مكاتب الصرف، وفي هذه الحالة يكون الهامش بين السعر الرسمي وسعر السوق قليلا جدا ويستعيد الدينار الجزائري عافيته بهذه الطريقة". توجهت "الشعب" دون أن تُفصح عن هويتها، إلى المباني المطلة على ساحة بورسعيد بقلب الجزائر العاصمة، وهو مكان تواجد سوق صرف العملة بالهواء الطلق، "السكوار"، وهذا أياما قليلة بعد الإعلان عن قرار فتح مكاتب لصرف العملات الأجنبية.. الحركية كانت عادية جدا، شباب ومراهقون يلوّحون بالعملات الأجنبية والوطنية في وجه المارة، يقتنصون الفرص لتحويل العملات التي بحوزتهم، ويقنعونك بكل الطرق والأساليب بغية استدراجك لإتمام العملية المالية، حيث يختارون زبائنهم بعناية ويطلبون أرقام هواتفهم في حالة ما إذا احتاجوا إلى صرف العملات مستقبلا. أمر حدث معنا، حيث أصرّ أحد الباعة على أخذ رقم الهاتف بعدما دخلنا معه في دردشة لمعرفة أسعار صرف العملات، وهذا للعودة من جديد إلى مكان وقوفه الثابت تحت إحدى البنايات هناك، بعدما أخبرنا بسعر صرف العملات في حينها. فيما يستعمل الباعة هناك عبارات "راهو طالع اليوم"، لجذب المارة إليهم، في منافسة "شريفة" تقوم على عاملين لا ثالث لهما، الربح واستقطاب الزبائن. «السكوار".. قضية وقت توقفنا نسأل كمواطنين عاديين عن أسعار العملات الأجنبية، في محاولة منّا معرفة سعر صرف الأورو، أكثر العملات تداولا هناك، بغية كسب ثقة الشباب الواقف على مرمى حجر من ميناء الجزائر، فتبين أن سعر الشراء للعملة الأوروبية الموحدة، الأورو، بلغ نحو 220 دج دينار جزائري لكل 01 أورو حسب الكمية، والبيع للزبائن ب230 دينار جزائري للقيمة ذاتها، حيث روى لنا أحد الشباب أنّ هذه الأسعار تراوح مكانها منذ أكثر من أسبوع. وقال لنا أحد باعة العملة، في نهاية عقده الثالث من عمره، إن السعر مستقر منذ مدة في انتظار تغييرات قد تطرأ بين الفينة والأخرى، تتحكم في أسعار العملات في "السكوار". وقد حاولنا خلال دردشتنا معه، معرفة رأيه في فتح مكاتب الصرف مستقبلا، فأخبرنا أنه لا يعارض الفكرة، بل يثمنها وسيتأقلم مع الأمر ويعمل في هذه المكاتب، ولا مفر من ذلك، وقال حرفيا "عادي أين المشكل؟.. سنعمل في مكاتب رسمية إذا سمحوا لنا بذلك". تركنا الأخير يواصل "عمله"، وكانت وجهتنا عند أحد الشباب كان يرتدي قميصا طويلا ويطلق لحية كثة، رفض الحديث عن مكاتب الصرف واكتفى بتقديم أسعار الشراء والبيع لعملة الأورو، وغادرنا مسرعين، بعدما قال: "هل أنتِ مهتمة حقا بالبيع والشراء؟!"، بدا لنا أنه متحفظ جدا من هذا الموضوع، وحريص في التعامل مع زبائنه، وقد تبين ذلك من خلال انتقاء عبارات الحديث بعناية فائقة لا تتجاوز حدود البيع والشراء. البائع المخفي وفي زوايا مختلفة من ساحة بورسعيد التي تمتلئ بالمحلات والمقاهي والمطاعم، يتكئ شباب لا يلوّحون بأي عملات، ولا يوحي مظهرهم أنهم أحد باعة "السكوار"، حيث لا يريدون أن يكونوا محلّ أنظار المارين من هناك، بل يختارون زبائنهم بعناية فائقة، وهو ما حدث معنا، حيث قصدنا أحد الأشخاص، بينما كنا نتجول في الأرجاء، وأخبرنا عن سعر صرف العملات اليوم، وأن الفرصة سانحة للشّراء، فاقتنصنا بدورنا هذه الفرصة وفتحنا معه دردشة حول اعتماد مكاتب الصرف ومستقبل هذه السوق السوداء، فقال إن السكوار مصدر رزقه الوحيد حاليا، لكن حتى وإن فتحت تلك المكاتب لن يتوقف في التعامل مع زبائنه ليس في "السكوار" طبعا، يقول هذا الشاب، وكله يقين بأنه آيل للزوال يوما ما، وختم كلامه قائلا: "أختي أنا متأكد أن السوق ستزول تدريجيا مستقبلا، لكنني لن أتوقف حسب ظروفي طبعا.. يمكن أن أغيّر المهنة". بالمقابل، وفي الجهة الأخرى، تحدثنا مع مواطنين بصفتنا باحثين عن صرف العملات في محيط ساحة بورسعيد، وفتحنا معهم موضوع فتح مكاتب لتحويل العملة الصعبة واحتمال اختفاء سوق السكوار مستقبلا.. أحد المارة الذي يبدو أنه من قاصدي هذه السوق كثيرا، أخبرنا أن الأمر جيد، سواء من ناحية محاربة أخطار هذه السوق، التي غالبا ما يتعرض فيها الزبائن للسرقة والاحتيال، وقال: "المهم التخلص من عرض العملة الصعبة في الشوارع، حيث يتعرض المتعامل في هذه السوق لمختلف الأخطار، على غرار السرقة والاعتداء وأخطار أخرى". وروى لنا الشخص ذاته حوادث وقعت سابقا، رغم توفر الأمن بالقرب من محيط السوق الموازية، لكن، قد يستدرج البائعون زبائنهم إلى زوايا مختلفة بعيدا عن أعين رجال الأمن، موهمين إياهم أن التعامل بعيدا آمن لهم، لكنهم سرعان ما يتعرضون للسرقة، وفي أحيان تقع حوادث وشجارات محتدمة. مكاتب الصرف.. الحلّ الأفضل ويوضح أحد الشباب وهو أحد المشترين لعملة الأورو، لمحناه من بعيد، شابا ذا جسم ضخم وبنية قوية تظهر عليه علامات الرخاء، حيث اقتنى مبلغا ماليا بالأورو، عندما سألناه عن مخاطر السوق على المرأة مثلا، قال لا تخافي الأمن متوفر، لكن الأفضل أن لا تكوني بمفردك، بل مع أحد المقربين لك من الرجال، لأنه مكان خاص جدا، والكل يتربص هنا، فأخبرناه أن مكاتب الصرف مستقبلا ستحل هذه المشكلة، وكانت إجابته: "نعم نحن نريد تسهيل الأمر علينا وأن تتواجد هذه المكاتب على مستوى المطارات، حتى لا نتعب في تحويل العملة وتتم بشكل رسمي أحسن".. وقد تبيّن أنه أحد المهاجرين المقيمين في باريس منذ 20 سنة، وزبون دائم في السكوار"